- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
كيف يُمكن التعامل مع "الدول المحايدة" في الأزمة الأوكرانية؟
كيف يُمكن التعامل مع "الدول المحايدة" في الأزمة الأوكرانية؟
- 18 يونيو 2022, 3:43:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً للكاتب “بروس جونز”، بعنوان “استراتيجية التعايش مع الدول المتفرجة”، في 15 يونيو 2022. تطرَّق المقال إلى استراتيجية الولايات المتحدة تُجاه الدول التي لم تقرر موقفها بعدُ من التكتل الغربي ضد روسيا بعد الحرب على أوكرانيا، وتناول المقال موقف الهند، وحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، بجانب الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية. وأشار المقال إلى استياء دول العالم النامي من السياسات الانتقائية الغربية، وخاصةً سياسات الولايات المتحدة تُجاه دول الجنوب. واقترح المقال ضرورة تشكيل تحالف دولي مضاد لروسيا على نحو موسع، مؤكداً ضرورة التزام الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه دول الجنوب.
إخفاق أمريكي
أشار المقال إلى فشل الولايات المتحدة والدول الغربية في حشد دول العالم، لا سيما الدول الوازنة لصالح عزل روسيا دولياً، وخشية الولايات المتحدة من إعادة إحياء ما يشبه “كتلة عدم الانحياز” إبان الحرب الباردة؛ وذلك على النحو الآتي:
1– رفض دول وازنة إدانة التدخل الروسي في أوكرانيا: بحسب المقال، سعت واشنطن وحلفاؤها، بعد الحرب الأوكرانية، إلى إدانة سلوك الكرملين، وإخراج موسكو من المنظمات المتعددة الأطراف البارزة، وتحويلها إلى دولة منبوذة، لكن هذه الإجراءات كانت أقل نجاحاً من نظيراتها العسكرية والاقتصادية. ولفت المقال إلى امتناع 35 دولة – تمثل ما يقرب من 50% من سكان العالم – عن التصويت أو صوتت بـ”لا” على قرار 2 مارس لإدانة “الغزو” الروسي.
2– قلق واشنطن من إعادة إحياء كتلة “عدم الانحياز”: أشار المقال إلى أنه على خلفية المنافسة العميقة مع الصين وروسيا، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من احتمال إحياء كتلة عدم الانحياز من الدول المصممة على البقاء على هامش هذه المنافسة الجيوسياسية. وأكد المقال أن هذه المجموعة من الدول ليست الوريث الطبيعي لحركة عدم الانحياز؛ إذ يمثل هذا التجمع الفضفاض مجموعة متنوعة من الدول، لكل منها مجموعة فريدة من الاهتمامات والأهداف. وستتطلب الاستجابة من قبل واشنطن وحلفائها تطوير فهم أكثر دقةً للمصالح الإقليمية، واستجابات محددة وليست شاملة للأزمات الناشئة.
رفض هندي
تناول المقال حيثيات الموقف الهندي من الحرب الأوكرانية، وكيفية العمل على توظيف الأزمة الحالية لدفع نيودلهي باتجاه الغرب وبعيداً عن روسيا؛ وذلك على النحو الآتي:
1– رفض الجانب الهندي الانحياز إلى الغرب ضد روسيا: بحسب المقال، فإنه بعد “الغزو” الروسي، أدَّى امتناع الهند عن التصويت في الأمم المتحدة إلى إثارة موجة من التعليقات الغاضبة في واشنطن، كما أدان الدبلوماسيون الأوروبيون نيودلهي لموافقتها على شراء النفط الروسي المنخفض التكلفة، رغم أن هذه الحكومات رفضت قطع واردات النفط الروسي حتى أواخر مايو، واستمرت في استيراد الغاز الروسي حتى يومنا هذا.
2– تشابك المصالح بين الجانبَين الروسي والهندي: أشار المقال إلى أنه وفقاً لـ”تانفي مادان”، فإن موقف الهند متجذر في عدة عوامل، منها تاريخ نيودلهي في عدم انتقاد شركائها علناً، كما أن موسكو طالما وقفت بجانب الهند دبلوماسياً، ولا تزال الهند أيضاً معتمدة بدرجة كبيرة على الأسلحة الروسية في منافستها العسكرية ضد الصين المجاورة. ولفت المقال إل أن الهند مستاءة من تلاعب الغرب بقواعد النظام الدولي.
3– ضرورة إعادة واشنطن تقييم علاقاتها بنيودلهي: بحسب المقال، لا يزال موقع الهند في المعركة القادمة حول معالم النظام الدولي غير واضح، وتحتاج واشنطن إلى أن تقرر إذا ما كان ينبغي عليها محاولة تعميق مشاركتها مع نيودلهي، ويجب على الولايات المتحدة أيضاً تحديد إذا ما كان إدخال الهند بدرجة أعمق في عملية صنع القرار العالمي من شأنه أن يساعد في تقوية العلاقات أو مجرد توليد فرص للعرقلة.
4– أهمية توظيف الأزمة لدفع نيودلهي باتجاه واشنطن: من المفارقات – وفقاً للمقال – أن الأزمة الأوكرانية قد تدفع نيودلهي في اتجاه واشنطن؛ إذ قد تُضعف العقوبات قدرة روسيا على تسليح جيشها؛ ما يعني أن قدرة موسكو على إعادة إمداد الهند أثناء الأزمة أصبحت موضع شك الآن، كما أن مصادر الهند البديلة للمعدات العسكرية هي أوروبا والولايات المتحدة؛ لذا تبدو واشنطن منفتحة على التحركات الجادة بشأن الإمدادات الدفاعية والتعاون مع الهند في مجال التكنولوجيا الفائقة.
5– العمل على دمج الهند في هيئات صنع القرار العالمي: بحسب المقال، تمثل الجهود المحتملة لتوسيع مجموعة السبع اختباراً أساسياً لدمج الهند في هيئات صنع القرار العالمية؛ فخلال رئاسة المملكة المتحدة مجموعة السبع في عام 2020، اقترح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نموذج D–10 (أكبر 10 ديمقراطيات، بما في ذلك الهند). وعلى المدى القصير، فإن أفضل طريق للمضي قدماً – كما يرى المقال – هو جدولة متداخلة لقمم الرباعية ومجموعة السبع، ليسمح ذلك للهند وأستراليا بالمشاركة في بعض مداولات المجموعة.
تردد شرق أوسطي
أشار المقال إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم يشاركوا في إجراءات واشنطن لعزل روسيا دولياً، نظراً إلى تشابك مصالح دول المنطقة مع روسيا والصين، وهو ما يستوجب إعادة واشنطن تقييم سياساتها في المنطقة؛ وذلك على النحو الآتي:
1– رفض حلفاء واشنطن الشرق أوسطيين المشاركةَ في عزل روسيا: أكد المقال أنه إذا أرادت واشنطن تعزيز الدعم الدبلوماسي لدفاعها عن النظام الدولي، فإن المجموعة الأولى من الدول التي تحتاج إلى أخذها في الاعتبار هي الدول المترددة في الشراكة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ووفقاً للمقال، تجنبت هذه الدول إلى حد كبير المشاركة المباشرة في الإجراءات الأمريكية لعزل روسيا؛ وذلك على عكس حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين.
2– ضرورة إعادة تقييم موقف واشنطن في الشرق الأوسط: بحسب المقال، فإنه مع تخطيط الرئيس الأمريكي جو بايدن لرحلة إلى المنطقة في يوليو، يبدو أن واشنطن قررت – بحسب المقال – اتباع نصيحة مارتن إنديك السفير الأمريكي السابق إلى إسرائيل، لتخفيف الضغوط عن حلفائها في الشرق الأوسط؛ إذ إنه لا تستطيع الولايات المتحدة فعل الكثير لتغيير الحسابات الجيوسياسية لدول المنطقة. ورغم أن المقال أكد أهمية هذا الأمر على المدى القصير، فإنه شدد على أنه على المدى الطويل سيتعين على واشنطن إعادة تقييم موقفها في الشرق الأوسط.
تمرد الجنوب
أشار المقال إلى رفض العديد من دول الجنوب المشاركة في محاولات واشنطن عزل موسكو دولياً، معتبراً أن سياسات واشنطن والدول الغربية كان لها تأثير كبير في اتخاذ تلك الدول هذا الموقفَ، وهو ما تسبَّب في فقدان دول الجنوب الثقة بإدارة الغرب للنظام الدولي الحالي؛ وذلك على النحو الآتي:
1– رفض العديد من دول الجنوب الانحياز إلى واشنطن: بحسب المقال، اختارت أكثر من عشرين دولة أفريقية ولاتينية عدم الانحياز إلى جهود الولايات المتحدة للدفاع عن أوكرانيا. ومن المؤكد أن قلة من هذه الدول يمكن أن تقدم أي مساهمة ذات مغزى في العقوبات ضد روسيا، لكن واشنطن لا تزال تريد تصويتها في الأمم المتحدة. وعلى الرغم من حجج الولايات المتحدة بضرورة الدفاع عن “النظام القائم على القواعد”، لا يزال العديد يختارون الامتناع عن التصويت.
2– قلق دول الجنوب من تفاقُم أسعار المواد الغذائية: أشار المقال إلى أنه العديد من هذه البلدان، مثل بنجلاديش وجنوب أفريقيا، كانت قلقة بشأن فقدان الطعام الروسي الحيوي وإمدادات الوقود كما هو الحال مع بعض دول الشرق الأوسط. ومع سريان العقوبات، شعرت دول أخرى – مثل كينيا والمكسيك وسريلانكا – بالقلق أيضاً بشأن التأثيرات الثانوية على أسعار المواد الغذائية، التي يمكن أن تزعزع استقرار اقتصاداتها.
3– إحباط دول الجنوب من انتقائية تطبيق القواعد الدولية: بحسب المقال، ضاعفت الدبلوماسية الروسية والصينية الحذرة من هذا القلق من خلال تسليط الضوء على تأثير العقوبات التي تستهدف روسيا – بدلاً من “الغزو” الروسي لأوكرانيا – من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائي، كما ورد إلى أسماع الدبلوماسيين الغربيين أيضاً من الكثير من دبلوماسيي أفريقيا وأمريكا اللاتينية في الأمم المتحدة، استياء من التزام واشنطن الانتقائي بما يسمى النظام الدولي القائم على القواعد عندما تكون المصالح الأمريكية على المحك.
4– تطلُّع دول الجنوب إلى أدوار قيادية في الهيئات الدولية: ذهب المقال إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة، سعت دول الجنوب العالمي إلى شيئين رئيسيين؛ هما: النمو الاقتصادي، وصوت أكبر في العلاقات الدولية. وبينما حصلت على الأول – جزئياً – من خلال الاستفادة من الطفرة الهائلة في أسعار السلع الأساسية التي يقودها النمو الصيني، لم تصل إلى الثانية؛ حيث واجهت دائماً خطاباً متعالياً. كما وعدتها واشنطن وحلفاؤها مراراً بمشاركة أكبر في صنع القرار الدولي، لكن هذه دول الجنوب لم تتنازل بتاتاً عن الأدوار القيادية داخل الهيئات العالمية الرئيسية.
5– عزل دول الجنوب عن إدارة مصالحها بفعل سياسات الغرب: بحسب المقال، أدَّت السياسات الغربية باستمرار إلى عزل البلدان النامية في جميع أنحاء أفريقيا وأمريكا اللاتينية عن القرارات التي تؤثر مباشرةً على مصالحها؛ فعلى سبيل المثال، فشلت الولايات المتحدة وأوروبا في الوفاء بوعد دام عقوداً لجمع 100 مليار دولار سنوياً للمساعدة في تغيير المناخ.
6– استياء الجنوب من سياسات الغرب في مواجهة الوباء: بحسب المقال، دفعت سياسات الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الوباء إلى استياء الدول النامية، وخاصةً سياسات اكتناز اللقاح، وإغلاق الحدود، كما بلورت النفقات المحلية الهائلة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى شعوراً عميقاً بعدم المساواة الهيكلية في العديد من البلدان النامية.
7– فُقدان دول الجنوب الثقة بإدارة الغرب للنظام الدولي: ذهب المقال إلى أن دول الجنوب قد لا تحب تصرفات روسيا في أوكرانيا، وقد تكون حذرة من تنامي قوة الصين، لكنها أيضاً فقدت الثقة بقدرة الدول الغربية على إدارة النظام العالمي. ومن المؤكد أن الصين وروسيا ستكونان أسوأ بكثير من قادة النظام الدولي الحاليين، لكنها حُجَّة غير معترف بها كثيراً في الجنوب العالمي.
إجراءات ضرورية
بحسب المقال، لا تستطيع الدول الغربية معالجة هذه المخاوف بين عشية وضحاها، ولكنَّ هناك عدداً من الإجراءات يمكن أن تساعد واشنطن وحلفاءها في التعامل مع الدول التي لم تحدد موقفها بعدُ من الحرب الأوكرانية؛ وذلك على النحو الآتي:
1– تنسيق الغرب الإنفاق الإنمائي لزيادة النفوذ الاقتصادي: بحسب المقال، يجب على المانحين الرئيسيين في الغرب أن يتخذوا الإجراءات المُوصَى بها في كثير من الأحيان لمواءمة وتنسيق إنفاقهم الإنمائي، وهي خطوة ستزيد نفوذهم في وقت تقوم فيه الصين بتثبيت نفسها اقتصادياً في العالم النامي.
2– إعطاء دور أكبر لدول الجنوب في المؤسسات الدولية: أشار المقال إلى أنه يجب على الدول الغربية أن تستجيب لمطالب الدول النامية للحصول على صوت أقوى في مؤسسات التنمية الدولية والمؤسسات المالية؛ إذ لا تحتاج واشنطن إلى التمسك بأدوار قيادية ومقاعد مجلس الإدارة؛ ما يؤجج الاستياء في الجنوب العالمي.
3– ضرورة مراجعة السياسات الغربية تجاه دول الجنوب: شدد بايدن على أهمية الديمقراطيات في دعم ما يسمى النظام القائم على القواعد. وقد لعبت الديمقراطيات دوراً بارزاً في الرد على “الغزو” الروسي لأوكرانيا؛ إذ صوتت كل ديمقراطية كاملة لإدانة تصرفات روسيا، كما أن أعمال تسليح المقاومة الأوكرانية سقطت إلى حد كبير في أيدي الديمقراطيات القوية، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وختاماً.. أكد المقال أنه إذا أرادت واشنطن وحلفاؤها الأساسيون بناء تحالف أوسع لعزل روسيا – أو السير في الطريق للرد على العدوان الصيني المحتمل – فسيحتاج بايدن إلى كسب دعم مجموعة أوسع بكثير من الدول، ولتحقيق ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة مراجعة سياساتها تجاه الجنوب العالمي. وشدد المقال على أنه من الأفضل للولايات المتحدة في دبلوماسيتها العالمية، أن تتجنب خطاب الديمقراطية مقابل الاستبداد؛ إذ إنها تحتاج إلى أوسع تحالف ممكن لتنتصر في المنافسات الجيوسياسية ضد روسيا والصين.
المصدر:
Bruce Jones, A Strategy for the Fence Sitters: Learning to Live With Countries that Refuse to Take Sides on Ukraine, Foreign Affairs, June 15, 2022, accessible at: https://www.foreignaffairs.com/articles/world/2022–06–15/strategy–fence–sitters