- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
صالحة علام تكتب: الانتخابات التركية ونار اللعب بورقة القومية
صالحة علام تكتب: الانتخابات التركية ونار اللعب بورقة القومية
- 22 أبريل 2023, 7:13:51 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اشتدت حدة المنافسة في الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية التركية، ودخل الصراع بين المتنافسين فيها مرحلة حاسمة تنذر بعواقب وخيمة، بعد أن علا صوت القومية والانتماء العرقي والديني على ما عداهم من الثوابت الوطنية، التي طالما حافظت على كيان الدولة كله، ومنعت الأمور من التصعيد في بلد يحوي بين جنباته العديد من القوميات والإثنيات العرقية، والانتماءات الدينية، التي تعد أحد أبرز موروثات الجمهورية التركية وأهمها منذ فترة الإمبراطورية العثمانية.
فمن المعروف أن تركيا هي واحدة من الدول التي أنعم الله عليها بثراء مجموعتها العرقية، وتنوع انتماءاتهم، ومعتقداتهم وطوائفهم الدينية، الأمر الذي طالما رسم لها لوحة فنية متعددة الألوان، ومنحها وفرة غزيرة في الموروثات الثقافية والعادات الاجتماعية.
فإلى جانب القومية التركية، يشكل الأكراد ثاني أكبر مجموعة عرقية في تركيا، يأتي بعدهم الشركس في المركز الثالث من حيث العدد، ومن بعدهم البوشناق أو البوسنيون، والعرب الذين يمثلون حوالي 15% من مجموع السكان، إلى جانب اللاز، والأرمن، والسريان، والكلدان، والألبان، والأرناؤوط، والأوزبك، والتتار، والأذريين، والقازاق، والغجر، والقيرغيز، والإيغور، وغيرهم.
ونظرًا لهذا التنوع والتعدد العرقي إلى جانب التنوع العقدي بين الإسلام على المذهبين الحنفي والعلوي، إلى جانب المسيحية واليهودية، فقد نأى الجميع على مدى تاريخ الجمهورية التركية الذي قارب المائة عام عن الخوض من قريب أو بعيد في هذه القضايا ذات الحساسية البالغة، أو السعي لإقحامها في الحياة السياسية، فلم يتم توظيف أي منها في أية استحقاقات انتخابية في تركيا طوال هذه المدة الطويلة من عمر الدولة.
توظيف ورقة القومية في الانتخابات للمرة الأولى
إلا أنه ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية هذه المرة تصدرت وللمرة الأولى مسألة القومية، والإثنية العرقية، والانتماء الديني، تصريحات السياسيين والأكاديميين وحتى الإعلاميين الأتراك، بقوة لافتة لم يألفها الشارع التركي من قبل، ولم يعتد عليها.
إذ ازدادت وتيرة تناول موضوع الأكراد على الساحة السياسية تحديدًا، وارتفعت الأصوات التي تتهمهم بالسعي لتمزيق الوحدة الترابية للأراضي التركية، وتوالت الاتهامات ضد حزب الشعوب الديمقراطي أكبر الأحزاب الكردية اليسارية على الساحة السياسية.
ويبدو أن الحزب وجد في الحملات الموجهة ضده ضالته وفرصته الذهبية، فسعى لاستغلالها بهدف إظهار قوته ومدى تأثيره في مجريات الأحداث السياسية داخل تركيا، وإبراز مكانته وقيمته التي لا يمكن تجاهلها أو إنكار وجودها.
تأجيج الصراع بين الأكراد والقوميين
فقد قرر المواجهة بنوع من التفاخر والتباهي، وكأنه يريد تأجيج الصراع بينه وبين القوميين المتشددين، خصوصًا في رده على اتهامه بأنه يمثل الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حربًا انفصالية ضد الدولة التركية، حيث زايد على منتقديه بالمطالبة بضرورة الإفراج عن رئيسه المعتقل صلاح دميرتاش، وكذا المسجونين من عناصر العمال الكردستاني المتهمين بتنفيذ عمليات إرهابية وقتل مدنيين، ووقف الحرب التي يشنها الجيش التركي ضد الحزب سواء في شمال سوريا أو شمال العراق، داعيًا الدولة إلى إقامة حوار جدي مع ممثلي الأكراد لإنهاء الصراع القائم منذ أكثر من أربعين سنة.
القوميون الأتراك يكشرون عن أنيابهم
وهو ما أشعل حنق القوميين الأتراك، الذين سارعوا بالتكشير عن أنيابهم، محذرين السياسيين من أية محاولة تستهدف التحالف مع الشعوب الديمقراطي، حتى وإن كان الثمن خسارة الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني، ولعل حملة الاستقالات التي أقدم عليها الكثير ممن ينتمون لحزب الجيد أحد أوجه التيار القومي المتشدد على الساحة التركية، على خلفية اختيار كمال كيليشدار أوغلو كمرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية، بعد تصريحه بوجود اتصالات مع حزب الشعوب الديمقراطي، لمقايضته على دعمه له في الانتخابات، لخير دليل على احتدام الصراع وتزايد إمكانيات تصاعده.
طرح الانتماء الديني للمرشحين وتأثيره في الانتخابات
على صعيد آخر تناول البعض مسألة الانتماء الديني للمرشحين في الانتخابات، مع التركيز على شخص كمال كيليشدار أوغلو تحديدًا، حيث ينتمي الرجل إلى الطائفة العلوية التركية، وهو ما اعتُبر أحد أبرز العقبات التي يمكن أن تقف حجر عثرة في طريقه، وتحول بينه وبين تحقيق الفوز بمنصب رئيس الجمهورية، حتى أن ميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد نفسها صرحت بهذا في إحدى المرات، حينما تم سؤالها عن سبب رفضها الموافقة على ترشيح كيليشدار أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية، قائلة “أخشى أن يؤثر كونه علوي المذهب على حظوظه في الفوز بالمنصب”.
الصراع الأزلي بين الإسلاميين والعلمانيين
أما ثالث صراع علني أظهرته الحملات الانتخابية، فهو هذا الصراع الأزلي بين الإسلاميين والمحافظين الأتراك، وبين الكماليين والتيار العلماني الموالي له، وهو الصراع الممتد منذ إلغاء الخلافة الإسلامية، وإعلان قيام الجمهورية التركية على أسس علمانية، صراع طويل الأمد لم يتم حسمه حتى الآن.
لكن يبدو أن الفريقين يستعدان لإدارة الجولة الأخيرة بينهما، التي يبدو أنها ستكون الحاسمة لهذا الصراع الممتد على مدى مائة عام، من خلال هذه الانتخابات، لذا فإن كل فريق منهم يسعى لأن يحشد أكبر عدد ممكن من الأتباع والمؤيدين، متوعدًا الفريق الآخر بالويل والثبور وعظائم الأمور.
العلمانيون وحلم عضوية الاتحاد الأوربي
فالعلمانيون يبشرون الأتراك بالعودة إلى السير مجددًا على نهج مصطفى كمال أتاتورك، وما وضعه من قواعد وقوانين تنظم الأمور اليومية لحياة المواطن التركي، وهي القواعد التي تتخذ من العادات والتقاليد في المجتمعات الأوربية منهجًا ونبراسًا، كما يعدون بتنظيف البلاد من كل مظاهر التدين التي طغت على الشارع التركي، بما تمثله من قيود تحد من الحرية الشخصية للأفراد، مبعدة البلاد والعباد عن النهج الأوربي بكل تفاصيله، مع وعود بالعودة مرة أخرى لطرق أبواب الاتحاد الأوربي، والعمل بجد للحصول على عضويته كاملة غير منقوصة، مهما كان الثمن الذي ستدفعه تركيا في سبيل تحقيق هذا الهدف، الذي طالما تمناها أتاتورك، وسعى خلفاؤه من بعده لتحقيقها دون جدوى، ومحاكمة المسؤولين جميعهم الذين حكموا البلاد طوال العشرين عامًا الماضية وأبعدوها عن هذا المسار.
الإسلاميون والتحذير من عودة اليساريين والعلمانيين للسلطة
أما التيار الإسلامي المحافظ فيحذر أتباعه من التراخي في المعركة الانتخابية المقبلة، ومن مغبة منح الفرصة لهؤلاء العلمانيين واليساريين للعودة بتركيا إلى الوراء، لتلك المرحلة التي عانى فيها الجميع الأمرين تحت حكمهم، حيث وقفوا بالمرصاد لكل ما له علاقة بالهوية الدينية للشعب التركي.
إذ قاموا بكبت الحريات الدينية، واعتقلوا الأئمة والمشايخ، ومنعوا ارتداء الحجاب، وحرموا على المحجبات استكمال دراستهم الجامعية، أو دخول المؤسسات العامة للدولة بما في ذلك المشافي وأقسام الشرطة، أو استخدام وسائل النقل العامة، ومنعوا الأذان باللغة العربية، وأغلقوا فصول تحفيظ القرآن، وتصدوا لكل ما يمت للهوية التركية الإسلامية بصلة، وقطعوا صلة تركيا الحديثة بماضيها إرضاءً للغرب، الذي عانى ولا يزال من عقدة فترة حكم الإمبراطورية العثمانية.
استمرار تناول القضايا الخلافية ذات الحساسية على ألسنة السياسيين وفي وسائل الإعلام بهذه الكثافة، التي تبدو وكأنها عملية شحن ممنهجة، من شأنه أن يؤجج لصراع قد يندلع في أية لحظة بين مختلف القوى، صراع سيصب في صالح أعداء تركيا الذين يتربصون بها، ويحاولون عرقلة تقدمها بأي صورة من الصور.