- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
فتح السرية عن أرشيف فرنسا بالجزائر.. مسكنات أم خطوة جريئة؟
فتح السرية عن أرشيف فرنسا بالجزائر.. مسكنات أم خطوة جريئة؟
- 11 ديسمبر 2021, 3:59:24 م
- 557
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
خطوات مفاجئة لكسر الجليد في العلاقات الجزائرية الفرنسية شهدها محور باريس الجزائر مؤخراً بعد أزمة أدت إلى قطيعة غير معلنة.
وأعلنت فرنسا اعتزامها رفع السرية عن الأرشيف الخاص بما تسميه "حرب الجزائر" وهي فترة ثورة التحرير الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي في الفترة بين 1954 و1962.
خطوة تباينت إزاءها التحليلات والتفسيرات وحتى الخلفيات، وهو ما عبر عنه مؤرخان وخبيران جزائريان في تصريحين متفصلين.
ورأى الأول أن الخطوة جاءت نتيجة "سياسة الجزائر الجديدة تجاه باريس" التي قال إنها "أحرجت سلطات فرنسا"، واصفا قرار فتح السرية عن الأرشيف بـ"بادرة حسن النية"، واعتبره في نفس الوقت "تجزئة غير منصفة للتاريخ".
بينما عدّ الخبير الثاني الخطوة الفرنسية المرتقبة بـ"المناورة السياسية"، مرجعاً ذلك إلى أن "فرنسا لازالت حبيسة فكرها الاستعماري الذي يمنعها من كشف جرائمها والاعتذار عنها لطي ملف الذاكرة مع الجزائر"، على حد قوله.
جسر الأرشيف
والجمعة، أعلنت وزيرة الثقاف الفرنسية روزلين باشلو "عن قرب رفع السرية عن أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة بحرب الجزائر" في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 60 عاما، وتأتي بالتزامن مع أزمة كبيرة بين البلدين.
وفي تصريحات إعلامية، أكدت باشلو أن لدى فرنسا "أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر، وأن ذلك غير ممكن إلا بناء على الحقيقة".
غير أن المسؤولة الفرنسية قالت عبارة أخرى اعتبرها المتابعون "غامضة" حيث تحدثت عن ضرورة "بناء تاريخ آخر بين البلدين لا مكان فيه لتزوير التاريخ الذي يجلب كل الأخطاء والمشكلات والكراهية".
إلا أنها شددت على أنه "من مصلحة فرنسا الاعتراف بأعمال التعذيب التي ارتكبها جيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر".
تهدئة العلاقات
ويأتي الإعلان الفرنسي بعد يومين فقط من زيارة مفاجئة وغير معلنة قادت وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الجزائر، التقى خلالها الرئيس عبدالمجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة.
وأعرب لودريان في تصريحات إعلامية عن أمله في أن يعود للجزائر وفرنسا "نهج العلاقات الهادئة، وأن يتمكنا من التطلع للمستقبل".
واعتبر أن الأزمة بين البلدين نتاج "سوء تفاهم"، وأوضح ذلك بالقول: "نأمل أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومتينا في عام 2022 بعيدا عن جراح الماضي التي يجب أن نواجهها خاصة بالنظر إلى سوء التفاهم الذي علينا تجاوزه".
ونشبت أزمة غير مسبوقة بين الجزائر وفرنسا منذ نحو شهرين عقب تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تاريخ الجزائر عدتها الأخيرة "استفزازا وتدخلا في شؤونها".
وردت الجزائر بسحب سفيرها من باريس وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية المتوجهة إلى الساحل، فيما كشفت مصادر إعلامية جزائرية عن تعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون لـ"تجميد كافة الاتصالات الدبلوماسية مع الجانب الفرنسي".
إرادة سياسية
الباحث في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية الدكتور عامر رخيلة أوضح في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن خطوة باريس لرفع السرية عن الأرشيف، "مهمة وعربون ثقة" لكنها "تبقى تجزئة للتاريخ"، واستبعد إمكانية أن تسهم في اختراق بأزمة ملف الذاكرة بين البلدين وطيه بشكل نهائي.
وكشف عن أن "ملف الذاكرة يشمل نحو 20 ملفاً تاريخياً وسياسياً بينها التجارب النووية والحركى (خونة الثورة) والتعذيب والجماجم والمفقودين والأرشيف وغيرها، لكن يبدو أن الفرنسيين لم يتمكنوا من التخلص من قاعدة التعامل مع هذا الملف".
وشرح تلك القاعدة، قائلا "بكل مناسبة انتخابية فرنسية أو حدث في العلاقات بين البلدين، يُقدم بعض ساسة فرنسا على تقديم وعود وكلام يُفهم منه وجود إرادة لفتح هذا الملف من أجل غلقه مرة واحدة دون النقاش والحوار".
واستطرد قائلا: "نلاحظ أن في ظرف أسبوع صدرت عدة مواقف فرنسية بينها زيارة وزير خارجيتها وتصريح وزيرة الثقافة الفرنسية، وفي الوقت نفسه هناك موقف معاكس لمجلس الشيوخ الفرنسي الذي يرفض الاعتراف بمجازر 17 أكتوبر/تشرين أول 1961" بالجزائر.
تجزئة تاريخية
في المقابل، اعتبر الباحث الجزائري أن رفع السرية عن الأرشيف السري قبل 15 عاما من المهلة القانونية، "تجزئة للتاريخ تأتي ضمن خطاب سياسي لم يرق بعد لمستوى قرار"، مضيفا "فرنسا احتلت الجزائر 132 سنة لكنها تريد الكشف عن وثائق فترة زمنية واحدة فقط".
وتابع أن تصريح وزيرة الثقافة الفرنسية الذي تحدث عن الضبطية القضائية يعد "تقليصا للحقيقة لأن قوات الشرطة والدرك لم تكن الوحيدة التي تعمل بالجزائر وتقوم بعمليات المتابعة والتعذيب.، كان هناك مصالح أمنية وعسكرية وفرق من المعمرين ومجموعات مخصصة لدرجة أن فرنسا صارت مدرسة في التعذيب ونقلت تجربتها إلى أمريكا اللاتينية، والجندي الفرنسي كان المعلم للغربيين في استعمال أساليب التعذيب لافتكاك اعترافات من المقبوض عليهم".
قراءتان
وقدم رخيلة قراءتين لخطوة باريس، الأولى "هي حسن نية من فرنسا وأن باريس بدأت فعلا مراجعة علاقاتها مع الجزائر ومقبلة على خطوات أخرى.. هذا مهم، لكنه غير كاف".
أما القراءة الثانية فهي "فرنسا الوفية للمدرسة الاستعمارية ليس من السهل عليها أن تأخذ خطوات إيجابية للأمام في اتجاه الاستجابة لمطالب الجزائر وفتح ملفات الذاكرة المشتركة"، على حد قوله.
مناورة سياسية
أما محمد يحيى حرزلي المناضل السابق في الثورة التحريرية الجزائرية والباحث في تاريخ الجزائر فقد عد الخطوة الفرنسية بـ"المناورة السياسية".
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أوضح حرزلي صاحب الـ86 عاماً أنه "كلما تصعد الجزائر من مطالبها فإن فرنسا تناور بمنحها جرعات فقط لإسكاتها"، مضيفا "هناك أسرار سياسية وأخرى تتعلق بالتعذيب والتجارب النووية والمفاوضات السرية ويجهلها المجتمع العام، وفرنسا في كل مرة تعطي ما تريده فقط".
وأشار إلى أن "سياسة باريس في ملف الذاكرة معروفة، حيث تعطي بالجرعة وليس الكمية الكاملة، والجزائر تطالب بنشر كل ملفات الذاكرة الخاصة بالتجارب النووية والتعذيب والمفقودين والمبعدين والمجازر".
واعتبر الباحث والمؤرخ أن "الثقة المطلقة بين الجزائر وفرنسا لازالت بعيدة، لاعتماد باريس على سياسة الخطوة بخطوة في معالجة ملفات الذاكرة".