- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
شريحة الدماغ.. لماذا يثير بدء التجارب السريرية في شركة إيلون ماسك كل هذا القلق؟
شريحة الدماغ.. لماذا يثير بدء التجارب السريرية في شركة إيلون ماسك كل هذا القلق؟
- 7 يونيو 2023, 9:19:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعطت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية الضوء الأخضر لشركة نيورالينك المملوكة لإيلون ماسك لإجراء التجارب السريرية على البشر بشأن شرائح إلكترونية في الدماغ، فلماذا القلق؟
يقول ماسك إن الهدف من تلك الشريحة هو مساعدة البشر على التنافس مع الذكاء الاصطناعي، الذي يصفه مالك تويتر بأنه "يمثل خطراً وجودياً على الجنس البشري"، لكن الكثير من المتخصصين يشعرون بقلق بالغ.
وكانت الضجة حول مخاطر الذكاء الاصطناعي قد أُثيرت بشكل أساسي بسبب روبوت الدردشة ChatGPT، من ميكروسوفت، ووصلت إلى حد تحذير خبراء كبار من مخاطر الذكاء الاصطناعي الوجودية، لكن التحذير من هذه المخاطر ليس جديداً، إذ سبق أن حذّر رائد علم التحكم الآلي نورمان وينر عام 1960 من أن "السحر سينقلب على الساحر".
نورمان كان قد قال نصاً إن "الآلات في رحلة تعلمها قد تطور استراتيجيات غير متوقعة بمعدلات تحيّر مبرمجيها". وشبَّه نورمان باحثي الذكاء الاصطناعي بصبي الساحر الذي لا يمكنه التحكم في سحر سيده، وبعد عقود من تحذيره لا يبدو أن الأمر قد اقترب من الحل، بل ما حدث هو العكس تماماً.
تاريخ ماسك المثير للجدل
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يرصد ردود الأفعال على حصول شركة ماسك، التي تسعى لزراعة شريحة في دماغ البشر على الموافقة لإجراء التجارب البشرية. وشركة نيورالينك متخصصة في تطوير الواجهات الحوسبية الداعمة للدماغ البشري، ويملكها رجل الأعمال الأمريكي وأغني رجل في العالم سابقاً، حصلت في الأسبوع الماضي على موافقة الجهات التنظيمية لإجراء أول تجاربها السريرية لجهازها التجريبي على البشر.
لكن الترويج المنمق لهذه التكنولوجيا، الذي يدور على لسان مؤسسها الملياردير، وسِجِلِّهِ السابق في قيادة الشركات الأخرى، وشواغل الرفق بالحيوان المتعلقة بالتجارب التي تجريها نيورالينك، تدق ناقوس الخطر.
قالت لورا كابريرا، اختصاصية أخلاقيات طب الأعصاب لدى معهد روك للأخلاقيات بولاية بنسلفانيا: "كنت متفاجئة"، وذلك في تعليقها على القرار الذي اتخذته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بمنح الشركة تصريح للمضي قدماً في التجارب السريرية.
وجادلت لورا بأن قيادة ماسك غريبة الأطوار لموقع تويتر، وروح التقنية لديه القائمة على فكرة "التحرك بسرعة"، تثير تساؤلات حول قدرة نيورالينك على الإشراف المسؤول على تطوير جهاز طبي قادر على قراءة إشارات الدماغ. وتساءلت: "هل سينظر إلى زراعة جهاز في الدماغ على أنه شيءٌ لا يحتاج فقط إلى مجرد الحصول على قانون تنظيمي إضافي، بل يحتاج أيضاً إلى اعتبار أخلاقين أم أنه سيتعامل مع هذا على أنه مجرد جهاز آخر؟".
ليست نيورالينك أولى الشركات التي تعمل على الواجهات الحوسبية الداعمة للعقل البشري، وليست الوحيدة أيضاً. فعلى مدى عقود زمنية، كانت فرق الباحثين حول العالم تستكشف استخدام عمليات الزراعة والأجهزة لعلاج مشكلات طبية مثل الشلل والاكتئاب. وبالفعل، يستخدم آلاف الأشخاص الأطراف الصناعية العصبية مثل زراعة قوقعة الأذن للسمع. لكن النطاق الواسع للقدرات التي يعد بها ماسك من جهاز نيورالينك، أثارت الشكوك لدى الخبراء.
إيلون ماسك – رويترز
دخلت نيورالينك هذه الصناعة في 2016، وصممت الواجهة الحاسوبية الدماغية المسماة "لينك" (Link)، بالإضافة إلى جهاز آلي يزرع الشريحة.
قال جون دونوهيو، عالم الأعصاب لدى جامعة براون، الذي قاد الفريق الذي طور الواجهة الحاسوبية الدماغية "براين غايت" (BrainGate)، لاستعادة الحركة لدى الأشخاص المصابين بالشلل، إن التصميم استخدم على ما يبدو نوعاً جديداً من الإلكترودات.
ادعى ماسك أن جهاز نيورالينك يمكن استخدامه في عدد من الاستخدامات العلاجية، لعلاج حالات مثل العمى والشلل والاكتئاب. لكنه قال أيضاً إن الهدف النهائي هو استحداث "جهاز للمستخدمين العامين" يربط دماغ المستخدم ربطاً مباشراً بالحواسيب الخارقة ويساعد البشر في مواكبة الذكاء الاصطناعي. وأشار أيضاً إلى أن الجهاز سيتمكن في نهاية المطاف من استخلاص الأفكار وتخزينها، بوصفها "محرك أقراص احتياطي لكيانك غير الجسدي، أي روحك الرقمية".
وكان "ChatGPT"، أو روبوت الدردشة القائم على الذكاء الاصطناعي، الذي تصنعه شركة "أوبن إيه آي"، في كاليفورنيا، قد أثار عاصفة من الجدل هذا العام، تبعتها تحذيرات خطيرة من جانب مشاهير ومتخصصين في مجال التكنولوجيا. وخلصت دراسة استقصائية حديثة إلى أن 50% من الباحثين العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي يرون أن هذه التكنولوجيا يُحتمل بنسبة 10% أن تتسبب في انقراض الجنس البشري، علما بأن ماسك كان أحد مؤسسي شركة أوبن إيه آي.
معاملة نيورالينك لحيوانات التجارب
حتى الآن، اختبرت نيورالينك رقاقاتها على الحيوانات فقط، يُظهر فيديو نُشر في عام 2021 قرداً يستخدم الجهاز للعب لعبة الفيديو بونغ باستخدام دماغه، فيما يُظهر فيديو آخر يعود لعام 2022 على ما يبدو قرداً يكتب على حاسوب باستخدام التخاطر.
أزالت الموافقة التي منحتها إدارة الغذاء والدواء، العائق الأول أمام إجراء التجارب السريرية على البشر، لكن نطاق مثل هذه الدراسة وتركيزها وتصميمها، لا يزال غير واضح.
لا يُعلن للجمهور عن الطلبات المُقدمة لإدارة الغذاء والدواء، ولا عمليات الموافقة على هذه الطلبات. كذلك لا يُطلب من شركة نيورالينك، بوصفها شركة خاصة، الكشف عن مثل هذه التفاعلات التنظيمية أمام المستثمرين.
يشير موقع شركة نيورالينك إلى أنه يبحث عن مشاركين يعانون من حالات مرضية، تتضمن الشلل والعمى والصمم والعجز عن النطق. لكن الشركة لم تستجب لطلب أرسلته صحيفة The Guardian للحصول على مزيد من التفاصيل.
قال متحدث باسم إدارة الغذاء والدواء في بيان، إن الإدارة تؤكد فقط على أن نيورالينك حصلت على موافقة إعفاء جهاز التحقيق (IDE)، وهي العملية الخاصة بإدارة الغذاء والدواء، التي تسمح باستخدام جهاز ما في الدراسات السريرية.
تجربة شريحة الدماغ من نيورالينك على قرد/ رويترز
ولم يتضح كذلك متى ستحدث التجربة. سوف تحتاج الشركة جمع مجلس مراجعة مؤسسية، للموافقة على البحوث ومراقبتها. وتأتي موافقة إدارة الغذاء والدواء في الأسبوع الماضي، بعد أن رفضت الجهة التنظيمية في أول الأمر عرضاً سابقاً من نيورالينك لإجراء التجارب السريرية في 2022، مشيرة إلى "عشرات من أوجه القصور" التي يجب على الشركة معالجتها قبل إجراء التجارب على البشر، وذلك حسبما ورد في تقرير نشرته وكالة Reuters.
تشير وكالة الأنباء إلى أن شواغل السلامة المرتبطة ببطارية الليثيوم المستخدمة في عملية الزراعة وارتفاع درجة الحرارة المحتمل، يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الأسلاك الصغيرة الموجودة في الآلة يمكن أن تنتقل إلى أجزاء أخرى في الدماغ، بالإضافة إلى أن الجهاز ربما لا يمكن إزالته من دون الإضرار بأنسجة الدماغ.
لم تتضح الطريقة التي حُلّت بها هذه الشواغل. ترفض إدارة الغذاء والدواء التعليق تحديداً على العملية المتبعة في طلب نيورالينك، لكن متحدثة باسم الإدارة أدلت بتعليق عام مفاده أن إدارة الغذاء والدواء لديها "عملية صارمة علمياً لتقييم سلامة ونجاعة الأجهزة الطبية". وأضافت أن إدارة الغذاء والدواء لديها "التزام عميق بضمان الرعاية الإنسانية والمسؤولة للحيوانات" المشاركة في التجارب. ورفضت شركة نيورالينك التعليق حول خططها المتعلقة بالتجارب السريرية.
جدول زمني مرهق وعمليات فاشلة
كذلك تأتي موافقة إدارة الغذاء والدواء في خضم تدقيق مستمر لممارسات التجارب التي تجريها نيورالينك، ومزاعم بالقسوة على الحيوانات. قتلت الشركة أكثر من 1500 حيوان منذ بداية تجاربها في 2018، وفقاً لتقرير آخر لوكالة Reuters. صحيح أن نفوق الحيوانات التي تخضع للتجارب شائعٌ داخل المختبرات، لكن الموظفين أبلغوا وكالة الأنباء بأن معدلات النفوق كانت أعلى من الضروري بسبب الجدول الزمني المرهق للتطوير الذي وضعه ماسك، مما أدى -حسب زعمهم- إلى كثير من الأخطاء والعمليات الفاشلة.
استقال غالبية مؤسسي الشركة، الذين تضمنوا كبار العلماء في هذا المجال. وحتى يوليو/تموز 2022، لم يبق إلا اثنان من 8 مؤسسين لشركة نيورالينك.
قالت إل سيد جونسون، اختصاصية أخلاقيات طب الأعصاب في مركز أخلاقيات علم الأحياء والعلوم الإنسانية بجامعة أبستيت الطبية، للصحيفة البريطانية: "أود أن أعرف ما الذي كانت إدارة الغذاء والدواء تفكر فيه. أحد الشواغل المتعلقة بنيورالينك هي أنها لا تعمل بالطريقة التي تعمل بها الكثير من المعامل والمنظمات البحثية الأخرى. ثمة شواغل حول احتمالية أدائهم نوعاً من العمل المهمل، وأن بياناتهم قد تكون غير موثوقة".
أدت هذه المزاعم إلى إجراء عديد من المؤسسات الحكومية وأعضاء الكونغرس، تحقيقات مستمرة مع نيورالينك. قالت لورا: "كنت سأرغب في أن أنتظر لأسمع كيف تدور هذه التحقيقات، وما هي النتائج قبل أن أعطي الشركة الضوء الأخضر لإجراء التجارب. إذا اتضح أن المزاعم حقيقية، فإنها تثير بكل تأكيد شواغل حول التعامل مع أدمغة البشر الخاضعين للتجارب".
لم ترد الشركة على طلبات للتعليق على هذه المزاعم. لكنها قالت، في مدونة سابقة رداً على مقالات حديثة تثير التساؤلات حول استخدام نيورالينك حيوانات التجارب، إنها "ملتزمة تماماً بالعمل مع الحيوانات بأفضل الطرق الإنسانية والأخلاقية الممكنة".
لماذا القلقمن تجارب شركة ماسك على البشر؟/ رويترز
قالت إل ولورا إن سجل ماسك حول سوء تعامله مع بيانات المستخدمين في تويتر، يثير تساؤلات حول قدرة الشركة على التعامل مع البيانات شديدة الحساسية المُتحصَّل عليها من المشاركين في تجاربها السريرية النهائية.
وقالت إل: "هناك بعض الشواغل الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية، في أي وقت تستخدم خلاله جهاز الدماغ. الأمور التي تستحق الاهتمام هي: "هل ستمتلك نيورالينك قدرة على الوصول إلى بيانات الدماغ للأشخاص الذي زرعوا هذه الأجهزة؟ وما الذي سيفعلونه بها؟ وكيف سيحمون خصوصية المستخدم؟".
ولم ترد الشركة على التساؤلات المثارة حول خططها للتعامل مع بيانات المشاركين في التجارب. قال ماسك إنه أسس الشركة استجابة للمخاوف التي تقول إن الذكاء الاصطناعي سوف يكتسب سلطة كبيرة على البشر. وجادل الملياردير الأمريكي بأن جهاز نيورالينك سوف يسمح للبشر بالتنافس مع الذكاء الاصطناعي الواعي الجديد، وقال: "أسست [نيورالينك] تحديداً لمعالجة مشكلة التعايش مع الذكاء الاصطناعي، التي أعتقد أنها تمثل تهديداً وجودياً".
يقول الخبراء حتى بعد أن نجحت نيورالينك في الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء لبدء التجارب السريرية، سوف يكون أمامها طريق طويل قبل أن تصل منتجاتها إلى المستهلكين. فبعد الموافقة على التجارب السريرية، تجري الشركات عادةً ما لا يقل عن جولتين من التجارب قبل التقدم للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء لتسويق الجهاز تجارياً.
سوف يتوجب على نيورالينك أولاً إثبات أن عملية الزراعة آمنة، ثم تثبت نجاعتها في علاج حالات مرضية محددة. قال دونوهيو إن نجاعة الزراعة في العلاج هي مجال يضطلع فيه الباحثون حول العالم بعمل صعب لكنه واعد.
وأوضح: "تكنولوجيا زرع شيء في الدماغ ناضجة جداً، ولكن المكان الذي يوضع فيه داخل الدماغ وكيفية تحفيزه هي أمور لا تزال قيد العمل، لاسيما بالنسبة للأمراض المعقدة".
ومع ذلك، قال إنه لا يحب التسويق المبالغ فيه. وأشار إلى أن دعاية ماسك لجهاز نيورالينك تشبه خططه لتويتر، الذي اشتراه في 2022 مقابل 44 مليار دولار، ووعد بتحويله إلى "تطبيق كل الأشياء" قادر على تلبية جميع احتياجات المستخدمين في نفس الوقت.
أضاف دونوهيو: "أعتقد أنه يرفض مستوى التعقيد الكامن في الأمر برمته. إذ إن علاج كل حالة على حدة تتطلب مجهوداً كبيراً، أليس كذلك؟ وقد تستغرق وقتاً طويلاً. ومن ثم أعتقد أن علينا أن نكون حذرين للغاية، ونحترم كرامة الأشخاص الذين نحاول مساعدتهم".