عز الدين طيطي يكتب: هل يسهم الذكاء الاصطناعي في الحد من الكوارث الطبيعية وإلى أي مدى؟

profile
  • clock 4 أكتوبر 2023, 1:13:01 م
  • eye 235
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لطالما كانت للكوارث الطبيعية آثار مخربة على البشرية، من الزلازل التي تهز أسس مدننا وتدمر بُناها التحتية، إلى الأعاصير والفيضانات التي تطلق العنان لغضبها على المناطق الساحلية، مسببةً خسائر كبيرة في الأرواح واضطرابات اقتصادية يحتاج التعافي منها زمناً طويلاً، لذلك أصبح التنبؤ بالكوارث الطبيعية والتخفيف من آثارها مصدر قلق بالغ للحكومات والعلماء في جميع أنحاء العالم. وفي هذا العصر الرقمي، ظهر حليف قوي يتمثل في الذكاء الاصطناعي، يبدو واعدا للتنبؤ وبالتالي التعامل استباقيا مع مثل هذه الكوارث، ولكن لأي درجة يمكن الاعتماد عليه؟ وهل هو ناجع فعلا؟

بينما نقف على حافة مستقبل مناخي أكثر غموضا، يفشل أحد أهم أدوات القرن الحالي في توقع الكوارث الطبيعية الأكثر ضرراً

يقوم الذكاء الاصطناعي، بتحليل كميات هائلة من البيانات التي تمكنه من فهم وكشف الأنماط المخبأة داخل هذه البيانات، والتي يصعب على الإنسان الانتباه لها أو فهمها، ثم يقوم باستعمال هذه الأنماط لتوقع ما سيحدث مستقبلاً. ومثلما يتم توظيف هذه الميزة التنبؤية للذكاء الاصطناعي لتوقع أسعار الأسهم مستقبلاً، من خلال تحليل القراءات الزمنية السابقة للأسعار، يوظف العلماء هذه الميزة لتوقع الكوارث الطبيعية ومداها من خلال تحليل القراءات الزمنية السابقة لها.
في حالة الزلازل، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي اكتشاف التحولات الطفيفة في النشاط الزلزالي، والتنبؤ بالزلازل الوشيكة، ومن خلال مراقبة الاهتزازات الأرضية والبيانات التاريخية، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديد مراكز الزلازل المحتملة، ما يوفر دقائق ثمينة، أو حتى ساعات من التحذير. وهذا يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في جهود الإخلاء، ما يمنح الناس الفرصة للبحث عن الأمان قبل وقوع الكوارث. بالنسبة للفيضانات، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بأنماط هطول الأمطار الغزيرة، ومستويات مياه الأنهار. ومن خلال استيعاب البيانات الواردة من محطات الأرصاد الجوية والأقمار الصناعية وأجهزة قياس المياه، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤ بموعد ومكان حدوث الفيضانات. ويُمكّن نظام الإنذار المبكر هذا السلطات من إصدار أوامر الإخلاء ونشر الموارد في المناطق المتضررة، ما يقلل من الخسائر في الأرواح والأضرار في الممتلكات. وتشكل الأعاصير التي يصعب التنبؤ بها تحدياً فريداً. غير أن نماذج الذكاء الاصطناعي حسَّنت بشكل كبير إمكانية تتبع سيرها والتنبؤ بشدتها، من خلال تحليل بيانات الغلاف الجوي مثل درجة الحرارة والرطوبة وأنماط سير الرياح وقوتها. وهذا يمكن السلطات من اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أفضل في ما يتعلق بطرق الإخلاء وتخصيص فرق الاستجابة للطوارئ. أما في ما يتعلق بحرائق الغابات، فإن الطائرات من دون طيار والأقمار الصناعية المجهزة بأنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها مراقبة الغابات في الوقت الحقيقي وعلى مدار الساعة، ما يتيح إمكانية اكتشاف أي تغيرات في درجات الحرارة ووجود الدخان، وبالتالي تمكين فرق الإطفاء من الاستجابة بسرعة للحرائق الناشئة. علاوة على ذلك، تعمل النماذج التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على تحليل بيانات الحرائق السابقة والعوامل البيئية التي أسهمت في اندلاعها، لتحديد المناطق المعرضة لخطر كبير لحرائق الغابات، ما يتيح اتخاذ تدابير وقائية مثل إشعال حرائق مسيطر عليها لإيجاد مساحات خالية من الأشجار والأعشاب لتكون مناطق عازلة لمنع انتشار النار من غابة مشتعلة لأخرى.

لكن ماذا عن فعالية الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالكوارث؟

النتائج لغاية الآن جيدة وواعدة، ففي المناطق المعرضة للزلازل مثل اليابان قدمت أنظمة الإنذار المبكر المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ثوان حرجة، أو حتى دقائق إنذار، ما يعطى للسكان الفرصة لمغادرة المناطق المعرضة للزلزال. وفي المناطق المعرضة للفيضانات مثل بنغلاديش والهند، أنقذ التنبؤ بالفيضانات المدعوم بالذكاء الاصطناعي من شركة «غوغل» أرواح عدد لا يحصى من الأشخاص من خلال تقديم إشعار مسبق للمجتمعات التي تقع على طريق منسوب المياه المرتفع. كما شهد التنبؤ بالأعاصير تحسينات ملحوظة، فقد شهدت مواسم الأعاصير الأخيرة في المحيط الأطلسي تنبؤات أكثر دقة في ما يتعلق بمسارات العواصف وشدتها، ما سمح بوضع خطط إخلاء أفضل وتخصيص الموارد. غير أن حرائق الغابات لا تزال تشكل تحدياً هائلاً، ومع ذلك فإن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عنها والتنبؤ بمساراتها بدأت تظهر نتائج واعدة يأمل العلماء أن تتحسن مع تطوير وإحكام أنظمة الذكاء الاصطناعي. وهنا تجدر إلى أن هذه الأنظمة تنجح إلى حد ما فقط في المناطق التي تحدث فيها الكوارث بشكل متكرر مثل اليابان، وتفشل في توقع الكوارث خصوصا الشديدة منها في مناطق أخرى، وهذا يتفق مع تصريح هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي أنه لم ينجح أي من أنظمتهم في توقع الزلازل الشديدة. وهذا يبدو جلياً في كارثة زلزال المغرب بقوة 6.8 درجة على ميزان ريختر، حيث أسفر عن 3 آلاف قتيل وعدة آلاف من الجرحى. السبب التقني وراء صعوبة توقع هذا الزلزال باستعمال الذكاء الاصطناعي هو كون الزلزال شاذ عن الأنماط التي تعلمها الذكاء الاصطناعي، حيث إن آخر زلزال حدث بمثل هذه القوة في المغرب كان عام 1969.
وللسبب نفسه كان من المستحيل على الذكاء الاصطناعي توقع كارثة إعصار وفيضان مدينة درنة في ليبيا، الذي محا ربع المدينة وأسفر عن قرابة 4 آلاف قتيل و9 آلاف مفقود. السبب التقني وراء عدم توقع الذكاء الاصطناعي لفيضان درنة او زلزال المغرب، هو أن البيانات المتعلقة فيهما هي شاذة وخارجة عن النمط الطبيعي للزلازل أو الفيضانات، المسجل في العقود القليلة الماضية، وبالتالي فإن تدريب نظام ذكاء اصطناعي وتعلمه نمط القراءات السابقة لن يمكنه من توقع فيضان درنة أو زلزال المغرب. يعد التعاون متعدد التخصصات بين العلماء والمهندسين وخبراء الذكاء الاصطناعي أمرا بالغ الأهمية لتحسين نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤية للكوارث الطبيعية. من جهة أخرى، يجب على الحكومات الاستثمار في المستشعرات والبنى التحتية لأنظمة التوقع لتصبح أكثر تكيفاً مع الطبيعية المتطورة للكوارث الطبيعية. وبينما نقف على حافة مستقبل مناخي أكثر غموضا، يفشل أحد أهم أدوات القرن الحالي في توقع الكوارث الطبيعية الأكثر ضرراً. ولكنّ مزيدا من البحث والابتكار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التعاون الدولي والاستثمار، يبشران بجعل عالمنا أكثر أمانا في مواجهة الكوارث الطبيعية مستقبلاً.
كاتب ومتخصص في الذكاء الاصطناعي


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)