- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
قاسم قصير يكتب: عن الذكاء الاصطناعي وتغيير القيم الاجتماعية: كيف نحوّل التحدي إلى فرصة؟
قاسم قصير يكتب: عن الذكاء الاصطناعي وتغيير القيم الاجتماعية: كيف نحوّل التحدي إلى فرصة؟
- 12 يوليو 2023, 5:21:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يواجه العالم اليوم تحديات عديدة فكرية وسياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، وكل هذه التحديات تطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل العالم ودور الإنسان والتحولات التي سنشهدها في المرحلة المقبلة، مع الإشارة إلى أن وتيرة التغيرات والتطورات التي نشهدها في كل المجالات، وخصوصا في المجال العلمي والتكنولوجي، تسير بسرعة هائلة تتجاوز كل المراحل السابقة.
واليوم ينشغل العالم، إضافة للحرب الكونية في أوكرانيا وتداعياتها والأوضاع الاقتصادية الصعبة ومختلف الصراعات والحروب الممتدة على الخريطة الكونية، بتطورين مهمين ستكون لهما تداعيات كبرى في السنوات المقبلة، الأول التحول الرقمي وتطور الذكاء الاصطناعي وتأثير ذلك في المجالات العلمية والحروب والقدرات البشرية والواقع الاجتماعي، والثاني: المحاولات المستمرة لتغيير القيم الاجتماعية والأخلاقية وفرض قيم جديدة تتنافى مع القيم الدينية والمجتمعية التي كانت سائدة منذ بدء الخليقة إلى اليوم، وأهمها نشر ثقافة الشذوذ الجنسي أو ما يسمى اليوم بالمثلية والتغيير الجندري، وتأثير ذلك على بناء الأسرة والسعي لفرض قيم جديدة على البشر بالقوة، وخصوصا في المجتمعات الغربية، وتحويل ذلك إلى قوانين وأحكام ثابتة ومنع حصول أية مقاومة أو اعتراض من قبل من يرفض هذا التغيير.
ورغم أنه قد يظن البعض أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين التحول إلى الذكاء الاصطناعي وبين نشر القيم الاجتماعية الجديدة وفرض قوانين جديدة على العالم، فإن من يدقّق ويدرس أبعاد ما يجري يجد أن هناك ترابطا بين ما يحدث في العالم من تحولات، وكلها تهدف لتغيير العالم والسيطرة عليه والتحكم في قوانينه وآليات تطوره، سواء عبر السيطرة على العقول والتحكم بها عن بعد، أو فرض رؤية جديدة للكون تتنافى مع القيم الدينية والاجتماعية التقليدية، وتسعى لبناء منظومة جديدة من القيم تخدم القوى المتحكمة بالعالم والمهيمنة على مقدراته وإمكانيته، والوقوف بوجه كل من يعترض على هذه التغييرات الاجتماعية.
لكن هل نستطيع أن نقف في وجه هذه المتغيرات وخصوصا في الجانب العلمي والتكنولوجي والذكاء الاصطناعي؟ أو أن علينا تحويل هذه المتغيرات والتحديات إلى فرصة جديدة كي نعيد الاهتمام بمشروعنا الحضاري والفكري القائم على أسس دينية وإيمانية وأخلاقية، والذي يركز على أهمية الإنسان ودوره وبناء المجتمع على أسس سليمة.
بداية على صعيد التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي فهذا التطور العلمي فرض نفسه على كل العالم ولم يعد بالإمكان تجاوزه أو القفز عنه؛ كونه تحوّل إلى حقيقة علمية، وكل العالم مشغول اليوم في دراسته وكيفية الاستفادة من ذلك لتطوير كل مجالات الحياة. لكن الخوف الأكبر أن يتحول ذلك إلى أدوات لتدمير البشرية والعالم، وهذا ما حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عندما قال إن العالم يجب أن يواجه "الضرر الدولي البالغ" الناجم عن تفشي الكراهية والأكاذيب عبر الفضاء الرقمي.
وأضاف غوتيريش: "إن أجراس الخطر التي تدق تحذيرا من الصورة الجديدة للذكاء الاصطناعي وهي الذكاء الاصطناعي التوليدي، تصم الآذان"، مشيرا إلى أن التحذيرات الأعلى صوتا يطلقها مصممو تلك التقنيات والذين وصفوا الذكاء الاصطناعي بأنه خطر وجودي يهدد البشرية يضاهي خطورة الحرب النووية.
ونبه غوتيريش إلى أن التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب ألا يغيّب الضرر الذي سببته التقنيات الرقمية قائلا: "إن نشر الكراهية والأكاذيب عبر الفضاء الرقمي يسبب خطرا جسيما الآن، ويؤجج الصراع والموت والدمار الآن، ويهدد الديمقراطية وحقوق الإنسان الآن، ويضر بالصحة العامة والجهود المناخية الآن".
هذه التصريحات تؤكد خطورة ما يواجهه العالم، لكن في الوقت نفسه قد لا نستطيع الوقوف في وجه هذا التطور العلمي، ولذا علينا العمل لدراسته والبحث عن مخاطره والعمل لتحويله إلى قوة لنا بدل أن يكون قوة ضدنا، وهذا ما بدأنا نشاهده اليوم وخصوصا في العالم العربي والإسلامي حيث بدأ المختصون بدراسة كل ذلك ووضع الاستراتيجيات المستقبلية للتعامل معه. ولكن من المهم التأكيد على أنه لا يمكن لدولة عربية أو إسلامية لوحدها أن تواجه هذه التطورات، بل إن ذلك يستدعي التعاون المشترك ووضع استراتيجيات مشتركة سواء عبر جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو غيرها من المؤسسات الفكرية والعلمية المشتركة.
وأما على صعيد مواجهة الدعوة لتغيير القيم المجتمعية والدينية، فإن التحدي أصعب وأكثر خطورة، وهذا ما بدأنا نشاهده في كل أنحاء العالم وخصوصا حيث ينتشر المسلمون في العديد من الدول الغربية، حيث يتم فرض قوانين تتعارض مع القيم الإسلامية، وفي حال رفضوا ذلك أو عملوا لمواجهته يتعرض المسلمون للقمع والتضييق ويتم نزع الأطفال من أُسرهم. وقد تكون الحملة على الإسلام وحرق نسخ المصحف الشريف مرتبطة بشكل أو بآخر بعملية توهين الدين والقيم الدينية، وهذا التحدي لا يطال المسلمين فقط بل أتباع كل الأديان وكل المؤمنين بالقيم الاجتماعية والإيمانية والدينية وبناء الأسرة على أسس صحيحة.
ولذا فإنه من المهم دراسة كل هذه الظواهر والبحث عن كيفية مواجهة هذه التحديات والسعي لإقامة جبهات مشتركة مع أتباع الأديان الأخرى، ومع كل المتضررين من هذه المنظومات الاجتماعية الجديدة التي تهدف لتغيير الكون والعالم وبناء منظومات قائمة على التحلل الجنسي ونشر الشذوذ وفرض قيم اجتماعية لا علاقة لها بديننا ومجتمعاتنا.
المعركة ليست سهلة والتحديات كبيرة، وهي تضاف إلى التحديات الأخرى التي يواجهها العرب والمسلمون اليوم على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك مواجهة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وكذلك العمل لتقسيم الدول العربية وتجزئتها وفرض احتلالات جديدة عليها. إنها معركة واحدة وشاملة، وكما نحن بحاجة للمقاومة العسكرية أو لمواجهة الديكتاتوريات والقمع، نحن بحاجة للدفاع عن قيمنا وأخلاقنا، وبدل أن يكون التطور العلمي وانتشار الذكاء الاصطناعي سببا لتدميرنا أو السيطرة علينا، يجب تحويل ذلك إلى فرصة حقيقية للدفاع عن وجودنا وتطوير دورنا في العالم والمساهمة مع بقية المتضررين مما يحصل، لإنقاذ العالم من هذه الموجات الجديدة من الحروب الهادفة للسيطرة عليه وتطويع البشر
فهل سنكون على قدر المسؤولية ونمتلك القدرات لهذه المواجهة؟ أو نسقط أمام هذه الحروب الجديدة؟