عملية مقاومة في قلب تل أبيب مؤشر على المواجهة الآتية غير القابلة للاحتواء

profile
  • clock 12 مارس 2023, 3:32:22 ص
  • eye 191
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أسبوعان على قمة العقبة الخماسية وكل ما قيل بعدها من أنها خيار المضطر بالنسبة للسلطة الفلسطينية أصبح يتأكد في الأحداث التي تلتها، فالميدان حافل بالأحداث التي لا سيطرة لها عليها، وفي المقابل يبدو التصعيد الإسرائيلي انعكاسا لعدم الجدية من جهة، ولفهمها الخاص لمعنى التهدئة وكيف تكون ومن هي الجهة الوحيدة التي عليها الالتزام وتنفيذ التعهدات والتفاهمات.

لقد حمل الأسبوع الماضي أيضا كما الأسبوع الذي سبقه كل ما لم يرق لأطراف القمة، مجزرة مخيم جنين التي استشهد فيها 6 فلسطينيين من بينهم منفذ عملية حوارة، وفي نهاية الأسبوع أعدمت القوات الخاصة الإسرائيلية ثلاثة مقاومين في بلدة جبع جنوب جنين إلى جانب عمليات وممارسات جعلت الأسبوع دمويا حيث استشهد خلاله 12 فلسطينيا، فما هي النتيجة؟
لقد جاء الرد الفلسطيني في قلب تل أبيب، وفي لحظة كانت المدينة في قمة استنفارها الأمني، حيث تمكن ابن بلدة نعلين القريبة من رام الله المعتز بالله الخواجا من تنفيذ عملية إطلاق نار على مستوطنين في مطعم في شارع المدينة الأكثر شهرة.

مرحلة المقاومة المنظمة

وحسب الباحث والكاتب معز كراجه فإن العملية الأخيرة (عملية تل أبيب) أدخلت الضفة الغربية في مرحلة المقاومة المنظمة، وذلك بعد أن تبنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس للعملية، وهو ذات الأمر مع العملية التي سبقتها في بلدة حوارة.
ويرى كراجة أن المقاومة المنظمة هذه المرة، تأتي بالتوازي مع تطور المقاومة الفردية، وهو ما يشكل معضلة «أمنية» حقيقية أمام الاحتلال، بدليل القدرة على تنفيذ العملية في تل أبيب رغم كل حالة الاستنفار والاحتياطات الأمنية.
ويشدد أنه بالتوازي بين المقاومة المنظمة والفردية يفتح الباب أمام فرصة تطور مقاومة شعبية تنخرط فيها شرائح اجتماعية أوسع، وهو ما لم يحصل منذ أوسلو، وينطلق في تحليله من أهمية عملية تل أبيب في كونها تؤشر إلى قدرة فلسطينية على الرد السريع والناجح على القتل الإسرائيلي، وهذه معادلة مهمة خاصة أن الوعي الإسرائيلي مبني على «القدرة على القتل» دون دفع الثمن.
ويضيف في ذات السياق أن الحكومة الإسرائيلية الحالية سوقت نفسها على أنها الأقدر على «حفظ الأمن» ولكنها تسجل كواحدة من أكثر الحكومات فشلا في ذلك، وهذا على المدى البعيد سيترك أثره المهم على الوعي الإسرائيلي. ويتابع قائلا: «ولذلك فإن أهم ما تحققه الضفة الغربية اليوم هو إعادة بناء صورة الفلسطيني القوي القادر، في الوعي الإسرائيلي، على عكس الصورة التي اختزنها من السنوات العجاف السابقة».
ويختم كراجه أن واحدة من أهم إنجازات قوى المقاومة في جنين ونابلس، أنها حولت فعل المقاومة إلى فكرة يمكن لكل فرد أن يحملها بدون حاجة إلى إطار تنظيمي، وهذا أكبر تحدي على الإسرائيلي مواجهته. فيما عقلية الحكومة الإسرائيلية ستدفعها إلى مزيد من القتل ومحاولات القمع، وهو ما يعني أن الأيام المقبلة ستأخذ الضفة الغربية تحديدا إلى مواجهة أكبر لا يمكن احتوائها.

دلالات ثلاث

عماد أبو عواد، مدير مركز «القدس» للدراسات، يضع عملية القدس في ثلاث دلالات رئيسية في ظل أن مكان العملية ووقتها في ذروة الاستنفار الأمني بعد مسيرات المعارضة الحاشدة.
ويكمل أبو عواد معتبرا أن العملية جاءت بعد أيام عاشت فيها دولة الاحتلال حالة من الشعور بإن العمل المقاوم الفلسطيني منصب تجاه المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية، فيما جاءت العملية لتؤكد أن الحالة الإسرائيلية العامة ستعاني جراء سياسة الحكومة اليمينية، وليس المساحة التي أصبحت تحت سيطرة الصهيونية الدينية حيث أصبحت تسيطر عمليا على الضفة الغربية.
ويشدد أن كل إجراءات الاحتلال الأمنية التي رأت أنه من خلالها يمكنها أن توفر لها الأمن فشلت عمليا في ظل قدرة المقاوم الفلسطيني على الوصول، فالحلول الأمنية التي اعتقد الاحتلال أنه من خلالها سيقلل من حدة العلميات في الداخل المحتل أثبتت فشلها.
ونشرت وسائل إعلام عبرية أن الشاباك الإسرائيلي حقق مع منفذ العملية الشاب معتز بالله الخواجا مرتين من دون أن يترتب على ذلك أي نتيجة، وأن الشهيد الخواجا تمكن من الدخول إلى قلب تل أبيب فيما تجول فيها حتى وصل إلى مكان تنفيذ العملية.
الدلالة الثالثة حسب مدير مركز القدس ترتبط برغبة سكان تل أبيب أو ما يطلق عليه المعسكر المناهض لنتنياهو أن تلقى مصيرها مقابل الفلسطينيين في الضفة الغربية، لكن النتيجة أن الضغط الإسرائيلي على الفلسطيني فشل وترتب عليه توجه المقاومة لعملياتها على الاحتلال الإسرائيلي في كل مكان بحيث لم تعتد تقتصر على الضفة الغربية.

من إدارة الصراع إلى احتوائه

في سياق متصل يحلل الكاتب والباحث الفلسطيني إبراهيم فريحات نتائج قمة العقبة في أن أبرز النتائج العملية للقاء العقبة هو عملية احتواء للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس إدارة الصراع.
يعرف في ظل ذلك إدارة الصراع مشيرا إلى أنه وضع قواعد تنظم الصراع وتحكم سلوك المتصارعين، أما الاحتواء فهو تخفيض للعنف من دون أن تتضمن بالضرورة إرساء قواعد سلوك تنظيمية للصراع.
ويضرب مثالا: احتواء الصراع هو محاولة إطفاء للحريق الذي يلتهم البيت، أما إدارة الصراع فهو أخذ للاحتياطات التي تمنع نشوب النار في البيت مثل إخراج المواد المشتعلة خارج البيت وتزويده بمواد تقاوم الحريق وغيره. الاحتواء هو درجة أقل من الإدارة حيث أنه يتعامل مع مشكلة آنية (إطفاء النار) بينما تهتم الإدارة للصراع بتنظيم ووضع قواعد سلوك.
ويضيف: «والمؤكد أن كلا العمليتين (الإدارة والاحتواء) هما أقل من حل الصراع الذي يعنى بالتوصل لاتفاقيات تتعامل مع جذور الصراع».
ويكمل قائلا: «في السابق كانت الإدارة الامريكية تُنتقد في أنها تريد إدارة الصراع وليس حل الصراع والنتيجة أنها تراجعت إلى مستوى أقل من الإدارة إلى الاحتواء مبتعدة بذلك درجة إضافية عن الحل للصراع».
ويرى فريحات أن ما جرى في العقبة هو تفاهمات وليس اتفاقيات، مثل وقف لإصدار تراخيص جديدة لمستوطنات وليس وقفا للنشاط الاستيطاني، فيما تصريحات نتنياهو تؤكد مخرجات المؤتمر ولا تتناقض معه.
ويشدد أن المشكلة في شخص الرئيس الأمريكي بايدن أكثر منها في الإدارة الأمريكية، فبايدن الذي يشن حربا أخلاقية في أوكرانيا نراه يتعامل بطريقة لا أخلاقية في فلسطين، فيما ليس مطلوب من المواطن الفلسطيني في «حوارة» دفع ثمن تناقضات بايدن الأخلاقية.
ويخلص فريحات إلى أن التوتر سيستمر في الضفة الغربية والقدس لأن التفاهمات لا تتعامل مع جذور الصراع، ويحذر من أن الطرف الفلسطيني تحول في القمة الخماسية إلى «حصان طروادة» الذي شرع التعامل مع حكومة فاشية في تل أبيب تدعو لإبادة جماعية في حوارة.
وعليه أصبح السؤال الملح فلسطينيا حول مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤتمر أو قمة شرم الشيخ خلال الشهر الجاري، حيث كانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد رجحت أن يكون للأحداث الميدانية على الأرض تأثير على السيناريو الذي حاولت الأطراف الخمسة رسمه في «قمة العقبة».
المسألة هنا تجاوزت ما حدث في بلدة حوارة وتلك التصريحات التي كررها أكثر من مسؤول حول محو البلدة وهو أمر يعكس جوهر الممارسة الاستيطانية هناك، فعمليات الاقتحام الدموية ما زالت مستمرة فيما جاءت جريمة إعدام المقاومين الثلاثة في بلدة جبع بضربة أكبر لكل الجهود الخاصة بالتهدئة وخفض التصعيد أما الفعل الأكبر فكان من خلال الرد بعملية تل أبيب.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد يقول إن المعالجة الأمنية الإسرائيلية لن تنهي الحالة النضالية الفلسطينية، وما جرى عكس الرغبة الاحتلالية حيث شهدت الضفة الغربية نقلة نوعية عن العام الماضي.
ويضيف: اليوم نرى أن رسالة عملية تل أبيب أنه في ظل هذه الحملة الواسعة في كل الضفة وتحديدا في شمالها أصبحت المقاومة تتكيف مع الواقع الميداني.
ويضيف أن هناك معادلة مفادها أن وجود الاحتلال في الضفة الغربية من أجل توفير الأمن للإسرائيلي في تل أبيب أصبحت معادلة مشكوك في صحتها، فوجود الاحتلال بالضفة أصبح مصدر انعدام الأمن للإسرائيلي بالداخل.
ويبقى السؤال حسب شديد: هل يعترف الإسرائيلي بإنه مصدر كل الشرور، وأن سبب عمليات المقاومة هو الاحتلال وجرائمه؟ ويجيب أن التجربة مع هذا الاحتلال تخبرنا إنه لن يعترف. وسيحاول أن يجد أطرافا يحملها النتائج، مثل: ضعف السلطة تارة، ومسؤولية حماس تارة أخرى، «فالإسرائيلي لا يعترف بفشل منظومته. والعملية هي مخرجات الواقع والبيئة الفلسطينية الجديدة حيث أن الأغلبية الساحقة باتت مقتنعة بنهج المقاومة المسلحة بعد فشل المشروع السياسي».
ويؤكد شديد أن هناك جهدا إقليميا لخفض المواجهة، لكن الحقيقة تقول إن الطرف الإسرائيلي يبقى العامل الأهم في ذلك، وهو يعمل على إفشال القمة وإعادة الأمور لما كانت عليه، وهو ما يجعل من التغيرات الحالية والعناصر المختلفة في الضفة، في ظل مكونات الحكومة الإسرائيلية، لا يمكن أن تقود لتهدئة الأمور، فالمنطقة ذاهبة نحو التصعيد وليس التهدئة.

التعليقات (0)