- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
فتحي أحمد يكتب: الاستيطان استعلاء وإنكار لحقوق الشعب الفلسطيني
فتحي أحمد يكتب: الاستيطان استعلاء وإنكار لحقوق الشعب الفلسطيني
- 19 سبتمبر 2023, 5:31:57 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من الخطأ الفادح في سياسة الكيان الصهيوني أن نهوّن من غطرسته، فالاستيطان ليس سياسة عابرة فحسب بل هو مخطط ينفذه سموتريتش بهدوء. على ما يبدو إسرائيل تسارع الوقت في بناء مزيد من الوحدات السكانية في الضفة الغربية، وخصوصا في المناطق المحاذية لمدينة القدس.
الطرق الالتفافية
أعلن مؤخرا على بناء ما يقارب 600 وحدة سكنية في أبو ديس، وهو من أجل ربط الشارع الأمريكي بمستوطنة أبو غنيم، لكنه من الهام أيضا ألاّ نستهين بشق الطرق الالتفافية وتعبيدها كهدف أساسي، أولا تغذية المستوطنات، وثانيا وهذا الجانب الأخطر على الإطلاق، هو تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق معزولة وكانتونات صغيرة، لمنع التواصل بين المناطق الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية.
وقد ساهمت هذه الطرق كبنية استعمارية في تكريس التفكيك والفصل لكل ما هو فلسطيني كديموغرافيا وجغرافيا، وتكريس هيمنة وتواصل الاستعمار الإسرائيلي، الذي استغل الطرق الالتفافية كأداة استعمارية ساهمت في عملية ضم الأراضي الفلسطينية، ومحو السكان الفلسطينيين، حتى يومنا هذا، نتج عن شق الطرق الالتفافية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (حوالي 938 كم طول طرق) مصادرة وتدمير آلاف الدونمات الفلسطينية معظمها من الأراضي الزراعية للغرض نفسه.
في ذاك المنعطف الخطير من تاريخ فلسطين حيث تجدر الإشارة الى أنه خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي استندت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى هدفين اثنين ومتناقضين أحيانًا مع بعضهما البعض، هما التوسع الاستيطاني والفصل الجغرافي. الواضح من إقامة المستوطنات هو من أجل إقامة حزام حدودي من المستوطنات بموازاة خط الهدنة، وهو كعمق استراتيجي دفاعي بالدرجة الأولى، فضلا عن استيعاب وجلب المزيد من اليهود المهاجرين من العالم.
الأخطر في هذا يشكل الاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني، والأساس الذي تعتمده سلطات الاحتلال لفرض الأمر الواقع الاحتلالي على توسعاتها العسكرية المتتالية، أي أن الاستيطان الاسرائيلي يختلف عن أشكال الاستيطان الاستعماري التي عرفها العالم في العصر الحديث لأنه يستند في تسويغ وجوده على فلسفة ذرائعية وادعاء ديني، ويعتمد سياسة الأمر الواقع التي تعاضدها القوة العسكرية.
ويأتي الجدار الأمني الذي شيدته حكومة الاحتلال في عام 1994 في عهد إسحاق رابين ليجسد سياسة الفصل العنصري، التي انتهجتها الحكومات الصهيونية المتعاقبة، مما سبب هذا الجدار مشاكل كبيرة للشعب الفلسطيني على صعيد تشتيت السكان الفلسطينيين لضرب نسيجهم الاجتماعي، بجانب مصادرة مزيد من الأراضي بدافع إقامة الجدار الذي تم بناؤه بعد انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية للحد من العمليات داخل الكيان.
لا مبالغة في القول، وطوال فترة الصراع، شكل الاستيطان، الوسيلة والهدف ووصف الاستيطان أنه الصهيونية في حالة عمل. لا يقتصر بناء المستوطنات على خاصية العمل وحدها بل تعداها لإقامة المستوطنات الصهيونية على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية، وتهجير السكان الأصليين كما حدث بعد النكبة عام 1948، ولكن اليوم الاستيطان في الضفة الغربية مختلف تماما ، فيعمد الاحتلال على مصادرة الأراضي الزراعية والبناء عليها، وشق الطرق، وإقامة المنتزهات ومعسكرات التدريب، وهذا أيضا على حساب المراعي وحقول الزراعة التي يعتاش منها الفلسطيني في مناطق شتى من الضفة الغربية، ففي الأغوار صادر الاحتلال ما يقارب 4000 دونم وهي من الأراضي الخصبة والتي تعتبر سلة الضفة الغربية، وحولت هذه الأراضي لمصدر دخل لحكومة الاحتلال.
الداء الكبير
بيد أنّ الداء الكبير المرتبط بالاستيطان من خلال تهويد الضفة الغربية، و يهدف الاحتلال لزيادة حجم المستوطنات فيها وفي القدس، وذلك من أجل خلق بيئة نقية على حد وصفهم، وهو مجتمع يهودي متجانس، أي البحث في تحقيق الدولة اليهودية، لأن وتيرة الاستيطان المتزايدة في الفترة الأخيرة، وخصوصا بعد تشكيل أكبر حكومة متطرفة في عهد الكيان وهو من باب تحقيق ما نص عليه التلمود، والتوراة، ويبقى أمل إيجاد أرضية لوقف الاستيطان مع هذه الحكومة ضئيلا، وهذا العهد مختلف عن سابقه من الحكومات التي شكلت قبل ذلك، فالفرق أن الحكومات السابقة كانت تراوغ وتجمد الاستيطان وسجل لها أنها أخلت بعض الكتل الاستيطانية العشوائية، لكن هذا كان بمثابة مسرحية أمام العالم.
القانون الدولي
يمكن الجزم أن إقامة المستوطنات في القانون الدولي بفروعه – بالإضافة إلى نقل سكان الدول المحتلة إلى الإقليم المحتل- مناقضة لكل المبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة (ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب في عام 1949).
ويفصل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال. وجوهر الميثاق في هذه الحالة “يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة” لكن هذا لا يلاقي آذانا صاغية عند المحتل، وما زال يرفض كل المبادرات التي تدعو لاستئناف المفاوضات بشتى السبل.
صحيح ثمة تباين بين حكومة إسرائيلية في الأسلوب والطريقة، لكن الهدف الاستيطاني يلم شملهم وهو السيطرة على الضفة الغربية وتهويدها.
كاتب فلسطيني