علي محمود يكتب : إنها معاملة غير انسانية

profile
  • clock 7 يونيو 2021, 11:05:33 م
  • eye 894
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فى عام 1937 جاء إلى مصر طبيب إنجليزى اسمه ارثر سيسيل البورت Arthur Cecil Alport ، ليعمل أستاذًا بمستشفى قصر العينى, فى ذلك الحين كانت المستشفيات الجامعية المصرية مرتبطة بالكليات الملكية البريطانية التى كانت ترسل كل عام مَن يراقب هذه المستشفيات ويطمئن إلى أن الامتحانات فى مستوى امتحانات الجامعات الإنجليزية.

وكان الدكتور ألبورت قد عمل 9 سنوات فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى عدة سنوات على الجبهة في الحرب العالمية الأولى، ثم عاد إلى لندن وأصبح مديرًا بمستشفى سانت مارى، حتى جاء لتدريس الطب فى جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، رشَّحه لذلك ألكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين...

وقد تفاجأ الرجل من كم الاهمال والمحسوبيه وانعدام الضمير من الأطباء والممرضات والادارات الجامعيةّ، وقد حاول الرجل جاهدا اصلاح مايستطيع كي يصلح هذه المنظومه الفاسده بكل طريقة؛ لكنه لم يفلح، حاول أن يصل إلى رئيس الوزراء لكنه تجاهله، وحاول تصعيد الأمور إلى الملك لكنه لم يصل إليه؛ بل إنه قام بطباعة منشور ووزّعه بنفسه ليؤدي إلى خلق رأي عام مصري يسانده في قضيته !!!! ولكن كالعاده لا حياة لمن تنادي......وقد نصحه كثيرون بالعدول عن أفكاره؛ لأن البوليس السياسي (امن الدولة سابقا، والأمن الوطني حاليا) يعتقل كل من يناقش الأمور التي تخص الدولة أمام العامة..

وقد بلغ اليأس من الرجل ان كتب كتابا يصف فيه الحال المتردي اسماه (ساعه عدل واحده) مستلهما حديث (ساعة عدل واحدة تعدل سبعين عاما من الصلاة المقبولة)....

وقد كان الرجل منحاز تماماً للفلاحين الفقراء، ومنتقد حاد لحكومة البشوات التي لا تفعل شيئاً وتعامل المرضى كالبهائم، ومنتقد حاد أيضاً لسياسة بلاده في مصر، ولمواطنيه من الإنجليز، وقد كتب هذا الكتاب خصيصاً ليطلع الرأي العام الغربي على الحالة المزرية التي وصل لها الفلاح المصري، لعل أحداً يفعل له شيئاً.

وتحدث عن المحاباة والوساطة في الامتحانات والتعيينات، الأخطاء القاتلة لمعامل التحاليل، كثرة الإجازات بلا مبرر، عن التمرجية الذين يبتزون المرضى ويضربونهم ويسرقون الأدوية وأدوات المستشفى ويحقنون المرضى بالماء بدلاً من البنسلين الذي يسرقونه !!!!!، انتشار الجهل بين الطلبه، كثرة الحشو في المناهج الدراسية، عن انتشار الدروس الخصوصية في الجامعة، عن التعصب الديني والعرقي، تدخل الحكومة في الشئون الأكاديمية للجامعة مما يفقدها استقلاليتها.

حتى ان الرجل قد قام بكتابه كتاب صغير للطلبه عن كيفيه كتابه التاريخ المرضي وفحص المرضي والتحاليل التي قد تحتاجها في الامراض المختلفه وطالب بطباعه الكتاب وتوزيعه علي الطلبه مجانا وتنازل عن أجره ...فما كان من ادارة المستشفي إلا ان طبعته وباعته مقابل خمسة قروش للنسخه الواحده ... وحتى هو عندما اراد نسخه ليحتفظ بها طالبوه بتسديد خمسه قروش للخزنه نظير النسخه !!!

يقول الرجل في كتابه.....

(لست سوى طبيب، ولست برجل دولة، وأتحدى أي إنسان أن يوافق على ما تفعله أي حكومة أو طبقة حاكمة بمثل ما يحدث للمرضى الفقراء من المصريين، إنها معاملة غير إنسانية بكل المقاييس للتحكم في مصائر هؤلاء الناس)....

استقال الرجل أخيراً قائلا عباره قاتله .....

(إنني أرتعش كلما فكرت فيما كان يحدث لي لو كنت مصريا)ً.

التعليقات (0)