عصام تليمة يكتب: أسباب سوء خُلُق بعض الإخوان

profile
  • clock 7 أغسطس 2022, 11:39:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سؤال واجهني من كثيرين ممن يرصدون أداء جماعة الإخوان، سواء من خلال الدائرة التنظيمية، أو الدوائر المحيطة بها، وهو: ما أسباب سوء خلق أفراد من جماعة الإخوان، نرى هذا السوء في ألفاظهم، وسلوكهم، وممارساتهم، سواء في الواقع، أو في الخيال والفضاء الإلكتروني، سواء بأسماء وهمية، أو أسماء حقيقية، لأشخاص معروفين في الواقع والحقيقة، ويحدث ما يقومون به تحت سمع وبصر قيادات معروفة كذلك، ولماذا برزت هذه الظاهرة أكثر بعد الانقلاب العسكري؟
السؤال وجهه لي مهتمون بالأمر، ووجهه كذلك من يأسون على وصول الجماعة التي كان عماد قيامها ومسيرتها: الخلق، وقد كانوا من قبل يحسدهم خصومهم على حسن السلوك، بل كان أكبر مأخذ يأخذه عليه خصومهم: أنهم متعصبون لأنفسهم، فيحب بعضهم بعضا أكثر من أقاربه، ولا يقبل أي كلمة تمس من معه في التنظيم، فلماذا أصبحنا نرى هذا العنف اللفظي، والسلوك المشين في الممارسة والكلام، تجاه من يختلف معهم من داخل التنظيم أو خارجه؟!
لقد حاول بعض من تحدثوا معي في الأمر، أن يردوا الأمر إلى المحنة الأخيرة، وشدة وقعها على الناس، وهو كلام لا يصح، ولا يستقيم، فكم من محنة مرت بها الجماعة، ولم يحدث أن نتج عنها سوء خلق بهذا الشكل، بل مورس ضدهم ما يبرر لهم ذلك، ولم يفعلوا، فقد تم تعذيب الإخوان في عهد عبد الناصر، وعهود أخرى، ولم يمارسوا التكفير ضد من عذبوهم، ولم يمارسوا العنف اللفظي أو القولي معهم، بل سجن معهم في نفس السجن من عذبوهم، كصفوت الروبي، وشمس بدران، وغيرهم، والتقوا وجها لوجه، ولم يحدث أن مارسوا معهم هذا الفعل.
فعزو الأمر للمحنة ليس صحيحا، كما أن الإخوان داخل السجون، وجدوا من بينهم من خان وعمل مع الأمن ضدهم، وأصبح عينا للأجهزة عليهم منذ عهد عبد الناصر، وعرفوهم جميعا بالاسم، ومع ذلك لم يكشفوا اسم أي شخص منهم، بل ترفعوا عن ذلك، وتم اتفاق بينهم غير مكتوب، وغير متفق عليه بالكلام، بل أسره كل في نفسه، ألا يتحدثوا عمن ضعف وانقلب على إخوانه، وهذه محنة كانت تجيز لهم فضح كل من تجاوز معهم، أو خان، لكنها لم تفعل معهم ذلك، فليست المحنة سببا يمكن أن نعزو إليه الأمر، وهناك أسباب أخرى، فيما أرى، وأرصد، من خلال اطلاعي على الواقع التنظيمي والإخواني، وهي كما أرى:
1ـ أن هذه التربية لم تختبر بالأساس، حتى نحكم على من يقومون بهذه الممارسات، فنقول: كيف لمن تربى في الإخوان أن يفعل ذلك؟ وكل تربية كانت نظرية لا يمكن الحكم عليها، إلا بالتجربة والاختبار، فكيف نستطيع أن نحكم أن هناك قسطا من التربية ناله هؤلاء المتطاولون حتى نحكم بأن أخلاقهم قد تغيرت، فالمحنة تبرز الخلق وتكشفه، والاختلاف كذلك يكشف النفوس على حقيقها، وطبيعي أن النفوس الضعيفة، وصاحب الخلق السيء، مهما تصنع وبدا للناس بأي مظهر خلقي وديني سرعان ما ينكشف، عند اختبار هذه الأخلاق، ولذا لا يمكن أن نطلق عليه أنه إنسان تربى ثم تغير، بل هو من الأساس فاقد لهذا الأمر.
2ـ شخصنة الدعوة: وهو تحويل الدعوة إلى شخص، بمعنى: أن أي نقد يوجه، أو نقاش للمسؤول في التنظيم، يتحول لهجوم على الدعوة والجماعة، وهو يغلق باب الحوار والنقاش، ويفتح بابا للتزمت، والتشدد، وضيق الأفق، ثم يتحول فهم الشخص لأي نقد أو نقاش للمسؤول إلى أنه تجاوز للحد، فيتحول المسؤول إلى صنم، ويتحول من حوله إلى سلوكيات المدافعين عن الصنمية، ويتحول عندئذ السب والشتم إلى شكل يتصوره من يفعل ذلك بأنه دفاع عن دعوة الله، وليس عن الشخص، ولكن عن رمزية ما يمثله المسؤول، وهو يمثل عندئذ الدعوة، وهكذا يبدأ التبرير لسوء الخلق بأنه دفاع عن دعوة.
3ـ طول بقاء المسؤول في المنصب الدعوي: والنقطة السابقة سببها، أن المسؤول عن العمل الدعوي يطول بقاؤه في المنصب، حتى لو كان تضحية ولله سبحانه وتعالى، فإن طول بقائه، يجعله يتلبس بالمنصب والدعوة، ويصير هو الدعوة، والدعوة هو، وعندئذ فلا بد من بقائه، وحمايته بأي شكل كان، والحديث عن تغييره هو حديث عن هدم الدعوة، وهدم كيانها، ولذا فمن يدعو لذلك فهو عدو للدعوة إن كان خارجها، وعميل وغرس خبيث إن كان بداخلها، وينبغي أن يجتث منها، بكل وسائل الإقصاء، وأولها هدمه عن طريق الشتم والسب وسوء المعاملة.
4ـ تقديم الالتزام التنظيمي على الالتزام الخلقي: المعلوم أن الفرد يظل فترة في الإخوان إلى أن يتم توثيقه واعتماده من الجماعة، وعليه أن يجتاز عدة شروط خلقية ودينية، وثقافية، وتنظيمية، بعدها يعتمد، ولكن بعد ذلك، يتحول للأسف التقييم بحسب التزامه التنظيمي والإداري فقط، وعند خطئه إداريا يعاقب عقابا عسيرا، بينما يتم التغاضي عن الأخطاء الخلقية، فنسمع عن شخص فصل من الجماعة لمخالفته قرارا تنظيميا، لكن على كثرة ما نرى من صفحات على مواقع التواصل، وممارسات سلوكية في غاية السوء، لم نسمع عن تحقيق فتح مع شخص كهذا، أو فصل من الجماعة لشخص نظرا لممارساته الأخلاقية، والتي يراها الجميع، ويستنكرها الكثيرون، إلا أنه لا يتم التعامل مع الخطأ في السلوك كما يتم التعامل مع الخطأ في الأمر التنظيمي والإداري.
5ـ تحول قسم التربية إلى الطمع في الاستحواذ على الصف الإخواني: منذ تسعينيات القرن الماضي، وقسم التربية في الجماعة أصبح مطمعا لكل من يريد الاستحواذ على أهم مفاصل الجماعة، فمن يريد السيطرة أو ضمان الولاء له، أو لتوجهه داخل التنظيم، فمن المهم جدا أن يكون تحت قبضته أو سيطرته: قسم التربية، لأن عن طريقه ينزل للأشخاص التكاليف، ومنه الاشتراكات المالية، وعن طريقه يزكى الإنسان للترشح لموقع دعوي، أو سياسي، ولذا تحول من أداء رسالته، إلى مسار آخر، مما أفرز بعض هذه الظواهر الفجة. 
6ـ الانشغال بالسياسة على حساب التربية: من أهم الأسباب أن الجماعة انشغلت منذ فترة بالعمل السياسي، رغم ما عليه من ملاحظات وإخفاقات، ولكن هذا الانشغال زاد عن حده، حتى بلغ حدا من الإهمال للتربية، وقد لاحظ ذلك الكثيرون خاصة بعد ثورة يناير، وانغماس معظم الكوادر في حزب الحرية والعدالة، وأصبح التركيز أكثر على السياسة رغم أهميتها، لكنها لا تكون على حساب أصل وأساس الجماعة وهو الدعوة والتربية الخلقية، وليت القائمين على أمر الجماعة انتبهوا لذلك بعد الانقلاب، بل زاد الطين بلة، فزاد الابتعاد عن الاهتمام بالتربية أكثر من قبل.
7ـ السلبية في التقويم: ساهم في زيادة هذه الظاهرة، سلبية كثيرين في الجماعة من مواجهة هذه السلوكيات المنكرة، وذلك خوفا من طول ألسنة من يمارسونها، أو من رد فعلهم القبيح، وكثير من الإخوان يؤثر السلامة الشخصية في مثل هذه الأمور، وينأى بنفسه عن المواجهة، وبخاصة لو كان ما يظهره الشخص لممارساته: أنه يفعل ذلك السلوك المرفوض خلقا من باب دفاعه عن الدعوة، ودفاعا عن رموزها، فعندئذ يخشى البعض من الإنكار، لأنه سيتهم بأنه يساعد على الهجوم على الدعوة ورموزها.
8ـ الاستقواء بالشتامين لنصرة الموقف: من العوامل التي أبرزت هذه الظاهرة، وساهمت في زيادتها، انضمام أشخاص لرفض الانقلاب، ولكنهم دخلوه من باب السخرية والشتم للقائمين على الانقلاب، وكانت هناك حالات يتجاوز فيها الفاعلون، وعندما رفض العقلاء ذلك، طلب منهم الصمت لأنه ينالون من رموز الانقلاب، ناسين أن هذا السلوك سلاح ذو حدين، لأنه سرعان ما انقلب على الأشخاص في الجماعة، ثم انتقل السلوك لأفراد الجماعة نفسها، واستخدم هؤلاء من أرادوا الاستقواء في مواقفهم في خلافات التنظيم منذ عام 2015م للأسف.
تلك بعض الأسباب التي لاحت لي من خلال الرصد والتفكير في بروز ظاهرة سوء خلق لدى بعض المنتسبين للإخوان، رجالا ونساء للأسف، وقد ذكرتها لتكون عونا لمن يريد وقف هذا النزيف الخلقي، والذي إن دل وجوده، فيدل على أزمة كبيرة يجب تداركها وحلها، وإلا فقدت الجماعة أهم أسباب وجودها وبقائها واستمرارها على خطى الإصلاح، واستحقت بذلك أن يسري عليها قانون الاستبدال الذي قرره الله عز وجل في كتابه الكريم.

 

المصدر / عربي21

التعليقات (0)