- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
عبد العظيم المغربل يكتب: على عكس توقعات الخبراء.. كيف تفادى الاقتصاد الأمريكي الدخول في ركود؟
عبد العظيم المغربل يكتب: على عكس توقعات الخبراء.. كيف تفادى الاقتصاد الأمريكي الدخول في ركود؟
- 25 يوليو 2023, 6:48:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تشهد الأوساط الاقتصادية في العالم وخصوصاً منذ حلول عام 2023 حالة من الخوف والقلق إزاء الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، إذ تدور الأخبار والتنبؤات حول ما قد يصيب الاقتصاد الأمريكي من ركود مخيف، ربما ينجم عن عوامل داخلية عديدة مثل زيادة أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الذي وصل إلى أرقام مقلقة سابقاً، بالإضافة إلى عوامل خارجية يشهدها العالم من حرب روسية-أوكرانية وارتفاع بدرجات الحرارة وانفتاح السوق الصينية بعد إغلاقات كورونا وغيرها من أزمات.
ينظر الجميع إلى حالة التوتر والقلق الناجمة عن الأداء الاقتصادي الحالي للولايات المتحدة بترقب، فهي دولة تعتبر محوراً رئيسياً للاقتصاد العالمي. بالتالي، فإن تطوراتها تؤثر بشكل كبير على المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي بأسره. لقد وصل الاقتصاد الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة، ما أثار حالة من الصدمة في السوق المصرفي الأمريكي والقطاعات الاستثمارية.
الركود الاقتصادي شبح الاقتصاد المخيف
والركود الاقتصادي هو تعبير يُستخدم لوصف هبوطٍ في النمو الاقتصادي لدولة ما، وينجم ذلك عادةً عن زيادة في الإنتاج على حساب الاستهلاك، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على السلع، بالتالي يتكبد المنتجون صعوبات في بيع مخزونهم، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض معدلات الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة، والتأثير بالسلب على سوق الأسهم.
ويتم تحديد الركود عند حدوث نمو اقتصادي سلبي لمدة فصلين متتاليين أو أكثر، وبينما تأتي حالات الركود قصيرة المدى عادةً، يُطلق اسم "الكساد الاقتصادي" على الركود الذي يستمر لفترة طويلة ويكون له تأثير خطير على الاقتصاد. وقد شهد القرن العشرون وتحديداً عام 1929 حدوث أكبر حالة ركود اقتصادي وعرفت باسم "الكساد الكبير"، الذي أثّر بشكل كبير على العالم بأسره بشكل عام، وأمريكا بشكل خاص إذ 15 أصبح حينها 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، بينما أفلس ما يقرب من نصف البنوك الأمريكية.
بداية العام الحالي كانت غير مبشرة للاقتصاد الأمريكي
وقد بدأ العام الجاري بسلسلة من الانهيارات المخيفة للبنوك الأمريكية، وبدأت ببنك وادي السيليكون (SVB) الذي سارع المودعون إلى سحب ودائعهم البالغة 42 مليار دولار منه بشكل كبير ليصبح ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ بنوك العالم.
وأما عن بنك سيغنتشر (Signature Bank) فقد قامت الولايات المتحدة بإغلاقه بعد يومين فقط من انهيار بنك وادي السيليكون، وكان هدف الإغلاق هو حماية المودعين وحماية الاستقرار النظام المصرفي والمالي ككل، حيث جاء انهيار هذا البنك كحركة طبيعية للقلق المودعين وانتشار لحالة الذعر.
وفيما يخص انهيار البنك الجمهوري الأول (First Republic Bank) الذي كان يملك حجماً كبيراً من جميع القروض التي قدمتها البنوك في ولاية تكساس، ورغم محاولة إدارة البنك في الحد من خطر انهياره إلا أن البنوك كما هو معروف للجميع مثل حجر الدومينو بمجرد انهيار واحد تتسارع باقي البنوك بعده للانهيار.
ارتفاع سعر الفائدة العامل الرئيسي
بالإضافة إلى ذلك، دوام مجلس الاحتياطي الاتحادي "الفيدرالي الأمريكي" على رفع معدل الفائدة الرئيسية الخاصة به 10 مرات منذ مارس/آذار 2022 وهو شيء لم يفعله منذ فترة الثمانينيات؛ حيث يهدف من هذا الرفع المستمر للسيطرة على معدلات التضخم التي تعتبر مرتفعة في اقتصاد ضخم مثل الاقتصاد الأمريكي. فقد وصل معدل الفائدة هناك إلى معدل 5-5.25 % وهذا معدل يعتبر مرتفع نسبة للبيانات السابقة حول أسعار الفائدة في أمريكا.
تكمن السياسة النقدية الخاصة برفع أسعار الفائدة كونها سلاحاً ذا حدين، فبينما يتم استخدامها في كبح جماح التضخم والسيطرة على ارتفاع الأسعار المستمر، فإنها تخفف من معدلات الاقتراض وخاصة اقتراض المستثمرين، وبالتالي تؤثر العملية على عجلة النمو الاقتصادي التي ربما تتباطأ حركتها شيئاً بعد شيء؛ مما قد يؤدي إلى مرحلة الركود الاقتصادي.
التضخم عائق أمام عجلة الاقتصاد وممهد إلى الركود
وقد زاد معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة من 3.2 بالمئة في عام 2011 إلى 9.1 بالمئة في عام 2022، مما يعني أن قوة شراء الدولار الأمريكي قد تراجعت خلال السنوات الأخيرة. ويُفهم من هذا الارتفاع أن القدرة على شراء السلع والخدمات باستخدام الدولار الأمريكي قد تضاءلت. ويُطلق مصطلح "القوة الشرائية" عادة على مدى توافر الأموال لدى الأفراد، ومدى قدرتهم على الاستهلاك وإشباع احتياجاتهم الأساسية بشكل كافٍ. ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الإنفاق الحكومي الذي تجاوز الـ5 تريليونات دولار أثناء جائحة كورونا كان من أهم الأسباب الرئيسية للتضخم.
يؤدي التضخم إلى زيادة مستمرة في أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، وبالتالي إلى تخفيض قوة شراء العملة المحلية؛ مما ربما يجعل التضخم سبباً للركود الاقتصادي عن طريق عدة عوامل مثل انخفاض الطلب والتأثير على الاستثمارات وزيادة معدل البطالة بسبب قلة التوظيف التي تكون هادفة إلى تقليل النفقات الخاصة بالشركات.
لذلك قد بدأت التحذيرات بحدوث ركود للاقتصاد الأمريكي فعلياً منذ نهاية عام 2022 أي منذ بداية تبني سياسية رفع الفائدة، حيث حذر الكثير من الاقتصاديين والمستثمرين الأمريكيين من أن الركود بات وشيكاً، وكان على رأسهم المستثمر الأمريكي المشهور جيم روجرز الذي حذر من أسوأ ركود في حياته في تصريحات له عند نهاية العام السابق. وهذا بالإضافة إلى غالبية الأسماء الكبيرة في وول ستريت التي حذرت مراراً وتكراراً من حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي هذا العام.
بينما استبعد اقتصاديون آخرون ومواقع بحثية وإخبارية وقوع الاقتصاد الأمريكي فيه، فوفقاً لما ذكره موقع "businessinsider" فمؤشرات الاقتصاد الأمريكي لا تدل على أنه سيدخل في ركود، مرجعين تحليلاتهم لاستمرار زيادة الاستهلاك وإنفاق الأموال من قِبل المستهلكين الذي حصلوا عليها بصعوبة إضافة إلى مرونة الاقتصاد الأمريكي وتحسنه في نهاية العام الماضي.
فمنذ عام 1948، تُعلن البلاد دخول مرحلة الركود الاقتصادي في كل مرة ينخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتاليين على الأقل خلال عام واحد. ولكن في عام 2022، رفض البيت الأبيض اعتماد هذا المسار عندما سجلت معدلات النمو انخفاضاً في الربعين الثاني والثالث. وقد أوضحوا أن التعريف الحقيقي للركود يجب أن يشمل البيانات الاقتصادية الشاملة المتعلقة بسوق العمل ومعدلات البطالة وحجم الإنفاق الاستهلاكي والتجاري والإنتاج الصناعي ومعدلات الدخل.
هل التخوفات بحدوث ركود اقتصادي واقعية أم مجرد تحذيرات؟
ورغم الكثير من التكهنات والجدال الحاصلة مؤخراً حول ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي في سيدخل في حالة ركود حقاً أم لا؟ فقد أشار بنك فرنسا سوسيتيه جنرال بعبارة "حدث شيء غريب للغاية" في الاقتصاد يفسر سبب تأخير الركود في الولايات المتحدة، ويتعلق ببعض التحركات التي اتخذتها الشركات في الوقت المناسب، حيث اتضح أنه خلال فترة أسعار الفائدة القريبة من الصفر، وخاصة التي سبقت الوباء وأثناء الوباء، استفادت الشركات وأعادت تمويل الكثير من التزاماتها إلى ديون طويلة الأجل ومنخفضة السعر وثابتة.
أي بمعنى أنه لم يحدث انخفاض كبير في الأرباح؛ لذا لم تضطر الشركات إلى اللجوء إلى إحداث موجة كبيرة من عمليات تسريح العمال التي كانت ستؤثر على الاقتصاد وتدفعه إلى الركود.
لكن هذا يمكن أن يتغير إذا اضطرت الشركات إلى إعادة تمويل ديونها بمعدلات أعلى. ولكن تأخر استحقاق معظم ديونهم حتى عام 2025 و2026 و2027 وما بعده، فمن الممكن أن تنخفض أسعار الفائدة بين الحين والآخر، مما يمكّن الشركات من الاستمرار في تجاوز معدلات الفائدة المنخفضة وتجنب الركود في نهاية المطاف.
في حالة حدوث ركود ما تأثيراته على الاقتصادات العربية؟
من المتوقع أن ينعكس رفع سعر الفائدة الأمريكية على الاقتصادات العربية عبر عدة آثار:
أهمها التأثير غير المباشر على أسعار مصادر الطاقة، إذ ترتبط أسعار النفط عكسياً بقيمة الدولار الأمريكي، وبالتالي، كلما ارتفع سعر صرف الدولار، هبطت أسعار النفط العالمية. هذا التأثير يعد نقطة حساسة للاقتصادات العربية المعتمدة على إيرادات النفط.
بالإضافة لارتفاع معدلات التضخم، حين ترتفع تكلفة الاستيراد للدول العربية بزيادة قيمة الدولار، مما يؤدي إلى زيادة التضخم في تلك البلدان؛ ما قد يؤدي لارتفاع تكلفة الديون الخارجية، التي تكون بالدولار، وهو ما يضع ضغوطاً على الموازنات المالية للدول العربية.