- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
عبدالخالق فاروق يكتب في الأدب: رواية ريان
عبدالخالق فاروق يكتب في الأدب: رواية ريان
- 9 أبريل 2021, 1:18:11 م
- 1055
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ارسلنا هذا المقال لجريدة اخبار الأدب منذ أكثر من شهر و لكن يبدوا أن كاتب المقال و الروائية لم يكونا من المرغوب فيهما و لم تنشر .... و ها أنا ذا أنشرها عليكم في صفحتيي
جيهان الزهيرى .. والبوح بمكنون النفوس
بقلم / عبد الخالق فاروق
" دع مائة زهرة تتفتح "
بهذا المعنى تخوض جيهان الزهيرى تجربتها الروائية الأولى ( ريان ) بجرأة وأقتدار تحسد عليهما ، وتضيف بها للحديقة الأدبية غصن جديد مثمر . فنحن إزاء عمل أدبى يمتزج بدرجة عالية من الشعرية اللغوية ، والحكمة الإنسانية ، ودرجة من العرفانية الصوفية ، حينما تتلامس فيه مشاعر الرومانسية الهادئة الحنونة ، بعمق فلسفى ، ومستوى من التوحد الزمانى والمكانى بين القاص ومحيطه .
وعبر أربعمائة صفحة من القطع المتوسط ، تجول بنا ( ريان ) بين شخصيات رواياتها ، الغنية بالمضامين والمتعددة الأبعاد ،حيث نكتشف أنفسنا وذواتنا الإنسانية ، بكل ما فيها من نعقيدات نفسية ، وتشوهات ثقافية ، وتناقضات سلوكية ، جديرة بالتأمل ، بدءا من ريان ذاتها ، إنتقالا إلى نديم ذلك الحبيب المسكون بالغدر والخيانة ، مرورا بالطبيبة " إلهام " ، وزوجها الدكتور كمال ، وأبنتهما " لولى " صديقة ريان ، وصولا إلى صديق ريان وصاحب الصالة الرياضية الشاب " سيف " ، الذى فقد يقينه فى عدالة السماء ، وعذبه التردد بين الشك واليقين على خلفية الانتحار الميلودرامى لشقيقه وتوائم روحه " كريم " ، فجاءت الحوارات الفلسفية بينهما شديدة العمق والمتعة ، أحد المفاتيح الكاشفة على العالم الذى تستمد منه (ريان ) فهمها للحياة والكون ، وعلاقات البشر .
وتغتنى الرواية بشخصيات من قبيل " سمية " المنقبه ، وشقيقها " عبد الله " ، المحكومين بالمفاهيم المتزمتة والمغلوطة عن الدين والحياة ، والنظرة الإستعلائية المحمولة على ركائز من الإنكسار الإنسانى والتشوه النفسى ، ليشكل مسار الأحداث ونمط علاقتهما بالمحيط الاجتماعى ، إضاءة على المكنون النفسى لدوافع هذا الفهم المغلوط ، وإنكسارات أصحابه الداخلية .
أما الثلاثى النسائى " المهندسة أمل فايز " وسيدة الأعمال " سمر السروجى " والإعلامية " مروة الديب " ، فهن إطلاله غنية على نمط من سيدات الأعمال ، ولكل منهن حكاية تحتاج إلى قراءة متعمقة فى الدوافع النفسية لبعض تلك التشوهات فى المشاعر والسلوك .
ولا يخلو عالمنا الثقافى من وجود شخصية مثل الصحفى ورئيس التحرير الانتهازى " شكرى عبد المولى " ، القادر على التقلب فى المواقف والشعارات والمبادىء ، وفقا لمتطلبات المصلحة الشخصية ، وبما يتوائم مع التغيرات والتقلبات السياسية . ذلك النمط الذى حفل به عالمنا الروائى ، الذى خطه لنا كبار أدباءنا مثل الأديب فتحى غانم فى روايته الرائعة ( الرجل الذى فقد ظله ) ، وفى شخصية ( محفوظ عجب ) التى رسمها ببراعة وأقتدار الكاتب الصحفى " موسى صبرى " .
كما تحفل الرواية بشخصيات مفيدة للعمل من أمثال ، شقيقتها ( رضوى ) و هانى تواضروس ، والطيار ( يامن ) والست (لوزة ) ، والصديقة اللبنانية ( بدرية الحلبية ) وزوجها ( وليد ) ، ليرسموا معا صورة للمحيط الاجتماعى المؤثر على شخصية بطلة الرواية ( ريان ) .
وبقدر ما أنسابت رحلة حياة (ريان ) من طفولتها حتى مرحلة نضجها كأنثى وأمرأة ، فى لغة جذابة وأسلوب حافل بالجمال والشاعرية ، وعبر الثنائيات القيمية التى أختارتها جيهان الزهيرى لكشف الصراعات الدائرة بين البشر ، حيث صراع التسامح فى مواجهة التشدد والتطرف الدينى ( عبد الله مقابل هانى تواضروس ) ، والحب مقابل الخيانة والغدر ( ريان مقابل نديم ) ، والوطنية مقابل الأنانية والذاتية النرجسية ، وغيرها تدور بنا (ريان ) بين عوالم شخصياتها ، فى خوض مبدع فى أعماق تلك الشخصيات ، والإمساك بالخيوط الرفيعة المختبئة بثنايا دوافع السلوك لدى كل هذا المحيط الاجتماعى لريان ، فأنها نجحت كذلك فى الابتعاد عن نمط الأدب النسوى الذى غلب على كثير من الأديبات المصريات - وربما العرب -فى عقد التسعينات ، والذى لم يبتعد كثيرا عن الذوات الشخصية والتجارب الحافلة بقصص الحب والتجارب المغرقة فى الحسية المادية .
فليبارك الوسط الأدبى والروائى المصرى والعربى ، إنضمام أديبة واعدة جديدة إلى نهره الغنى ، ولتحتفل الأوساط النقدية بنص أدبى جديد حافل بالجمال والعمق والشاعرية .