- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
عبدالعزيز عاشور يكتب : وما أدراك ما الستينات
عبدالعزيز عاشور يكتب : وما أدراك ما الستينات
- 25 مايو 2021, 9:18:58 ص
- 745
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أحدثكم عن الشرطة التى تربت وتدربت فى الخمسينات والستينات ..
عند القبض علينا بعد منتصف الليل يوم 29 ديسمبر من العام ١٩٧٢ لم يتجاوز معنا أى من أفراد القوة التى ألقت القبض علينا على كثرتها ..
تم حينها القاء القبض علينا أنا وصديقى خليل رشاد من داخل مطبعة قرب ميدان لاظوغلى بالقاهرة ..
القوات كانت تركب سيارات الشرطة الكبيرة أما نحن ..
فقد ركب كل منا أنا وزميلى برفقة ضابطين كل واحد من افى سيارة ملاكى أذكر أنها كانت ماركة نصر 128 ..
ذهبوا بنا الى قسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة
دخلنا مع قائد القوة إلى مكتبه .. قدم لنا القهوة
وطلب يتكلم معانا .. التحقيق فى النيابة مش هنا يا حضرة الظابط ..
قال لا لا .. أنا ما أقصدش تحقيق أنا عايز آخد وادى معاكم .. عايز أعرف بتعملوا إيه .. وعشان إيه ... كل ده بكل أدب من الظابط ..
أخدنا نتكلم حوالى ساعتين .. وكل شوية قهوة وشاى .. ولما سجايرى خلصت بدأت آخد منه سجاير ..
ولما كان واضح علينا اﻹرهاق .. الراجل بكل شهامة فتح لنا أحد المكاتب وقال لنا حاولوا تستريحوا للصبح وبعدين نوديكم النيابة ..
فى الصباح أخدونا للبيه مأمور القسم ..
دخلنا ..
الراجل رحب بينا ونادى على الصول وأمره بالخروج لشراء سندوتشات وإحضار شاى ب حليب من القهوة المجاورة..
وقال له خد الباب وراك ..
آى والله ... سندوتشات وشاى على حسابه طبعا ..
وبعدها حديث فى منتهى اﻹحترام حتى انتهينا من اﻹفطار ..
ثم ذهبوا بنا بكل احترام الى نيابة أمن الدولة بمبنى لاظوغلى ..
انتهى التحقيق آخر النهار يوم 30 ديسمبر وذهبوا بنا إلى معتقل القلعة الرهيب ..
بعد حوالى أسبوعين وكان عيد اﻷضحى قد اقترب قرر المعتقلون اﻹضراب عن الطعام يوم العيد .. احتجاجا على إن النيابة لم تنه التحقيقات بعد ولم تتخذ موقفا واضحا ..
أسبوعين ... مش سنة .. ولا سنتين .. زى ما ب نشوف ..
المهم .. صباح يوم العيد جابو لنا الفطار ..
وﻷن سجن القلعة مش خاضع لمصلحة السجون ف اﻷكل كان دايما محترم ..
فطار يوم العيد كان فته ولحمة ..
اللى بيوزع اﻷكل على المعتقلين راجل كبير تقريبا فوق الخمسين كنا نناديه ب عم سيد ..
عم سيد يفتح كل زنزانة ويقول لك كل سنة وانت طيب يا ابنى ..
وانت طيب يا عم سيد .. أنا مضرب عن اﻷكل ..
يقفل الراجل الزنزانة ويروح للى بعدها ..
أنا فى زنزانة رقم 28 فى آخر العنبر ..
عم سيد فتح الزنزانة ..
صباح الخير يا عبد العزيز يا إبنى ..
صباح النور يا عم سيد ..
كل سنة وانت طيب يا إبنى ..
واتت طيب يا عم سيد ..
الفطار يا إبنى ..
مضرب يا عم سيد ..
حتى انت يا ابنى مضرب ..
الراجل قالها بإشفاق شديد فقد كنت نحيفا لدرجة إن وزنى كان أقل من 60 كيلو جرام
يعنى هو انت فيك نفس يا ابنى للإضراب ..
وفجأة .. عم سيد .. رجل الشرطة .. السجان ..
وسجان فين .. فى سجن معتقل القلعة الرهيب ..
فجأة عم سيد ألقى بنفسه ليجلس على اﻷرض وينهار باكيا ..
الراجل يبكى .. وأنا مش عارف أعمل إيه ..
وما فيش أشد على النفس من دموع راجل كبير ..
فى اللحظة دى بس .. حسيت بحجم اﻷلم اللى موجود عند أبوى وأمى ..
أنا عارف إن أبوى لم يبك كما بكى هذا الرجل او على الأقل لم يفعلها أمام أحد
ربما لأنه لم يطلع على مانحن فيه أو لقوة عزيمته ..
دى 3 نماذج لرجال شرطة تربوا على أخلاق وقيم الخمسينات والستينات فكان هذا مسلكهم
يطبقون القانون ويؤدون عملهم بكل إخلاص دون أن يتخلو عن إنسانيتهم ..
وكان هذا فى العموم مسلك الناس وأخلاقهم ..
رحم الله أياما نتمنى أن تعود أخلاقها لنا جميعا..
شعبا وشرطة وجيشا وقضاة وموظفين عموميين ..
والكل كليلة ..
ادعو معى ..
فقد يتقبل الله دعاءكم فى هذه الأيام المباركة ..
#وذكرفإنالذكرىتنفعالمؤمنين
جعلنا الله واياكم ممن تنفعهم الذكرى ..