- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سياسيون يحللون أسباب هجرة الشباب ويدقون ناقوس الخطر الهروب أو الهجرة: آلاف من شبان موريتانيا يتقاطرون على «فردوس» أمريكا
سياسيون يحللون أسباب هجرة الشباب ويدقون ناقوس الخطر الهروب أو الهجرة: آلاف من شبان موريتانيا يتقاطرون على «فردوس» أمريكا
- 10 سبتمبر 2023, 9:48:46 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نواكشوط ـ «القدس العربي»: يتقاطرون زرافات ووحدانا كل يوم إلى المدن الأمريكية في هروب من رمضاء أوضاع بلدهم، لكن إلى نار الهجرة وإكراهاتها أو إلى «الفردوس الأمريكي» كما يتخيلون: إنهم شباب موريتانيا الذين أظهرت بيانات الهجرة في الدول التي مروا بها أن توافدهم على الولايات المتحدة متواصل بشكل ملفت وغير مسبوق، رغم ما فيه من المخاطر والتكاليف.
ويؤكد الخبراء أن الدافع الرئيسي لهجرة الشباب الموريتاني هو الفقر، حيث بلغ يزال معدل الفقر في موريتانيا مرتفعا، إذ يعيش 28.2 في المئة من سكان موريتانيا تحت خط الفقر.
وكان آخر معلومات مخيفة عن توافد المهاجرين الموريتانيين الغريب إلى أمريكا، هو ما نشره مؤخرا، المعهد الوطني للهجرة في دولة الهندوراس بأمريكا الجنوبية.
فقد أكد المعهد مرور 4079 مهاجر موريتاني غير نظامي بأراضي الهندوراس في الفترة ما بين العام 2016 ومنتصف العام الجاري، وهذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار من تمكنوا من المرور بأراضي الهندوراس عبر شبكات التهريب المنتشرة هناك.
تدفق نشط
وأظهرت المعطيات التي نشرها معهد الهجرة الهندوراسي عن ارتفاع سنوي في أعداد المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين من مهاجر واحد عام 2016 إلى 3703 مهاجر، في النصف الأول من السنة الجارية.
وتعتبر الهندوراس وهي إحدى دول أمريكا الجنوبية، أحد الخطوط النشطة التي يعبر منها المهاجرون الأفارقة والعرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد المعهد «أن من بين من عبروا بشكل غير نظامي من الموريتانيين للأراضي الهندوراسية 252 قاصرا، و70 امرأة، وشخصان تتراوح أعمارهم بين 60 و70 سنة».
وأظهرت بيانات المعهد أن أعمار 2226 من بين المهاجرين الذين مروا بمكاتب الهجرة، كانت تتراوح ما بين 21 و30 سنة، فيما كانت أعمار 1240 منهم تتراوح ما بين 31 و40 سنة.
وتحدثت الإحصائية عن عبور 320 موريتانيا خلال هذه الفترة المذكورة ممن تراوح أعمارهم ما بين 41 و50 عاما، بالإضافة إلى 31 مهاجرا تتراوح أعمارهم ما بين الخمسين والستين.
الحلم الأمريكي
وللحصول على زبائن، تروج شبكات التهريب للهجرة إلى أمريكا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بنشر شعارات منها «الحلم الأمريكي ما زال متاحا» و«لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد» محاولة إقناع الشباب الموريتاني اللاهث وراء الثراء بأن هناك طرقا أخرى لدخول الولايات المتحدة خارج الطرق الرسمية غير المضمونة.
تقترح تلك المقاطع، باللغتين العربية والفرنسية التوجه إلى مكاتب تساعد الراغبين في الهجرة لأمريكا، بطريقة غير مباشرة، وتغنيهم عن المسار العادي الذي يتطلب وقتا ووضعا قانونيا خاصا، وسلسلة من المعاملات الرسمية.
عبور دول عديدة
في السابق، كانت الهجرة تتم عن طريق طلب التأشيرة بشكل رسمي من سفارة الولايات المتحدة والحصول عليها مباشرة أو من خلال مكاتب خدمة خاصة مقابل 30 ألف دولار.
ومع تكرار حالات رفض السفارة الأمريكية بسبب أو بدونه، لم يعد أمام المرشّحين إلا طريق الهجرة السرّية التي تمر حتما بإسبانيا ثم بإحدى دول أمريكا الجنوبية، حيث الحصول على تأشيرة الدخول في المطار والتوجّه من ثم شمالا نحو حدود الولايات المتحدة مع المكسيك حيث اجتياز الجدار الحدودي الشهير.
وحسب المتداول من معلومات حول الهجرة إلى أمريكا، فقد أصبح الوصول للأراضي الأمريكية ممكنا عبر طريق جديد مكتشف بداية العام الجاري، ويبدأ السفر بالوصول جوا إلى نيكاراغوا، حيث تسمح شروط الدخول الميسرة للموريتانيين بشراء تأشيرة منخفضة التكلفة دون تقديم الكثير من الإثباتات.
ترويج وشعارات
بدأ سماسرة الهجرة يروجون لرحلات جوية من موريتانيا، إلى تركيا وكولومبيا والسلفادور، وصولا في النهاية إلى ماناغوا، بنيكاراغوا، ومن هناك، يتم نقل المهاجرين، إلى جانب طالبي اللجوء من دول أخرى، بالحافلة إلى الأراضي الأمريكية، تحت إشراف ودعم مهربين.
ويسمح طريق نيكاراغوا للمهاجرين بتجنب رحلات القوارب إلى أوروبا التي فتكت بعشرات الآلاف في العقد الماضي، كما أن السفر إلى نيكاراغوا يعتبر قانونيا و«آمنا» وهو ما جذب إليه مزيدا من الراغبين في الهجرة إلى الولايات المتحدة.
ويجمع المهاجرون الموريتانيون الذين وصلوا إلى أمريكا «أن الرحلة من موريتانيا إلى أمريكا تكلف ما بين 8000 إلى 10000 دولار، وهو مبلغ ضخم تدبره أسر المهاجرين عن طريق بيع الأراضي أو الماشية أو عن طريق الاقتراض.
أسباب وأنماط
وحسب بيانات الجمارك وهيئة حماية الحدود الأمريكية، فمن المحتمل أن يفوق عدد الوافدين الجدد إلى أمريكا، عدد المقيمين الموريتانيين في الولايات المتحدة والذين يقدرون بنحو 8000 نصفهم تقريبا في ولاية أوهايو.
ووفقا لنفس المصدر، فقد وصل إلى أمريكا بطريقة غير شرعية، عبر الحدود البرية، في الفترة من اذار/مارس إلى حزيران/يونيو 2023 أكثر من 8500 موريتاني.
وتؤكد وكالة أسوشيتد برس «أن تدفق الموريتانيين، غير العادي، فاجأ المسؤولين في الولايات المتحدة، حيث لم يكن هذا التدفق الملفت بسبب كوارث طبيعية أو انقلاب، أو انهيار اقتصادي مفاجئ، لكنه، على ما يبدو، كان بسبب القوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل أنماط الهجرة».
ونقلت الوكالة عن مهاجرين موريتانيين في أمريكا قولهم «إنهم وصلوا في تسعينيات القرن الماضي، كلاجئين بعد أن بدأ النظام العسكري الحاكم في موريتانيا بمضايقة المواطنين الموريتانيين السود» متحججين «بقمع الدولة لهم باعتبارهم مواطنين سود، وبإن الشرطة الموريتانية، تستهدفهم بسبب نشاطهم المناهض للعبودية».
إجراءات طويلة للغاية
ويدخل العديد من الموريتانيين الولايات المتحدة عبر يوما، بولاية أريزونا، حيث ينزل المهربون بعضهم على طريق مكسيكي سريع لنحو ساعتين سيرا على الأقدام، وذلك، عبر نهر عميق، ثم يسلكون طريقا بصخور صحراوية وعرة، قبل أن يستلمهم حرس الحدود في يوما، حيث ينتظرون دراسة ملفات لجوئهم.
وبعد فترة من الاحتجاز والفحص، قد تستغرق ساعات أو أيام، يدخلون إلى الأراضي الأمريكية في انتظار موعد المحكمة، وهي عملية قد تستغرق سنوات.
في غضون ذلك، يتم ربط أولئك الذين تمكنوا من الدخول لأمريكا بمجموعة من المدافعين الأمريكيين عن حقوق الإنسان، والموريتانيين المقيمين الذين يساعدونهم في تدبير السكن.
وقد يظل البعض رهن الاحتجاز لأسابيع، وقد يرحل البعض جوا إلى موريتانيا.
وقد دعت جماعات نشطة في مجال حقوق الإنسان مؤخرا، إدارة الرئيس، جو بايدن، إلى منح الحماية المؤقتة للموريتانيين، بعد ورود تقارير عن انتهاكات ضد السكان السود.
تحليلات الساسة
عالجت ندوة سياسية شارك فيها نواب وأساتذة جامعيون وإعلاميون وحقوقيون، ظاهرة الهجرة إلى أمريكا: وقد طالب النائب الخليل النحوي، بوضع برنامج وطني للتشغيل، يحد من نزيف الهجرة، مؤكدا «أن الهجرة ظاهرة كونية طبيعية؛ فالحيوانات تهاجر، والطيور تهاجر، والأسماك، والبشر أيضا يهاجرون، ولكن ما يقع مقلق» حسب قوله «فقد هاجر أربعون ألف شخص بحثا عن الفردوس الأمريكي المزعوم، ومن بينهم عشرة آلاف نزحوا في ظرف ستة أشهر فقط».
وقال «هذه ظاهرة مخيفة، يجب أن نبذل جهودا لاحتضان شبابنا، فنحن يهاجَر إلينا ونحن نهاجِر عن أرضنا ولا نعرف قيمة أرضنا التي هي حلم لأقوام آخرين، لذا يجب استبقاء شبابنا أو أكبر قدر ممكن منه على الأقل».
الهجرة مهمة ومرعبة
أما القيادي الإسلامي النائب إسلكو ولد ابهاه مسؤول العلاقات الخارجية في حزب تواصل ذي النزعة الإسلامية، فلا يرى بأسا في الهجرة، وهو يرى «أن من أسباب الهجرة ظاهرة التقليد الأعمى عند الموريتانيين، ومن أسبابها نسبة البطالة المصرح بها رسميا 11 في المئة أي وجود نحو 700 ألف شخص عاطل، فماذا علينا لو تركنا أربعين ألفا منهم مثلا يحاولون في دولة أخرى؟» حسب قوله.
وقال «ليست هذه أكبر هجرة تقع عندنا؛ ففي ابيدجان عاصمة كوت ديفوار وحدها 35 ألف موريتاني مهاجر، وما ضخّم ما يقع الآن من هجرة إلى أمريكا، هو وسائل التواصل الجديدة من فيسبوك وغيره. أما الهجرة فهي كثيرة نحو السعودية وانغولا، وأمريكا دولة عملاقة وقوية جدا، ومن سياساتها تبنّي العقول واتاحة الفرص لتفجير الطاقات».
وترى البرلمانية فاطمة السالمة بنت سيدي حمود «أن الهجرة موضوع وطني يستحق النقاش، وبتجرد وصدق، فالهجرة موجودة من القديم ومستمرة، وموريتانيا شهدت عدة هجرات، ولكن الهجرة الجديدة إلى أمريكا أصبحت شبه منظمة شيئا ما؛ ومن أبرز أسبابها، إشكالية البطالة رغم محاولات الدمج والتشغيل التي لم تجد في الحد من البطالة».
وزادت «المشكلة في هذه الموجة من الهجرة هي هجرة الموظفين وأصحاب رؤوس الأموال؛ فمن المخيف أن يترك الواحد وظيفته ويهاجر هجرة غير شرعية، فهذا أمر مخيف».
الهجرة والانهيار
أما الدكتور حماه الله ولد السالم، الأستاذ الجامعي، والباحث الأكاديمي فيقول، في مداخلة له خلال الندوة «نحن شعب مهاجر، والهجرة ليست عيبا؛ ولكن ما دافع هؤلاء الى الهجرة؟! الجواب: هو الحلم الأمريكي، فالعوامل الطاردة غير موجودة والحمد لله، كالحرب الأهلية مثلا، أو الدكتاتورية السافرة، أما البطالة فهي عامل طارد ولكنه موضوعي تراكمي».
وقال «عنصر التآمر موجود، فهناك «طرف ما من مصلحته أن يتم إفراغ البلاد من خيرة منتجيها؛ كما حدث في العهد المرابطي عندما زحفوا شمالا، وهو ما كان كارثة على الصحراء».
وأضاف «الآن وبما ان الهجرة واقع، فالسؤال المطروح هو: كيف تجعلهم يقومون بهجرة عكسية؛ أي كيف تخلق لهم حلُما موريتانيا؛ بأساطيره المؤسِّسة، وبعناصره الجاذبة وبمنافعه السريعة؟».
وزاد «أخشى أن تكون هذه الهجرة غير نبيلة أو غير مشرِّفة كثيرا! فنحن لم نعد في مرحلة الانزعاج من الهجرة فهي أصبحت كابوسا وشيئا مزعجا يهدد السلم الاجتماعي والدولةَ والصالحَ العام».
وقال «هجرة الشباب من سن البلوغ إلى 30 هي شيء خطير؛ ويمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة بصراحة! وإذا استمر سنة أو سنتين ستنهار الدولة الموريتانية، أو تكون على شفا الانهيار على الأقل، فالحل هو صنع حلُم وطني، ينبغي أن يشعر الشباب الموريتاني ان هناك وطنا جاذبا، بحيث تزيد ثقة الشباب في هذا الوطن ويقوى تمسكهم به».
الدولة والهجرة
ويقول أحمد منّا الخبير الموريتاني في التنمية البشرية «إن الدولة لا تشجع الهجرة غير النظامية بحكم التزاماتها الدولية والأخلاقية، فهي تشجّع الاستثمار الأجنبي في ظل اكتشاف الغاز وتوسع نشاط الصيد، إضافة إلى إجراءات تنظيمية أخرى، كمنع بعض الوظائف على غير المواطنين كممارسة نشاط النقل الحضري؛ وهناك مبادرة مكافحة الهجرة السلبية، وقد ظهرت في سنة 2022 من أشخاص موجودين أساسا في المهجر (أمريكا وكندا) وتهدف إلى دعم المهاجرين وتعريفهم بحقوقهم والتعاون مع المنظمّات غير الحكومية الوطنية والدولية لجل مشكلات هؤلاء في بلدان العبور أو الإقامة، وخصوصا في البلدان التي لا توجد فيها تمثيليات دبلوماسية موريتانية».
الشرط الفعال
لا يبدو، حسب الخبير أحمد منّا، «أن جهود الدولة لمواجهة هذا التحدّي ستعطي أكلها ما لم تندرج في إطار استراتيجية متكاملة لمعالجة مشكلات بطالة الشباب، تبدأ بمحاربة الفساد وتشجيع الشفافية في التعيينات ومنح الصفقات العمومية، وتوسيع مجالات التعليم الفني والمهني المرتبط باحتياجات سوق العمل، ولا تنتهي بتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال تشجيع ريادة الأعمال ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسّطة التي تشكل أهم مصدر للتشغيل في الدول المتقدّمة، وكذلك القيام بمشاريع بنية تحتية مؤسّسة ذات حاجة لليد العاملة الكثيفة، كالطرق والمطارات والموانئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصانع».
بين الخوف والرجاء
الخلاصة أن الموريتانيين حكاما ومحكومين، قلقون إزاء الهجرة، فهي وإن كانت ذات أهمية من باب الحد من ارتفاع البطالة وضغوطها الاجتماعية على الدولة، ومن باب تحويلات العملة الصعبة ذات الأهمية البالعة، ففي الهجرة انقطاع للمهاجرين عن المجتمع، وفيها مخاطر تهدد الشباب الطامع في الثراء السهل، إذ قد ينجذبون للمجموعات الإرهابية النشطة طمعا في كسب مادي سريع، كما أن في هجرة الموريتانيين الكثيفة إلى أمريكا حاليا التي تتوازى مع هجرة نشطة لمواطني دول غرب أفريقيا إلى موريتانيا طمعا في عصر الغاز المتوقع بعد سنة واحدة، تهدد موريتانيا باختلال ديموغرافي في السكان والعمالة.