كيف تزايد الاهتمام الدولي بمشروعات الربط بين الأقاليم؟

profile
  • clock 20 سبتمبر 2023, 1:31:28 م
  • eye 324
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ساهمت عولمة الاقتصاد، التي تسارعت وتيرتها منذ منتصف القرن الماضي، مصحوبةً بتقدم تكنولوجي مستمر في مجال النقل، في التحفيز نحو إنشاء مزيد من الممرات التنموية، كما لعبت “ثورة الحاويات” الدور الأبرز في هذا المضمار؛ حيث أضحى من الممكن تقليل وقت وتكاليف نقل البضائع بشكل كبير، بفضل التطور في مجال النقل، الذي ساهم في مزيد من تخصص المركبات بنقل سلع معينة، من حيث حجم شحنات البضائع المنقولة، وعدد المركبات المستخدمة لتنفيذ تسليم أسرع وفي الوقت المناسب للمستهلكين؛ ما خلق حالة من “النقل المتسلسل” للبضائع؛ أي تسريع حركة المرور وتحسين موثوقيتها وجودتها.

جدير بالذكر أن مفهوم ممر النقل قد استُخدِم للمرة الأولى في منتصف الثمانينيات، عندما بدأت لجنة النقل الداخلي التابعة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا (UNECE)، تجري دراسات حول تدفقات النقل في أوروبا من أجل تطوير حركة المرور العابر. وخلال العقد الماضي، شهد العالم إطلاقاً للعديد من المشروعات الخاصة بإنشاء ممرات تنموية، هدفها الرئيسي تسهيل نقل وتبادل البضائع، ومن ثم توفير الوقت والمال، وتعزيز مكانة الدول الشريكة في تلك المشاريع اقتصادياً. وقد أُطلِق على تلك الممرَّات مسمى ممرَّات التنمية؛ نظراً إلى كون تلك الممرات غالباً ما تصحبها تنمية المناطق المحيطة بها. ويُعرَّف ممر التنمية بذلك بأنه التوسُّع العالمي الحالي والمستمر في البنية التحتية أو طفرة البنية التحتية العالمية.

تحركات مكثفة

لاقت فكرة إنشاء ممرات تنموية قبولاً وإقبالاً واسعاً لدى العديد من دول العالم خلال العقد الماضي، وهو ما يتبدَّى جلياً من خلال عدة مؤشرات، نستعرضها فيما يأتي:

1– حرص الصين على تعزيز نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق: في إطار حرص الصين على تعزيز قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي على الساحة الدولية، أطلقت في عام 2013 مبادرة الحزام والطريق باعتبارها برنامجاً يضم ستة ممرات مترابطة عبر البر والبحر. وقد توسع النطاق الجغرافي للمبادرة بالتدريج ليشمل أكثر من 140 دولة، بما في ذلك أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية، بعدما كان مخططاً في البداية أن تضم المبادرة خمس عشرة دولة من آسيا وأوروبا فحسب.

ولم تكتفِ الصين بذلك، بل عمدت إلى تطوير مبادرتها عبر إنشاء طريق الحرير الرقمي، في ظل رغبة بكين في جني ثمار الاقتصاد الرقمي المتنامي، وطريق الحرير القطبي بهدف تطوير طرق الشحن في القطب الشمالي، وتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري البحري في تلك المنطقة، فضلاً عن طريق الحرير الصحي. وقد تمكنت الصين من خلال ذلك، من تطوير علاقات اقتصادية متماسكة وقوية مع الدول الشريكة في المبادرة.

2– تدشين ممر بحري لتوريد الحبوب من أوكرانيا: في مايو عام 2022، دعا المشرعون الأمريكيون الإدارة الأمريكية إلى إنشاء ممر في البحر الأسود، على خلفية أزمة الغذاء التي شهدها العالم عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا؛ وذلك بغية توريد ملايين الأطنان من شحنات الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وهي الفكرة التي لاقت استحساناً من الولايات المتحدة، خاصةً أن المبادرة جاءت استجابةً لتضخُّم أسعار الغذاء، ومخاطر انعدام الأمن الغذائي العالمي، الذي بات يهدد حياة الملايين.

وبالفعل، دخلت المبادرة حيز النفاذ في النصف الأول من أغسطس عام 2022؛ حيث تم تصدير أكثر من 500 ألف طن من المواد الغذائية على متن 21 سفينة من الموانئ الرئيسية على البحر الأسود، بموجب اتفاق تم التوصل إليه في أواخر شهر يوليو 2022، وتوسَّطت فيه الأمم المتحدة.

وسُمِح بموجب الاتفاق لما مجموعه 36 سفينة بالحركة عبر الممر الإنساني البحري؛ لتسهيل التصدير الآمن للحبوب والمواد الغذائية والأسمدة من الموانئ الأوكرانية، بيد أن مبادرة البحر الأسود تتعرض لتحدٍّ كبير في الوقت الراهن، في ظل رفض روسيا تجديد صفقة الحبوب، إلا أنه لا يزال هناك مساعٍ دولية لاستكمال المبادرة، والاستمرار في جني ثمراتها.

3– مساعٍ روسية لتطوير ممر البحر الشمالي الروسي: أدى الاحتباس الحراري في القطب الشمالي، بجانب الحاجة الملحة لحماية الأمن القومي الروسي، في ظل تدهور العلاقات الروسية مع الغرب، وبخاصة بعد الحرب الأوكرانية، إلى إجبار روسيا على البحث عن خيارات بديلة. وفي إطار ذلك، اكتسب القطب الشمالي مكانة بارزة على جدول الأعمال الدولي الروسي.

إذ باتت روسيا مهتمة بشكل كبير بتطوير ممر البحر الشمالي الممتد عبر منطقة القطب الشمالي، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المحيط المتجمد الشمالي؛ لما يشكله ذلك من فرصة لتوظيف الممر في تصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، خاصةً أن الممر بات خالياً من الجليد بدرجة كبيرة. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين في أغسطس 2022، عن خطة تستهدف تطوير ممر البحر الشمالي الروسي حتى عام 2035، بإجمالي تمويل يقدر بنحو 1.8 تريليون روبل روسي؛ أي بما يعادل نحو 30 مليار دولار، بالتوازي مع مواصلة الحكومة الروسية جهودها في إنشاء البنية التحتية للممر باعتباره أهم ممر شحن بالنسبة إلى روسيا.

واستكمالاً لهذا النهج، فإنه خلال الاجتماع بين وزير الموانئ والشحن والممرات المائية الهندي سارباناندا سونوال ووزير تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسي أليكسي تشيكونكوف في 13 سبتمبر 2023، تم استكشاف إمكانية استخدام ممرات نقل جديدة، كطريق بحر الشمال، والممر البحري الشرقي بين الجانبين، بهدف توسيع التعاون البحري. هذا وقد أعلنت الهند خلال الاجتماع عن رغبتها في الشراكة في تطوير طريق بحر الشمال، إيماناً منها بما يوفره ذلك من إمكانات لتوسيع فرص الاتصالات والتجارة.

ولعل ذلك ينم عن حرص روسي أيضاً على تعزيز سبل التعاون الدولي في سبيل لعب دور محوري وبارز في سياسة الممرات، سواء بتطوير ممر البحر الشمالي الروسي، أو باستكشاف فرص إنشاء ممرات جديدة.

4– تدشين تركيا مشروع قناة إسطنبول: يعد مشروع قناة إسطنبول بمنزلة ممر مائي ضخم على حافة إسطنبول، قد دعا إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بديلاً لمضيق البوسفور، في عام 2011، باعتباره من أكثر المشاريع الاستراتيجية العملاقة في تركيا،مستهدفاً من ذلك المشروع وقف المخاطر المتزايدة التي تشكلها السفن التي تحمل بضائع خطرة، عبر مضيق البوسفور، وبخاصة ناقلات النفط، بما يقلل فترات العبور والتكاليف المرتبطة بها.

وقد تم افتتاح مشروع قناة إسطنبول رسمياً من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 26 يونيو 2021، وهو المشروع الذي ارتفعت تكلفته إلى ما يقدر بنحو 15 مليار دولار. ويذكر في هذا الصدد، أن ممر قناة إسطنبول ممر مائي اصطناعي بعمق 20.75 متر، ممتد بالتوازي مع مضيق البوسفور، ويربط البحر الأسود ببحر مرمرة، وبطول 45 كيلومتراً وعرض 275 متراً، ومن المتوقع أن تعبر خلاله نحو 43 ألف سفينة سنوياً.

5– إطلاق مشروع ممر بحري بين تركيا وإيطاليا وتونس: في أوائل شهر يوليو عام 2020،بدأ العمل في مشروع الممر البحري الذي من المفترض أن يربط بين تركيا وإيطاليا وتونس؛ وذلك بهدف توفير ممر يُمكن من خلاله الوصول من المغرب العربي إلى البحر الأسود. ويعتبر المحور المركزي للتحالف الإيطالي التركي التونسي هو ميناء تارانتو الإيطالي الواقع على الطرف الجنوبي لإيطاليا في قلب البحر الأبيض المتوسط، الذي تم توظيفه لخدمة شبكة إيطاليا وتركيا وتونس.

ويمثل ذلك الممر في الوقت ذاته أداة ربط أساسية ممكنة بين أوروبا وأفريقيا؛ وذلك من خلال ربط الساحل المغاربي الأوسط بأوروبا عبر نظام السكك الحديدية العالية السرعة في إيطاليا، وكذلك يربط الممر تونس بالجزائر العاصمة من خلال الطريق السريع العابر للصحراء الكبرى. ومن المقرر أن يربط الممر أيضاً بين إيطاليا وتونس جنوباً إلى غرب أفريقيا وصولاً إلى لاجوس بنيجيريا.

6– طرح مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: خلال قمة العشرين التي عُقدت في التاسع والعاشر من سبتمبر 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم من قبل حكومات كل من السعودية، والاتحاد الأوروبي، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة. وبموجبها، فإن الدول الموقعة تلتزم بالعمل معاً من أجل إنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو المشروع الذي من المتوقع أن يحفز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.

ويتكون ذلك المشروع من ممرين مستقلين للتنمية؛ أحدهما هو الممر الشرقي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط، والممر الشمالي الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا. ومن المقرر أن يوفر مشروع التطوير الضخم الجديد للسكك الحديدية، عند اكتماله، شبكة عبور موثوقة وفعَّالة من حيث التكلفة عبر الحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البحري والبري الحالية، بما يتيح عبور البضائع والخدمات بين الهند والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا.

7– تطوير ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب: في الآونة الأخيرة، نوقش تطوير ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب على نطاق واسع في روسيا؛ نظراً إلى فوائده الاقتصادية الواسعة بالنسبة إلى روسيا، فضلاً عن دوره في إعادة توجيه الاقتصاد الروسي من الغرب إلى الشرق، وهو بمنزلة طريق مختصر من روسيا إلى الهند، استُخدِم للمرة الأولى من قِبل التاجر الروسي أفاناسي نيكيتين (Afanasy Nikitin) في القرن الخامس عشر، ثم أعيد استخدامه لاحقاً خلال الحرب العالمية الثانية للإمدادات العسكرية للاتحاد السوفييتي.

وعلى مدار العقدين الماضيين، خضع الممر لتطوير واسع؛ ففي عام 2002، صدَّقت روسيا على اتفاقية عامة بشأن نقل حاويات التصدير عبر ممر النقل الدولي روسيا – بحر القزوين – إيران – الهند –سيريلانكا، وقد انضمت إليه تدريجياً دول مثل كازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وأذربيجان وسوريا وعمان وبلغاريا بصفة مراقب.

وخلال العقد الأخير، تزامناً مع رسم روسيا سياسة التقارب مع دول الشرق في سياستها الخارجية واقتصادها، عمدت إلى تفعيل مشروعها على نحو واسع. واستكمالاً لمساعي التوسع، فإنه في 17 مايو 2022، تم التوقيع على اتفاقية حكومية دولية في طهران بين روسيا وإيران بشأن بناء خط سكة حديد ريشت – أستارا بطول 162 كيلومتراً، الذي من المقرر الانتهاء منه بحلول عام 2027. ومن المرجح بمجرد اكتمال ذلك المشروع، أن يشكل ممر السكك الحديدية من روسيا إلى الموانئ الجنوبية لإيران، فرصة لوصول الخليج العربي مباشرةً للشحنات الروسية.

8– الاهتمام بممرات الشحن الخضراء: تعد ممرات الشحن الخضراء، بمنزلة طرق محددة ومعلومة بين مراكز الموانئ الرئيسية؛ حيث يتم من خلالها تحفيز جدوى الشحن الخالي من الانبعاثات؛ وذلك عبر عدد من الإجراءات العامة والخاصة. وقد أضحت تلك الممرات الخضراء ضرورة أساسية في السنوات الأخيرة، في ظل سباق الشحن الراهن نحو بلوغ صافي صفر انبعاثات، عبر تحفيز تقنيات وخدمات الشحن الجديدة الخالية من الانبعاثات الكربونية.

ولعل ميناء بلباو الإسباني من الجهات المهتمة بتطوير ممرات الشحن الخضراء والرقمية، ويضعها أولوية بما يناسب محفظة مبادرات الاستدامة المتنامية للميناء، حتى باتت تتمثل مهمة ميناء بلباو في دفع النمو الاقتصادي مع تعزيز مستقبل أكثر اخضراراً. ولعل موقعه على قوس المحيط الأطلسي النابض بالحياة، ومكانته بصفته ميناءً أساسياً، ووجوده بوابةً حيويةً للتجارة الدولية؛ حيث يربط أوروبا بالأمريكيتين وخارجها، تؤهله بشكل كبير لتحقيق تلك المهمة.

دوافع محركة

هناك عوامل عدة ساهمت، خلال العقد الماضي، في تحفيز كثير من دول العالم على البحث عن فرص تعاون مشتركة، من أجل إنشاء ممرات تنموية، بعضها سياسي والآخر اقتصادي. وفيما يأتي يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه العوامل:

1– تجنب التوترات والاضطرابات في سلاسل التوريد: أثبتت الأزمات التي تعرَّض لها العالم خلال السنوات الأخيرة – ابتداءً من تفشي جائحة كوفيد–19، وما ترتب عليها من إغلاق كلي بهدف احتواء تفشي الفيروس، ومن ثم شل حركة سلاسل التوريد، وصولاً إلى تداعيات الحرب الأوكرانية السلبية على استقرار سلاسل التوريد العالمية، وما اقترن بذلك من سلسلة متتالية ومتداخلة من الأزمات الاقتصادية هددت بدورها الأمن الغذائي العالمي، وتسببت في تباطؤ قطاع الصناعة العالمي وتضخم الأسعار إلى معدلات قياسية – الحاجة الملحة لإنشاء ممرات تنموية جديدة، يمكن من خلالها تسهيل سبل الوصول وعدم الاقتصار على ممرات بعينها؛ حتى لا يظل العالم تحت رحمة أي توترات جيوسياسية جديدة من شأنها أن تؤثر على استقرار سلاسل التوريد؛ وذلك بغية حماية الاقتصاد العالمي من مخاطر الصدمات المفاجئة.

2– تعزيز مكانة الدول كروابط في النقل العالمي: مع تطور البنية التحتية العالمية للنقل، والتغير في بنية التجارة الدولية، وحدوث تغيرات تكنولوجية عديدة في ممرات النقل، فضلاً عن زيادة أهمية الموانئ البحرية كروابط رئيسية لنظام النقل العالمي؛ حيث تربط العديد من خطوط الحاويات بالموانئ الإقليمية، وتصل الأخيرة بالموانئ المحلية، بالإضافة إلى الطرق البرية المنتظمة مع الشاحنين المحليين ومستلمي البضائع؛ فإن الدول التي تتمتع بمنافذ بحرية وبرية مهمة، تسعى إلى استغلال تلك المزايا الجغرافية المهمة لتعزيز مكانتها باعتبارها روابط رئيسية في النقل العالمي، لتصبح بمنزلة حلقات وصل مركزية بين أنظمة النقل الوطنية والدولية، ومن ثم تعزيز مكانتها في التجارة الدولية.

3– تنمية نفوذ الدول في التفاعلات العالمية: عادةً ما تتأثر التجارة الدولية كثيراً بالاعتبارات الجيوسياسية للدول، ولا سيما رغبتها في تعزيز نفوذها في الساحة العالمية، من خلال البنية التحتية الحديثة، وإنشاء ممرات جديدة بغية الحد من المخاطر الجيوسياسية، خاصةً أن ذلك يتيح للبلدان الشريكة في الممرات دخول الأسواق الرئيسية، وتنويع الخيارات للربط مع الأسواق العالمية، وإبراز دورها ومكانتها العالمية عبر تعزيز التعاون الواسع مع عدة دول في سبيل إنشاء ممرات تنموية، وهو ما ينعكس إجمالاً بصورة رئيسية على تعزيز ثقل الدولة باعتبارها فاعلاً رئيسياً في العلاقات الدولية.

4– وسيلة لتحفيز التكامل الإقليمي: يُنظر بشكل متزايد إلى تطوير ممرات النقل الكبيرة كوسيلة لتحفيز التكامل الإقليمي، وإن كانت الدول غالباً ما تستثمر – بمساعدة المجتمع الدولي في كثير من الأحيان – في تلك الممرات، غير أنممرات النقل الدولية تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز التكامل الإقليمي بالنسبة إلى معظم البلدان؛ إذ يقوم إنشاء ممرات دولية بالأساس على فكرة مفادها سعي الدول في الأقاليم المتقاربة إلى تعزيز فرص التقارب وتسهيل نقل البضائع والحركة منها وإليها، بما يسهل فرص التبادل الاقتصادي بين تلك الأقاليم.

5– فرص إيجابية لجذب الاستثمارات الأجنبية: يسهم إنشاء ممرات جديدة أو تطوير القائمة فعلياً في تعزيز استثمارات القطاع الخاص وتجارته، وخلق فرص العمل، وتحسين الرفاهية الاقتصادية، بما يتجاوز توفير تكاليف تشغيل المركبات والوقت.

كما يتيح ذلك فرصاً جديدة يمكن من خلالها جذب الاستثمارات الأجنبية، سواء للاستثمار في مشاريع الممرات ذاتها، من خلال الشركات الكبرى، أو الاستثمار والتنمية على ضفاف تلك الممرات، باعتبارها مناطق جديدة واعدة يمكن من خلالها إطلاق مشاريع تنموية عديدة، بما يسهم في إدرار عوائد وأرباح ضخمة من خلالها.

6– تنوع الفوائد المحققة للمؤسسات الاقتصادية المختلفة: لا تقتصر فوائد الممرات التنموية على الجهات الفاعلة الاقتصادية الوطنية والدولية الكبرى ممثلة في المستثمرين الأجانب، بل يشمل كذلك الجهات الفاعلة الأصغر حجماً والأكثر محليةً، كالمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، فضلاً عن محدودي الدخل والفقراء؛ إذ من شأن إنشاء ممرات تنموية جديدة تعزيز النشاط الاقتصادي على طول الممرات، بما يمثل فرصة أمام منظمات التنمية الدولية والحكومات نحو تعزيز دور القطاع الخاص المحلي على اختلاف حجمه، وإشراكه على نحو فعال في مشاريع الممرات؛ لتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة.

7– تحقيق معدل نمو مرتفع في النشاط الاقتصادي: ترتبط مشروعات الممرات بشكل كبير بالنشاط الاقتصادي المحلي على طول الممرات؛ إذ عادةً ما يتم إنشاء ممرات نقل في مناطق لا يوجد بها مستوى نمو مرتفع في النشاط الاقتصادي. ومع دخول المشروع حيز النفاذ، فإن النشاط الاقتصادي حول الممر ينمو بدرجة ملحوظة؛ حيث غالباً ما يتطلَّب ذلك إنشاء مشروعات أخرى موازية على جانب تلك الممرات لتنميتها، بما يدفع نحو تحفيز عجلة النشاط الاقتصادي في المنطقة، عبر توظيف أعداد كبيرة من العمال المحليين، وكذلك إتاحة الفرصة لرواد الأعمال والمستثمرين الكبار والصغار الحجم، للمشاركة في التنمية على طول تلك الممرات.

8– دعم مسار النمو الاقتصادي المستدام: عادةً ما تتطلع الدول الشريكة في إنشاء ممرات جديدة أو تطوير القائمة فعلياً إلى تعزيز سبل الاتصال والتكامل الاقتصادي بين القارات، ومن ثم إطلاق العنان نحو النمو الاقتصادي المستدام والشامل، خاصةً عندما يتم الالتزام في تلك المشاريع بتصميم ممرات خضراء خالية الانبعاثات الكربونية، استجابةً للهدف العالمي الرامي إلى بلوغ صافي صفر انبعاثات كربونية، بغية مكافحة التغير المناخي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز فرص التعاون الدولي والإقليمي في مجال مكافحة التغير المناخي، الذي يشهد زخماً واهتماماً دولياً واسعاً في الوقت الراهن.

9– آلية للتحايل على العقوبات: يعد إنشاء ممرات تنموية جديدة أو تجديد وتطوير الممرات الحالية، بالنسبة إلى بعض الدول، آلية محورية للتحايل على العقوبات التي تستهدف في المقام الأول شل حركة التجارة من تلك الدول وإليها، ومن ثم التأثير سلباً على اقتصادها الكلي؛ للضغط عليها من أجل التراجع عن سياسات بعينها؛ لذا تتيح فكرة الممرات لتلك الدول في هذه الظروف، تسهيل حركة التجارة والنقل، وتوفير الوقت والمجهود، وكذلك التحايل على العقوبات والتمكن من وصول بضائعها إلى الأسواق المختلفة، وكذلك وصول البضائع إليها بسلاسة ويسر ودون تعقيدات أو تأخيرات.

خلاصة القول: يعد واقع التجارة الدولية بمنزلة انعكاس لمستوى التقدم التكنولوجي في مجال النقل، والتقدم المحرز في العولمة، فضلاً عن المصالح الجيوسياسية والجيو-اقتصادية للدول المشاركة في تطوير الاتصالات الدولية. كذلك فإن الأهمية الدولية لممرات النقل تتغير بمرور الوقت؛ إذ تتأثر بشكل كبير بمدى رغبة البلدان المختلفة في تحقيق المزيد من التعاون الإقليمي والدولي، وهو ما يتوقف بدرجة كبيرة على واقع التحديات التي يشهدها العالم من جانب، والأزمات التي تواجها الدول فُرادى، والتي تدفع بدورها نحو تحفيز إنشاء ممرات جديدة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)