شيماء المرسي تكتب: تقلبات الاقتصاد الإيراني في ظل حكومة رئيسي.. هل هى تحديات أم إخفاقات؟

profile
شيماء المرسي باحثة دكتوراة بالشأن الإيراني
  • clock 24 يونيو 2023, 4:31:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ تشكيل الحكومة الثالثة عشرة، والاقتصاد الإيراني يشهد تقلباتٍ مقلقة تحيط ارتفاع معدلات التضخم القياسية وارتفاع أسعار السلع الغذائية والسكن نحو 10 أضعاف مقارنة بالخمس سنوات الماضية؛ نتيجة إلغاء عملة الدولار الحكومي وتزامنها مع زيادات سعر الدولار الأمريكي والسعر العالمي للسلع والمنتجات الغذائية.

ولعل الأمل الأخير في يد الحكومة الآن يتمحور حول التوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن برنامجها النووي، من أجل الحصول على الامتيازات الاقتصادية التي ترجوها في ظل العقوبات والحظر الدولي. وبرغم أن حكومة إبراهيم رئيسي لاتزال تُحمل حكومة روحاني المنتهي ولايته، أسباب الإخفاق الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية إلى النصف مقارنة بعام (1396هـ.ش – 2017م)، لكنها تُكثف جهودها لحلحلة الأزمة في ظل تزايد الغضب الشعبي الرافض لسياساتها الاقتصادية.

بين المساعي الحكومية وخيبة الأمل

منذ سبتمبر 2021 والحكومة تعتمد مسار تنازلي لخفض معدلات التضخم، حيث انخفض بنسبة 13.1 نقطة مئوية ليصل إلى نسبة 46.2% في فبراير 2022. خاصة وأن معدل التضخم أغسطس 2021 قد وصل إلى مستوى 54.9% في ظل نمو القاعدة النقدية التي تشير إلى مقدار النقد المتداول في الاقتصاد ليبلغ نحو 42.6% يونيه 2021، لكنه انخفض بنسبة 11.2% ليصل إلى 31.4% نوفمبر 2021. هذا التحرك الإيجابي للنمو الاقتصادي، أدى إلى زيادة الرخاء النسبي في الأعمال التجارية، وانخفض على إثره معدلات البطالة في خريف العام الماضي ليصل إلى ما دون 9%.

إلى جانب ذلك انخفض معدل تضخم السلع الغذائية للعشور الأربعة الأولى بنسبة 9% في مارس 2022 مقارنة بأغسطس 2021، وحققت الإيرادات الضريبية المتوقعة في قانون الموازنة لعام 1400 أكثر من 111%، وخُفضت الضريبة على دخل الإنتاج من 25% إلى 20% بهدف تخفيف العبء الضريبي على الإنتاج. كما ألزمت المصارف والشركات الحكومية لأول مرة بتوضيح الفواتير المالية للحد من عدم التهرب من التمويل المحلي الداخلي ومنع الفساد. كذلك تمت مطالبة البنوك المملوكة للدولة بكشف قوائم الحسابات المصرفية الرئيسية المتعثرة.

وعلى الرغم من خطابات ودعوات الأمل التي تحفل بها وسائل الإعلام المحافظ حول إنجازات الحكومة، ومساعيها لخفض معدلات التضخم في البلاد ليهبط دون 40%، إلا أن تقرير البنك الدولي جاء مخيبًا لتلك الآمال، حيث توقع أن إيران في طور كسر حاجز الرقم القياسي للتضخم قريبًا. يذكر أن إيران حطمت الرقم القياسي للتضخم عام 1995م بنسبة 49.3% خلال حكومة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني -لم تشهد البلاد تضخما مثله من قبل-، ولكنها جاءت من جديد لتحطم حاجز 50% لتصل إلى 51%. وبحسب التقرير الأخير، يتوقع البنك الدولي كسر معدل التضخم في إيران عام 2023 حاجز 51% لتحطم إيران عمليًا الرقم القياسي للتضخم في تاريخها من قبل حكومة إبراهيم رئيسي.

تأثير معدلات التضخم على المعيشة

كشفت التقارير الاقتصادية الأخيرة، أن التضخم كان يتبع الاقتصاد الإيراني مثل الظل. وكان حلم السيطرة على التضخم خلال السنوات الأخيرة، إحدى الوعود الرئيسة لكل حكومة إيرانية قبل تشكيلها، لكنها وكالعادة فشلت في الوفاء بوعدها. وبرغم تعهد حكومة رئيسي بخفض معدل التضخم إلى النصف، وتحسين الظروف المعيشية للناس، علاوة على حل مشكلة الدخل المنخفض للعاملين والمتقاعدين، لكن لا يزال الاقتصاد الإيراني كما هو دون أي تغير. الفارق فقط، هو أن معدل التضخم يرتفع بالتزامن مع تنفيذ ما يسمى ببرنامج إصلاح العملة الترجيحية.

بلا شك هذا التغير يؤثر بدرجة كبيرة على غالبية الأشخاص الذين تعتمد سبل عيشهم على البرامج الاقتصادية للحكومة، أي تسعة أعشار الدخل الذي من المفترض أن يحصلوا عليه كإعانات شهرية من الحكومة وهو ما يقدر بـ 300 إلى 400 ألف تومان شهريًا. هذا يعني أن تلك التغييرات ليست سوى موجة جديدة من تكلفة المعيشة المرتفعة؛ لأنه حاليًا “سلة المعيشة” التي كانت تكلف 9 مليون تومان العام الماضي، تكلف حاليا أكثر من 17 مليون تومان مع بداية النصف الثاني من عام 1401 هـ.ش أي 23 أغسطس 2022.

ونتيجة تلك الظروف يواجه المواطن الإيراني حاليا تخفيضًا لنصيبه من المواد الأساسية واستبدالها القسري بمواد أرخص، بالإضافة إلى الهجرة الجماعية لغالبية المستأجرين وانتقالهم الجبري إلى منازل ومناطق سكانية دون المستوى في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 80% وانخفاض قيمة العملة الإيرانية.

العراق وتركيا كملاذ من الأزمة

في ظل تحديات الأزمة الاقتصادية في إيران، تلجأ الأخيرة إلى العراق كأحد سبل الالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي تعرقل تنمية التجارة الخارجية لإيران خصوصا القيود البنكية من جهة، والتغلب على التهديد السعودي والتركي الآيل إلى تطوير التعاون الاقتصادي من جهة أخرى، وذلك بزيادة إنتاجيتها عبر الاستثمار في المشاريع والمخططات التجارية والنفطية، وتأمين وصولها إلى السوق العراقية، باعتباره ثاني أكبر مستورد للسلع الإيرانية غير النفطية.

ولأن إيران مُنيت بتأرجح عائداتها سواء من صادرات النفط الخام أو تجاراتها الخارجية مع دول الجوار، علاوة على تراجع قيمة العملة المحلية في السوق الإيرانية، تسعى إلى التعويض عن تلك الخسائر بتعزيز نفوذها الاقتصادي وتقوية قبضتها من خلال هيمنة أحزاب شيعية موالية لإيران على البرلمان العراقي والحكومة. أيضًا تفعيل المكاتب التجارية المتخصصة والتنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، سيمكنها في النهاية من تسوية تحديات التجارة بين البلدين. لاسيما وأن صادرات السلع غير النفطية بلغت نحو 10.236 مليار دولار إلى العراق العام الجاري كإحدى آليات تنشيط الشراكة التجارية بين البلدين.

وبالنسبة لتركيا فتعتبرها إيران شريكًا تجاريًا استراتيجيًا، وذلك لأن توسيع التبادلات الاقتصادية بينهما عبر معبر “بازرجان – جوربولاج” الحدودي الإيراني التركي، وهو المعبر الدولي الوحيد الذي يعمل على مدار 24 ساعة، سيخفض مدة الشحن ونقل البضائع بين البلدين وبالتالي سيكون فرصة جيدة للشراكة في مجال الترانزيت، وتصدير بضائعهما إلى دول أخرى. وباعتبار أن تركيا تدرك أهمية الموقع الاستراتيجي لإيران، والذي مكنها من تقريب المسافات بينها وبين الدوحة أعقاب أزمة الخليج، علاوة على أنه فرصة للتقارب والتبادل التجاري مع دولة الإمارات، تحاول إيران استغلال الفرصة لتوسيع التبادل التجاري معها وتحقيق 15 مليار دولار كعائد بحلول عام 2025، بعدما نجحت في إيصال صادراتها من الغاز إلى تركيا نحو مليار و567 مليون متر مكعب في الربع الأول من عام 2023. تلك المحاولات فرصة ثمينة لانعاش الاقتصاد الإيراني من ناحية وتقليل الغضب الشعبي الرافض لسياسات الدولة الاقتصادية من جهة أخرى.

ومع ذلكـ أرجح معظم الاقتصاديين الإيرانيين، أن علة اضطراب الاقتصاد الإيراني وتراجعه؛ يعود إلى انعدام الانضباط المالي والذي يتم توريثه باستمرار من حكومة إلى أخرى. خصوصا وأنه في كل سنة مالية يؤثر انعدام الانضباط المالي للحكومة على معدل نمو التضخم بحوالي 15% إلى ما يقرب من 20%، وهذا يعني أنه حتى لو لم تكن هنالك مشكلة في الاقتصاد الإيراني على المستوى المحلي والخارجي، فإن المستوى العام للأسعار سيرتفع كما هو متوقع في نهاية السنة المالية لانعدام الانضباط المالي باعتباره العامل الرئيس في عدم تحقق الاستقرار الاقتصادي.

جملة ما أعلاه، أن ارتفاع تكلفة المعيشة، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، زعزع البنية التحتية في الداخل الإيراني، ووضع تحديات جديدة أمام الحكومة الثالثة عشر والفصائل الأخرى في النظام، كان أبرزها مؤخرًا انسحاب أو قرار نائب الرئيس الإيراني في الشؤون الاقتصادية “محسن رضائي” الاستقالة من منصبه إثر تصاعد الأزمة الاقتصادية؛ نتيجة فشل سياسات الحكومة الاقتصادية، وما يقابلها من غضب شعبي لا يهدأ.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)