- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سيد حمدي يكتب: الإنسان وكسب التعاطف.. كيف يمكن أن نخفي بعض فصول القصة ونكشف أخرى بإبداع؟
سيد حمدي يكتب: الإنسان وكسب التعاطف.. كيف يمكن أن نخفي بعض فصول القصة ونكشف أخرى بإبداع؟
- 31 يوليو 2023, 5:53:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل أيام خرج الشيف التركي "بوراك" يبكي بسبب "خيانة والده له، والاستيلاء على أمواله"، ولم أتوقف كثيراً حول رواية الشاب المشهور، لكني توقفت كثيراً أمام الذين توجهوا بالسباب واللعن لوالد بوراك، واتهامه بالظلم الشديد بعدما صدقوا الرواية التي حكاها الشاب اللطيف لجمهوره العريض حول العالم.
وقبل فترة جاءتني زوجتي غاضبة من تصرف أحدهم مع زوجته، وكيف نزع الله الرحمة من قلبه، فيعاملها بقسوة، ويحتقرها، ويقلل من شأنها دوماً، وكان المطلوب منّي في نهاية حديثها أن أحزن على حال صديقتها كحزنها عليها، ولا مانع من البكاء أمام تلك الحالة الإنسانية التي تستحق الشفقة!
البشر بعضهم بارع في إخفاء فصول من القصة، وبعضهم بارع في سرد الحكاية، كحال المرأة الإسبانية "أليسيا ستيف هيد" التي ادعت أنها من الذين نجوا من هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001. فراحت تنظم الندوات واللقاءات وتحكي للشعب الأمريكي كيف أنها نجت بأعجوبة من وسط ألسنة النيران التي كانت تضرب البرج الجنوبي بعدما اصطدمت به الطائرة، وكيف أنها زحفت لمسافات طويلة وهي مصابة بحروق في جسدها.
بل سردت روايات عن حال الذين قابلتهم في رحلة زحفها بأسلوب مؤثر كان يهيج مشاعر الأمريكيين الذين يستمعون إليها بدءاً من المسؤولين في الحكومة مروراً بأفواج السياح وصولاً لعموم الشعب.
واستطاعت أن تأسرهم بقصة ذلك الرجل المحروق الذي أعطاها خاتماً لتعطيه إلى زوجته، وكيف أن خطيبها الذي كان يعشقها مات محروقاً ولم تقدر على مساعدته، الأمر الذي جعل الشعب يتعاطف معها ويبدأ في حملة جمع أموال دعماً لها ولغيرها من الناجين والناجيات.
هذا بخلاف الكتاب الذي ألفته وحقق مبيعات خيالية، ثم يتبين لاحقاً أن أليسيا هيد لم تكن أصلاً في نيويورك يوم الحادث، ولا في القارة الأمريكية بالأساس، بل كانت في موطنها الأصلي إسبانيا.
وغيرها من آلاف القصص التي تؤكد على ما يتحلى به الإنسان من قدرة على استعطاف الآخرين بما آتاه الله من إمكانات وقدرات وملكات، يوظفها في إظهار فصول وإخفاء فصول من القصة، بظهورها قد يفقده تفاعل الآخرين معه واستجلاب الاستعطاف اللازم!
كثير من الناس رجالاً ونساءً الاستعجال دأبه، والعاطفة واستبعاد العقل دربه، والاستماع إلى أحد طرفي القصة دون الآخر منهجه.
لقد عاتب الله نبيه داود عليه السلام؛ لأنه استمع إلى خصم في دعواه ولم يستمع إلى الآخر، وكان الأصل أن يستمع إلى الخصمين قبل نزول حكمه، ولهذا من الكلمات التي توزن بماء الذهب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيره قوله: (إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له، فلعل خصمه فقئت عيناه).
حتى الاستماع إلى الطرفين ليس ناجعاً في كل الحالات، فأحياناً لا بدَّ مع الاستماع من أهل الخبرة للوقوف على ميزان دقيق توزن به الأمور، فقد يتطلب الأمر استشارة متخصص لكي يخرج الحكم صائباً، ذلك أن لدى أكثرنا قناعات في الحياة توهمنا أننا الأصح في حين أن الخطأ كامن فيما نعتقده دون أن ندري، ومن ذلك خلط البعض بين ما يأمر به الدين، وما يقتضيه العرف.
وبالعودة للشيف بوراك، فلا أحد يتمنى لغيره التفوق عليه أبداً إلا الأب تجاه الابن. ولقد استمعت إلى والد بوراك فوجدت تفنيداً لما أذاعه الشيف الابن. أنا هنا لا أصدق ولا أكذب، بل أحاول أن أتصدى لقيمة هز الثقة في الأب، أي أب، وقيمة إضعاف الثقة بين الناس، فضلاً عن إضعافها بين الأب وابنه.