حسن مدبولي : لا ينبغى تبريد قضية سد(النهضة) ولو بعد عشر سنوات أخرى !!

profile
حسن مدبولي كاتب مصري
  • clock 12 يوليو 2021, 11:44:24 م
  • eye 749
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نحن لا نحذر من سد النهضة لكون آثاره السلبية ستتحقق فى اليوم التالى لإكتمال عملية الملء، فهناك  احتياطى مائى كبير ببحيرة ناصر سيسد النقص على المدى القصير ، كذلك سيتم إتخاذ إجراءات تقشفية للحد من التوسع فى استخدام المياه العذبة مما سيؤدى إلى زيادة القدرة على  الصمود لعدة اعوام  بدون مشاكل جسيمة، كما أن الجفاف الذى سيصيب النهر  ويتسبب فى تصحر الأراضى وبوارها  لن يتم  بين ليلة وضحاها، بل سيظل النيل يجرى لمدة قد تصل لسبعة أعوام ، صحيح إنه قد ينخفض منسوب المياه بسبب عمليات الملء الأثيوبية ، لكن المسألة ستبدوا طبيعية تماما لفترة زمنية متوسطة، وهو أمر قد يتكامل مع الحصول على ورقة لاقيمة لها سيطلقون عليها إتفاقا ملزما ،و سيبدو للعامة أن الكارثة قد تم إحتوائها وستخرج لنا بالطبع الأبواق الناعرة لترمينا بكل الموبقات،وتتحدث عن الحكمة والثقة فى النفس، وعن البطولات والأبطال الذين حافظوا  على النهر ؟وسيعتمد هؤلاء على ذاكرة السمك التى تحكم معظمنا ، كما سيعتمدون على ألوان مختلفة ومتعددة من أساليب التخدير والتنويم لكى يتمكنوا من تبريد الإهتمام الشعبى بكارثة سد النهضة، إعتمادا على مرور الوقت ، وعدم وقوع الخطر بشكل مفاجئ برغم حتمية حدوثه ولو بعد حين ، والأمر المؤكد ومهما كانت الوسائل التى ستتبع للتتويه والتمويه والتغييب ،أن هناك كارثة كبرى قد إكتملت فصولها ، وتلك الكارثة حتى ولو لم يدرك آثارها المدمرة سوى الأبناءأو الأحفاد فمن المؤكد أن لها تأثيراتها الكارثية متعددة الجوانب مستقبلا، و هذه التأثيرات الكارثية ستكون على أكثر من مستوى كما يلى :- 

أولا :- خطر إنهيار السد ووقوع دمار شديد فى كل من مصر والسودان ، فتخزين اكثر من أربعة وسبعين إلى تسعين مليارا من المياه على حدود السودان وراء سد ضخم  مهما كانت عوامل أمانه ، يؤدى إلى إحتمال قوى لتعرضه للإنهيار  فى اى وقت من الاوقات، مما يجعل بلادنا مهددة بالفناء والدمار ، أو على الأقل حدوث خسائر فادحة، وبالتالى فلا يجب السماح بتخزين أكثر من اربعة عشر مليار متر مكعب فقط حماية للشعبين المصرى والسودانى من  غرق مناطق كبيرة فى شمال السودان وجنوب مصر ، وفقدان الكثير من الأرواح و هدم بعض السدود فى البلدين ولو جزئياوتعطيل إمدادات الطاقة ؟

الأكثر مأساوية فى ذلك الخطر( خطر إنهيار السد)  وبصرف النظر عن حجم الخسائر الناتجة وتباين التقديرات حولها، هو أن إحتمالية حدوثه كبيرة جدا، كما يمكن أن يقع فى أى مرحلة زمنية سواء أثناء الملء ، أو بعد إكتماله مباشرة ، أو حتى بعد مرور عشر سنوات من الآن !!

ثانيا :- إنتهاء فكرة الحصة التاريخية المقررة لمصر سنويا من مياه النيل والتى تقدر بحوالى خمسة وخمسين مليار متر مكعب ، وسيتحول نهر النيل ( الأزرق) من نهر دولى عابر للحدود ، إلى بحيرة أثيوبية خالصة ؟

ثالثا :-- أصبحت عملية تمرير المياه رهنا بتقلبات السياسة المحلية والإقليمية و الدولية،وأيضا الأحوال السياسية والاقتصادية الداخلية فى أثيوبيا ، وهو ما يعنى انهم فى أى  وقت من الاوقات يستطيعون منع تمرير المياه ببساطة بسبب نشوب نزاعات سياسية، أو تحالفات ومصالح متناقصة ؟

رابعا :- سوف لايكون فى عداد المفاجآت وبعد الاطمئنان لعملية الملء، و تبريد الإهتمام الوطنى بقضية الإستيلاء على  مياه النيل، أن تقوم أثيوبيا بالمطالبة مباشرة بقيمةمالية من مصر، مقابل السماح بكميات المياه المطلوبة،بمعنى إنه عندما يكون المناخ الدولى مناسبا  خلال فترة قصيرة ، أو فى الأجل الطويل، فإن إثيوبيا ستطالب حتما بثمن كل لتر مياه سيمر إلى مصر تحديدا، وهو أمر لا تخفيه الأدبيات الإثيوبية سواء فى مؤتمرات رسمية او من خلال الكتابات المنشورة  واللقاءات المتلفزة والمذاعة ،

خامسا :-  قد لا يمر عام او عامان أو ثلاثة ، ويحدث جفاف فى أثيوبيا وهو أمر معتاد وغير مستبعد،ساعتها ومهما كانت المخطوطات الورقية التى ستزف الينا كإتفاق ملزم ، سيتم إحتجاز المياه نهائيا عنا  سواء بحجج فنية،أو من خلال نفس الادعاءات الحالية التى تتحدث عن حق اثيوبيا أولا فى الاستفادة من مياه (نهرها ) الذى تمتلك مقدراته ؟

سادسا :- سيتم تدبير الكثير من المؤامرات بين دولتى المصب مصر والسودان، وفى الغالب فإن السودان سيتم إستخدامه هو الآخر مع دولة جنوب السودان كأداتان لحصار وتجويع وتركيع مصر مستقبلا، مقابل التلويح لهاتين الدولتين ببعض المصالح، وبالتالى سيكون العداء موزعا بين إثيوبيا والسودان وجنوب السودان ، وستبدو مصر وكأنها دولة مارقة معتدية على دول الجوار ، وليست كدولة تم إستلاب حقها فى الحياة ؟ 

سابعا  :- إنتشار البطالة وزيادة معدلات الهجرة والجريمة بسبب زحف الجفاف على مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية ،، 

ثامنا  :- فقدان مصر القدرة على الحصول على الفواقد المائية ، بمعنى أن مصر لن تتمكن  من الحصول على مياه الفواقد سواء من السودان أو من باقي دول المنابع، مثل أوغندا و جنوب السودان، حيث كان من الممكن أن  تعتمد مصر في تنمية مواردها المائية من خارج حدودها على مياه الفواقد ،و هي كميات المياه التي تتسرب من النيل إلى المستنقعات أو إلى باطن الأرض، أو تفقد بالبخر مثلما يتم فى  مستنقعات الصدد بجنوب السودان التي تبتلع من مياة النيل مايقرب من 30 مليار متر مكعب سنويا تضيع بالبحر ويمكن الاستفادة منها ، لكن إنشاء سد النهضة وما تبعه من سياسات ورؤى ، سيجعل باقى الدول تسلك طرقا مماثلة ، تجعلها تبالغ فى الإستفادة بمياه الفواقد ،وسيكون موقفها أقوى فى تلك الحالة  التى لا تنظمها أية إتفاقيات !! 

تاسعا  :-إذ لم نستخدم كل ما نملك من أدوات فى المواجهة مع إثيوبيا التى توشك أن تتحكم فى قرارنا وتسيطر على إرادتنا، فسينكشف الأمن القومى المصرى وسيتداعى الشركاء والخصوم للقضاء على ما تبقى لنا من قدرات إستقلالية ،كذلك قد تحدث أزمات ومجاعات  كبرى، بعد ان تزيد الفجوة الغذائية بين الطلب والإستهلاك من جانب ، وبين العرض والإنتاج من جانب آخر ؟

عاشرا  :- تشجيع دول حوض النيل الأخرى خاصة جنوب السودان على إقامة سدود ومشروعات  مماثلة على رافد النيل الأبيض الذى تتدفق منه حوالى 20% من إجمالى المياه الواردة لكل من مصر والسودان ، وبالتالى الوصول الى حالة الجفاف النهائى فى دولتى المصب مصر والسودان ، ووقتها لن تستطيع مصر أن تقاتل القارة الأفريقية بأكملها !!

 حادى عشر :- حدوث بعض المخاطر الفنية المحققة التي سوف يسببها سد الألفية (النهضة) والتى  يمكن أن تتخلص فيما يلى :- 

 1- نقص الطمي الذي يساعد في خصوبة الأرض الزراعية. 

2- زيادة تصحر الأراضي الزراعية الموجودة و قلة خصوبتها. 

3- عجز شديد في توليد الطاقة الكهرباية نتيجة تناقص مخزون السد العالي و خزان أسوان. 

4- نقص شديد في الثروة السمكية خصوصا في بحيرة ناصر و التي انخفض منسوبها.

5-إنتشار الجفاف ببحيرة ناصر وفى مجرى النيل داخل مصر نفسها ،وسيشبه الأمر ما وقع فى كينيا والصومال بعد اقامة بعض السدود  على منابع انهار محلية تصب فى كل من الدولتين ، حيث وصل الحال  إلى إصابة مجرى النهرين بالجفاف الكامل لمصبات تلك الأنهار فى كل من الصومال وكينيا ، وزاد من كارثة العطش والجفاف هناك ؟

 وحتى فى حالة التوقيع على اتفاقيات جديدة ، وحتى لو حددت تلك الإتفاقيات بعض الحصص والالتزامات ، فإنها لن تمنع أبدا أو تحد من الآثار المدمرة  لتلك المخاطر الوجودية التى تهدد بقاء مصر خلال عشر سنوات أو اقل، والمسألة باتت لا تتحمل كل ما نراه من تهاون قد يؤدى إلى استكمال الكارثة وتخزين 90 مليار متر مكعب ببحيرة سد النهضة، كما أن الأمور لا تتحمل أيضا إستمرار أية مسارات يعتريها التسويف والتدليس وإخفاء الحقائق على الناس، فينبغى سرعة تغيير النهج المتبع حاليا ، بل ورأب الصدع الداخلى والاعتراف بالأخطاء بشكل متجرد، وتوحيد الصفوف لمنع استكمال تشغيل السد، و منع تخزين الحد الأقصى المعلن عنه من طرف إثيوبيا بكافة الطرق بما فيها إستخدام القوة !! 

أما على المستوى الشعبى والنخبوى فإنه  يجب عدم السماح نهائيا بتبريد الإهتمام بتلك الكارثة والإنشغال بأية قضايا جانبية ستثار بشكل ممنهج ومتتالى ، وعدم القبول بأية إتفاقات لا تسمح بتخزين سوى أربعة عشر مليار متر مكعب فقط من المياه خلف السد ، كذلك المشاركة فى إدارة السد والإحتفاظ بنفس الحصص المائية التاريخية المقررة لمصر  على أقل تقدير ، كما يتعين على كافة المثقفين أن يكونوا متيقظين لمنع أى تهوين يقلل من خطورة ما وقع، وعدم تمرير التهاون الإستراتيجى والتقاعس البادى للجميع ؟

التعليقات (0)