عز الدين طيطي يكتب: كيف يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال الرعاية الصحية؟

profile
  • clock 17 أغسطس 2023, 5:43:55 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في عالم الرعاية الصحية سريع التطور، ظهرت أعجوبة تكنولوجية تَعِد بإعادة تشكيل طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها والوقاية منها. الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي كان في يوم من الأيام حبيس عالم الخيال العلمي، أصبح الآن قوة واقعية دافعة وراء التطورات الثورية في الطب والرعاية الصحية. من التشخيص إلى خطط العلاج الشخصية، أثبت الذكاء الاصطناعي أنه عامل تغيير في العالم الطبي، يحمل القدرة على إنقاذ الأرواح، وتعزيز رعاية المرضى، وتخفيف العبء على أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. في هذا المقال سنستعرض بعضا من التطبيقات الطبية للذكاء الاصطناعي.
يَكمُن أحد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال في قدرته على تشخيص الأمراض، من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية بدقة لا مثيل لها، بدلاً من الاعتماد على طرق التشخيص التقليدية المستندة إلى الخبرة البشرية، التي يمكن أن تكون مقيدة بالأهواء الشخصية الواعية وغير الواعية. من ناحية أخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفحص كميات ضخمة من البيانات بسرعة لتحديد الأنماط الدقيقة التي تساهم في التشخيص، والتي قد تفلت من العين البشرية. يتضح هذا بشكل خاص في مجالات مثل علم الأشعة، حيث تتفوق الخوارزميات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على عيون الأطباء، الذين يفحصون صور الأشعة السينية في اكتشاف حالات مثل سرطان الرئة والتشوهات.

 

الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي كان في يوم من الأيام حبيس عالم الخيال العلمي، أصبح الآن قوة واقعية دافعة وراء التطورات الثورية في الطب والرعاية الصحية

التطبيق الثاني هو اقتراح خطط علاج شخصية، إذ لطالما اعتمد العلاج الطبي على نهج “مَقاس واحد يناسب الجميع”، رغم أن جسم كل مريض فريد من نوعه ويحتوي اختلافات جينية تؤدي إلى اختلافات كبيرة في الاستجابة للعلاج. فالذكاء الاصطناعي يعمل على تغيير هذا النهج من خلال تصميم خطط علاج شخصية تتوافق مع التركيب الجيني، والتاريخ الطبي، وحتى عوامل نمط الحياة للفرد أو المريض المعني.. بشكل أكثر تفصيلاً، تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات الجينوم، وبناء على ذلك تتنبأ بقابلية المريض للإصابة بأمراض معينة، وتقترح تدخلات تستهدف التخفيف من تلك القابلية أو التخفيف من أعراض هذه الأمراض.
التطبيق الثالث هو اكتشاف الأدوية والعقاقير بسرعة وجهد غير مسبوقين. كانت عملية اكتشاف الأدوية تاريخياً بطيئة ومكلفة، وغالباً ما تستغرق سنوات وموارد كبيرة لتحديد قائمة الأدوية المرشحة الواعدة. وفي زمن غير بعيد، كان الباحث يقضي فترة الدكتوراه كاملة (4 – 6 سنوات) في اكتشاف تركيب دوائي واحد فقط، ودراسة تأثيره وتأثره في الجسم. غير أن الذكاء الاصطناعي يحدث ثورة في هذه العملية من خلال النمذجة التنبؤية والمحاكاة الافتراضية لِبُنى وتراكيب الأدوية. كما يمكن لخوارزميات التعلم الآلي أن تتنبأ بالفعالية المحتملة لمركبات مختلفة في علاج أمراض معينة، ما يؤدي إلى تضييق قائمة الأدوية المرشحة لمزيد من الاختبارات. وهذا لا يوفر الوقت فحسب، بل يقلل أيضاً من التكاليف، ما يجعل تطوير الأدوية أكثر سهولة ويحتمل أن يوفر العلاجات المنقذة لحياة المرضى بشكل أسرع. في النهاية – وبفضل الذكاء الاصطناعي- فإن ما كان يستغرق سنوات يستغرق أسابيع او أيام في وقتنا هذا.
وأخيرا هناك التطبيب والمراقبة عن بعد، اللذان سلطت جائحة كورونا الضوء على أهميتهما في تقديم خدمات الرعاية الصحية. فالذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حاسماً في تمكين مراقبة المرضى وتقديم الاستشارات الصحية لهم عن بُعد. فمن خلال الأجهزة القابلة للارتداد المزودة بأجهزة استشعار تعمل بالذكاء الاصطناعي، يتم تتبع العلامات الحيوية للمرضى، مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتنبيه الطاقم الطبي في حالة حدوث قراءات حيوية غير طبيعية. علاوة على ذلك، يمكن للمساعدين الطبيين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي، إجراء تقييمات أولية، وتقديم المشورة الطبية، وحتى تحديد المواعيد، وتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية، لاسيما في المناطق المحرومة. وحالياً فإن القطاع البحثي لـ”غوغل” المدعو “ديب مايند” من أكثر القطاعات البحثية في العالم تقدما في مجال الرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بفضل استحواذها على شركة “فيت بيت”، التي تجمع بيانات طبية عن عدد كبير من المستخدمين حول العالم، التي بدورها تغذي خوارزميات التعلم الآلي الخاصة بـ”غوغل”.

التحديات والاعتبارات
في حين أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية مفيدة وواعدة، فمن المهم النظر في التحديات والاعتبارات التي تصاحب توظيفها على أرض الواقع. أولى هذه الاعتبارات هي خصوصية البيانات وأمنها، حيث إن تغذية خوارزميات التعلم الآلي بهذه البينات يضع الأخيرة على المحك. أضف إلى ذلك، أنه أحياناً تتم تغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات متحيزة تجاه وجهة نظر معينة أو عرق معين أو جنس معين، ما يؤدي إلى نسخ التحيز البشري وإدامة الفوارق الموجودة في البيانات بين الأجناس والأعراق المختلفة، لذلك يجب وضع الضوابط والقيود والاختبارات، التي تضمن سلامة وأمن البيانات الصحية وعدم اعتماد الذكاء الاصطناعي على بيانات متحيزة، ما يؤدي إلى تضخيم التفاوتات في نتائج الرعاية الصحية، من دون قصد. علاوة على ذلك، لا يمكن استبدال اللمسة الإنسانية في الرعاية الصحية بالآلات بالكامل. يظل التعاطف والذكاء العاطفي والتفكير النقدي مكونات أساسية لرعاية المرضى لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدها او استنساخها. لذلك، يجب أن يهدف الدمج الناجح للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية إلى تعزيز قدرات المتخصصين في الرعاية الصحية بدلاً من استبدالهم.

الطريق إلى الأمام
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي ونضجه، فإن تأثيره في الرعاية الصحية (سلباً وايجاباً) مهيأ للتوسع أكثر، لذلك يعمل الباحثون والمطورون باستمرار على تحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتحسين دقتها ومعالجة المخاوف الأخلاقية الناتجة عن تطبيقها، من خلال تعاون الهيئات التنظيمية ومنظمات الرعاية الصحية لوضع مبادئ توجيهية تضمن التطبيق والاستعمال المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في رعاية المرضى.
في الختام، يمثل اندماج الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية تحولاً عميقاً في كيفية تعاملنا مع التشخيص الطبي والعلاج ورعاية المرضى. بدءاً من المساعدة في التشخيص وانتقالا إلى تمكين خطط العلاج الشخصية وتسريع اكتشاف الأدوية، فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في الرعاية الصحية هائلة. بينما نبحر في هذه الرحلة الإبداعية، من الضروري تحقيق توازن بين فوائد الابتكارات التي يحركها الذكاء الاصطناعي والاعتبارات الأخلاقية التي تنشأ عن تطبيقها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)