-
℃ 11 تركيا
-
18 مارس 2025
فؤاد بكر يكتب: قراءة في استئناف الحرب على قطاع غزة
فؤاد بكر يكتب: قراءة في استئناف الحرب على قطاع غزة
-
18 مارس 2025, 10:50:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استئناف الحرب على غزة
استأنفت إسرائيل حربها على قطاع غزة، منتهكة اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في يناير من عام 2025 في الدوحة، على الرغم من الضمانات الثلاثية لمصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية. جاء ذلك بعد فشل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على مدار 15 شهراً، أي منذ المراحل الأولى لعملية السابع من أكتوبر عام 2023. حينها، كانت المقاومة الفلسطينية تشعر بأن إسرائيل عندما تستعيد أسراها ستعود إلى الحرب. وكذلك بعد قيام إسرائيل بمنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة للضغط على المقاومة الفلسطينية للتنازل عن مطالبها المتفق عليها عند توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في الدوحة، والتي عرقلت إسرائيل بدورها تقدم مفاوضات المرحلة الثانية.
المأزق الإسرائيلي
تأتي عملية استئناف الحرب في إطار المأزق الإسرائيلي الداخلي حول إقالة نتنياهو رئيس الشاباك الإسرائيلي رونين بار، وتراشق الاتهامات بينه وبين نتنياهو حول مسؤولية الإخفاق الأمني الذي حدث في عملية السابع من أكتوبر 2023، ولاسيما بعد الإصرار على تقدم لجنة التحقيق الإسرائيلية لتحديد المسؤول عن هذا الإخفاق الأمني. في حين رفض رئيس الشاباك قرار نتنياهو بإقالته وتحميله المسؤولية الكاملة عن أحداث السابع من أكتوبر، فإن عملية استئناف الحرب تأتي بعد اعتراف إسرائيلي بفشل تحقيق أهدافها في الحرب، كما اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هليفي، الذي أكد أن إسرائيل لم تتوقع تطور الأوضاع في قطاع غزة بنسبة 5%. كما أشار اللواء الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يمتلك حتى الآن استراتيجية لحسم المعركة في قطاع غزة.
بعد فشل إسرائيل في تقديم حججها وإقناع الوسطاء بشأن عرقلتها للمرحلة الثانية من اتفاقية وقف إطلاق النار، أرسل نتنياهو وفداً للتفاوض إلى القاهرة حول مسألة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. ولما وجد نتنياهو أن هناك عدم استقرار داخل حكومته الحالية، وأن الميزان لا يميل لصالحه في الداخل الإسرائيلي، استأنف الحرب للتهرب من الاستحقاقات السياسية الداخلية الإسرائيلية، بهدف شراء الوقت على الرغم من كل الدعم الأمريكي له.
الوضع الفلسطيني المعقد
رفضت حركة حماس مخطط الموفد الأمريكي ويتكوف، الذي كان يريد توقيع اتفاقية جديدة تختلف بنودها عن اتفاقية وقف إطلاق النار التي أُبرمت في الدوحة. وأكدت حماس أنه يجب استئناف المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تنصل منه رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وليس إبرام اتفاق جديد. وبعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفتح الطريق أمام المفاوضات المباشرة مع حركة حماس، أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لذلك، حيث تستمر لقاءات حركة حماس مع الجانب الروسي في الدوحة، ممثلة بنائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف، للبحث في شأن اتفاقية وقف إطلاق النار.
كما تأتي عملية استئناف الحرب على قطاع غزة في إطار مشهد فلسطيني معقد داخلياً، حيث تشهد الضفة الغربية عملية تهديم لمخيماتها وتشريد ما يزيد عن 50 ألف فلسطيني من مخيمات الضفة الغربية التي تشهد تدميراً هائلاً. ويهدف ذلك إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وليس فقط في قطاع غزة، وفي إطار استخدام ملف إعادة الإعمار كسلاح سياسي ضد المقاومة الفلسطينية التي رفضت بدورها نزع سلاحها مقابل إعادة الإعمار. كما جاء في إطار دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة لعقد المجلس المركزي الفلسطيني واستحداث منصب نائب رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الانقسام العربي
بعد أن وجهت القمة العربية شكرها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمساعيه وضغطه على إسرائيل لموافقتها على توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في الدوحة، جاءت عملية استئناف الحرب اليوم بموافقة أمريكية. وعلى الرغم من أن القمة العربية قد وضعت خطة بديلة لمواجهة مخطط ترامب، الذي دعا من خلالها إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتحويله إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لم تقبلا بهذه الخطة، رغم الاجحافات التي ذكرها البيان الختامي، والذي ناقش نزع السلاح الفلسطيني في قطاع غزة مقابل إعادة الإعمار، ما أدى إلى خلاف كبير لم يحضر بسببه الاجتماع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والرئيس الجزائري تبون.
من هنا يتضح أنه كلما قدمت الدول العربية تنازلات لإسرائيل، كلما طلبت المزيد من التنازلات. واستئناف الحرب يدل على الضعف التأثير العربي وعدم استخدام أي وسيلة ضغط على إسرائيل، رغم كل أوراق القوة التي تحتوي عليها الدول العربية.
تشرذم المشهد الإقليمي والدولي
ينقسم المشهد الإقليمي والدولي الآن على عدة مستويات، حيث يولي المجتمع الدولي اهتماماً كبيراً لمعالجة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مما أغرق الدول الأوروبية في سياسات ليست من صالحها. إضافة إلى انشغال العالم بتطور الأوضاع حول نية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة إلى إيران، باعتبارها الدولة المركزية الداعمة عسكرياً للمقاومة في كل من فلسطين ولبنان، الذي لا يزال يشهد اعتداءات إسرائيلية متكررة رغم اتفاقية وقف إطلاق النار وخرقها من قبل إسرائيل. وكذلك في اليمن، الذي أعلن استئناف عملياته في البحر الأحمر ضد إسرائيل للضغط عليها بهدف السماح لها بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
كما تتجه الأنظار الدولية إلى تطورات الأوضاع في سوريا، التي تشهد اشتباكات حادة، ومحاولة إسرائيل خلط الأوراق في سوريا وزعزعة الاستقرار والتحايل على الأقليات مثل الطائفة الدرزية وبعض المجموعات الكردية لتكريس احتلالها الجديد لجبل الشيخ والقنيطرة والسيطرة الكاملة عليها. وقد أشارت صحيفة "بي بي سي نيوز" نقلاً عن مسؤول أمريكي في إدارة ترامب حول إمكانية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سوريا بعد فشل محاولة تهجيرهم إلى الأردن، مصر، السودان، الصومال، السعودية، وغيرها من الدول العربية والآسيوية.
الخلاصة:
تحاول إسرائيل العودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات وتحديد بنوك أهداف جديدة لها في هذه المرحلة من الحرب بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها القديمة. ولذلك، بدأت هذه الحرب من خلال استهداف قيادات فلسطينية ولم تبال بعدد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا في الاستهداف الأخير، والذي تجاوز عددهم 500 بين جريح وشهيد. ما يذكرنا باستعادة المشهد لأول حرب بعد اغتيال إسرائيل لقيادة المقاومة، سواء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة، وكذلك الأمر في جملة الاغتيالات في لبنان من أمين عام حزب الله حسن نصر الله، هاشم صفي الدين، فؤاد شكر...
يجب العمل حالياً على تضافر كل الجهود من أجل البدء بالمرحلة الثانية في اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة في الدوحة، وليس من أجل إيجاد اتفاق جديد، لأنه من الصعب جداً هذه المرة التوصل إلى اتفاق فيه نقاط مشتركة يوافق عليها الطرفان.







