- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عريب الرنتاوي يكتب: النظام العالمي الجديد وآلام الولادة من الخاصرة الأوكرانية
عريب الرنتاوي يكتب: النظام العالمي الجديد وآلام الولادة من الخاصرة الأوكرانية
- 20 فبراير 2022, 6:44:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يعرف التاريخ، قديمه وحديثه، ولادة امبراطوريات وأفول أخرى، من دون حروب طاحنة ومواجهات ساخنة. حدث ذلك زمن الامبراطوريات القديمة من يونانية ورومانية وبيزنطية وفارسية وإسلامية، وتكرر في الحربين العالميتين، الأولى (عصبة الأمم) والثانية (نظام الثنائية القطبية تحت مظلة الأمم المتحدة)، قبل أن يُطل نظام ”القطب الواحد“ برأسه، إثر هزيمة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة، وخسارته المباراة الاقتصادية أمام الغرب الرأسمالي.
موسكو ستفعل كل شيء من أجل انتزاع الاعتراف بها قوة عالمية مهيبة الجانب، وليست مجرد دولة إقليمية، وواشنطن مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى للحفاظ على عرش قيادة العالم. وفي سياق كهذا، فإن الباب سيظل مشرعاً أمام شتى الاحتمالات وأخطرها، وأوكرانيا ليست أولى المواجهات، ولن تكون آخرها.
منذ سنوات، والخبراء والمحللون يتحدثون عن تآكل نظام القطبية الواحدة، وبزوغ شمس نظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب… لكن القديم يأبى مغادرة المسرح، والجديد لم يستطع الوقوف على قدميه بعد… يبدو أن منظومة العلاقات الدولية، بالذات بين الأقطاب الكبرى، باتت بحاجة لـ“ولادة من الخاصرة“، تضع حداً للطبيعة الانتقالية للنظام الدولي القائم.
بهذا المعنى، وبه وحده، يمكن إدراج الأزمة الأوكرانية… وفي سياق تبدل موازين القوى العالمية، يمكن النظر للحشود والحشود المقابلة على الحدود الروسية – الأوكرانية، وتفسير استعراض العضلات النووية والاستراتيجية، التي يجريها الفريقان المصطرعان على هامش الأزمة التي تتصدر جدول أعمال العالم.
ويفسر ذلك سبب ”عناد“ فلاديمير بوتين، ونظرته للأزمة الأوكرانية بوصفها معركة حياة أو موت للامبراطورية الروسية التي عمل منذ أزيد من عشرين عاماً، على ترميمها وبسط سطوتها على ما تعتبره مجالاتها الحيوية والاستراتيجية… كما تفسر هذه القراءة سبب استماتة الولايات المتحدة في الدفاع عن موقعها المتربع على عرش ”القطب الواحد“.
لم يعد ثمة غطاء إيديولوجي للصراع بين المعسكرين، فقد سقط منذ أن سقط جدار برلين، لكنه صراع على قيادة العالم وإدارته، بين قوة صاعدة تريد لنفسها مكاناً تحت الشمس، وقوة متراجعة، برغم صدارتها الحالية، تجهد للحفاظ على ما تعتقده دوراً حصرياً لها، ومكانة لا تليق بغيرها.
لقد انقضى الزمن، منذ أن كانت الولايات المتحدة تستحوذ على نصف الناتج العالمي الإجمالي… الصين تقترب من أن تكون القوة الاقتصادية العالمية الأولى، والولايات المتحدة بالكاد تستحوذ على خُمس الناتج الإجمالي العالمي اليوم… وثمة إلى جانب روسيا والصين، أقطاب صاعدة مثل الهند والبرازيل وغيرهما. ضع جانباً، الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي تنازع في سبيل الحفاظ على ما لها من حصة ودور على سطح الكوكب.
من شهد وقرأ كلمة أنتوني بلينكن في مجلس الأمن، شاهد واستذكر شبح كولن باول وهو يعرض براهينه وأدلته ”الدامغة“ على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وصلات مع تنظيم القاعدة، وهو ما ثبت كذبه وزيفه، فقادة مجمع الاستخبارات الأمريكية – البريطانية لم يخطئوا التقدير، بل كذبوا لتبرير حربهم المدبرة في ليل بهيم… بلينكن قال إن ما فعله سلفه كان توطئة للذهاب إلى الحرب، وإن ما يفعله هو شخصياً، إنما يهدف إلى منع اندلاعها… صدق بلينكن في الأولى، وكذب في الثانية.
ونقول إن شكوكاً عميقة تراودنا وغيرنا، بأن واشنطن راغبة في توريط روسيا في اجتياح لأوكرانيا، على أمل استنزافها لسنوات عديدة قادمة، وتبرير فرض عقوبات عليها كفيلة بشلّ اقتصادها… ولا أحسب أن مطبخ القرار في واشنطن مكترث بالكلفة الإنسانية للحرب. الأهم بالنسبة له، إغراق روسيا في المستنقع، وضرب تحالفها مع الصين في مقتل، ولا بأس من إعادة ”تطويع“ أوروبا، وإبقائها تحت المظلة الأمريكية.
موسكو ستفعل كل شيء من أجل انتزاع الاعتراف بها قوة عالمية مهيبة الجانب، وليست مجرد دولة إقليمية، وواشنطن مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى للحفاظ على عرش قيادة العالم. وفي سياق كهذا، فإن الباب سيظل مشرعاً أمام شتى الاحتمالات وأخطرها، وأوكرانيا ليست أولى المواجهات، ولن تكون آخرها.