ماهر الملاخ يكتب: تجربة العدالة والتنمية نهاية أطروحة ونكسة مشروع ٢

profile
ماهر الملاخ أكاديمي إعلامي- تخصص سيميائيات
  • clock 8 أكتوبر 2021, 7:00:52 م
  • eye 860
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الجزء الأول من المقال في هذا الرابط 

الجزء الأول

7.العثماني: أطروحة التماهي لتحقيق "الإنصات والإنجاز" (2017-2021)

8. 8 سبتمبر: هدم الخيمة

9.نهاية متحققة وخيارات ممكنة

-------------------

7. العثماني: أطروحة التماهي في سبيل "الإنصات والإنجاز" (2016-2012):

وبتفضيله عدم الاعتراف بفشل أطروحته، ولجوئه إلى لعبة الاستقطاب الثنائي، ضيّع عبد الإله بنكيران على الحزب فرصة ذهبية للدخول إلى تجربة الولاية الثانية بأطروحة بديلة، ربما كانت ساعدت على تحجيم الآفات التي ارتكبها العثماني في الولاية التالية. إذ عقد المؤتمر الوطني الثامن سنة 2017 في أجواء تقاطبية سيئة. ولم يستطع كوادر الحزب حتى صياغة أوراق نقاشية لأعمال اللجن، كما لم يخرج المؤتمر بأي أطروحة يشتغل عليها، خلال السنوات الخمس القاادمة. فدخل الحزب بذلك في مرحلة "فراغ الاطروحة". وهو ما جعل ما طبع ولاية رئيس الحكومة الجديد.

-أطروحة " التماهي بالإنصات والإنجاز":

لم يكن سعد الدين العثماني محظوظا، مثل سابقه، فقد كان أمامه تحديات عديدة، وكان على رأسها ترميم البيت الداخلي للحزب، وتحسين صورته لدى الشركاء الحزبيين، والأكثر من ذلك، إصلاح العلاقة مع المحيط الملكي، ثم التعاطي مع التحديات الاقتصادية الاستثنائية، لوباء لم يشهد المغرب مثيلا له في العهد الحديث. ناهيك عن الحفاظ على الرصيد العالي الذي حصل عليه الحزب في الانتخابات.

فقبِل العثماني بالتحالفات التي كانت سببا مباشرا في البلوكاج، دون استشارة رئيس الحكومة السابق، مع اختلاف بين الروايات بخصوص الاستشارة القبلية للأمانة العامة.. وذلك سعيا لإصلاح العلاقة بالمحيط الحزبي. 

ثم فَتح أوراش الحوار الداخلي، التي لم تفلح إلا في تسكين الخلاف، والدفع بأنصار الشخصانية الكيرانية إلى الانزواء و"التفرج" على ما سينجزه العثماني.

وقَبِل بتمرير قرارات مصيرية مست فئات واسعة من الشعب، وفرطت في بعض مقومات الهوية. وتوج كل ذلك بمشهد توقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني. 

لقد تم استنزاف شعبية الحزب بشكل عنيف، وذلك بالتماهي مع رغبات سلطة التحكم، وتمرير إجراءات تدبيرية ما كان يجرؤ على المجازفة بتمريرها أي حزب سياسي آخر. 

حقيقة، لم يكن العثماني يتبنى من قبل أطروحة التماهي، ولكن رغبته في محو آثار ما خلّفه سابقه من توتر مع المحيط الملكي والحزبي، بشكل خاص،  دفعه لاعتمادها بشكل أكثر تطرفا. وذلك حينما رفع شعار: "الإنصات والإنجاز". وكانت تلك هي الضربة المزدوجة التي منيت بها تجربته: فقد حوّل بذلك فعله الحكومي من طبيعته السياسية إلى الطبيعة التكنوقراطية، فعزف عن التواصل السياسي، وركز على المشاريع العملية، وقرر عدم مقاومة أي إكراه يتعرض له في ذلك السبيل، من جهة سلطة التحكم.

وبالرغم من تحقيقه لمجموعة من الإنجازات في ميادين مختلفة، إلا أنه لم يواجه تلك الحملة الإعلامية الشرسة، والتي كانت تشوش على إنجازاته، وتتصيد كل كبيرة وصغيرة من زلاته وإخفاقاته.

وهو نفس ما حصل لرفيقه الرميد، حيث نهج نفس النهج التكنوقراطي، وتعاطى مع ملفات حقوقية ذات حساسية سياسية بالغة، بمنطق تقني صرف، ومنها ملفا توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني. مما أوقعه في تنافر معرفي ذاتي، وهو صاحب الرصيد الحقوقي المحترم، دفعه لتقديم استقالته أكثر من مرة، لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى الأمانة العامة. فانضاف ذلك الإخفاق في مجال الحقوق والحريات إلى بقية الإخفاقات الأخرى القاصمة للظهر.

لقد كانت مرحلة العثماني مجرد رد فعل عكسي لمرحلة بنكيران، فغاب الفعل السياسي وغلبت الطبيعة التكنوقراطية، كما وقع الحزب في حالة: "فراغ الأطروحة"، التي كرسها مؤتمره الثامن منذ بداية الولاية. فتضرر رصيده الشعبي والفعلي والتوقعي.

8.  الثامن من سبتمبر: هدم الخيمة:

-من عند أنفسكم... أولا:

أمام كل ذلك، يمكن أن نستخلص، أن جزءا مهمّا من هذا الواقع الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية اليوم، يرجع بالأساس إلى مجموعة من العوامل الذاتية، والتي أطرتها تلك الاطروحة التي سقطت. ويمكن التنصيص بسرعة على بعض من تلك العوامل فيما يلي:

    •    تضخم النرجسية الشعبية للحزب، إلى درجة الاستهانة بالمجازفة بها.

    •    تسامح قادة الحزب المفرط مع سلطة التحكم، طمعا في بناء الثقة مع المؤسسة الملكية.

    •    وقوع مناضلي الحزب، وخاصة منتخبيهم، في فخ التنافس الداخلي على الامتيازات الانتخابية، مما أضعف الروح النضالية الطوعية.

    •    تنازل الحزب على بعض مقومات هويته، مصدر شرعيته، مما شل قدراته الذاتية، وأضعف انخراط هيآته الداعمة والموازية.

-هدم الخيمة على من فيها.. ثانيا:

من طبيعة التحولات المذهبية داخل الأحزاب، أنه بعد سقوط الأطروحة المجرّبة، يتحول الحزب مباشرة إلى الاطروحة المقابلة. وهو ما كان منتظرا حدوثه في حالة حزب العدالة والتنمية. أي أن يتحول من أطروحة التماهي بنوعيها، إلى أطروحة التمايز. وهو سيناريو لم تكن لتسمح به سلطة التحكم.

كما كان من المعتاد، أن سلطة التحكم بالمغرب، حينما لا تسمح بصعود تيار معين داخل أي حزب، تلجأ إلى السياسة الانقسامية، باستخدام ميكانيزمات الديكتاتورية الداخلية للحزب.

غير أن هذه السلطة، وقفت لأول مرة أمام حالة حزب مقبِل على التحوّل نحو أطروحة غير مرضي عنها، فوجدت نفسها عاجزة عن تقسيمه، بسبب اعتماده المفرط على الديمقراطية الداخلية.

تلكم الديمقراطية، التي أكدها الحزب حديثا، حينما استقال أمينه العام ومعه الأمانة العامة، بشكل ذاتي، حتى قبل انقضاء أربع وعشرين ساعة من إعلان النتائج، فاسحا المجال لمطارحة البدائل المذهبية واختيارالقيادات الجديدة.

كانت سلطة التحكم، منذ البداية، تعي هذه الطبيعة، ولذلك كانت "مضطرة" للجوء، ولأول مرة في تاريخ السياسة المغربية، إلى ما يمكن أن نسميه بالتقليد المغربي: "سياسة هدم الخيمة على من فيها.". وذلك ما جسدته بالضبط نتائج 8 سبتمبر. حتى إذا لم يؤد ذلك الهدم إلى تدمير الحزب تماما، فعلى الأقل سيضمن انشغاله بذاته لمدة لا تقل عن عشر سنين.

وهو أسلوب يوازي ما كان قد ذكره محمد البخاري، ضابط المخابرات السابق، في مذكراته، الذي أكد أن السلطات كانت حينما تعجز عن التحكم في أي قيادة نقابية أو سياسية، عن طريق صناعة ملف فساد مالي أو أخلاقي، فقد كانت تجد نفسها "مضطرة" لاغتياله.

وإذا ما أضفنا هذا العامل الخارجي، إلى عامل تضرر رصيد الحزب بأنواعه الثلاثة، فسوف تكون صورة ما حدث له يوم 8 سبتمبر واضحة تمام الوضوح.

9. نهاية متحققة وخيارات ممكنة:

-نهاية الأطروحة ونكسة المشروع:

بسقوط أطروحة التماهي بنوعيها: المشروط والمطلق، لا بد للمشروع الذي تنتمي إليه تلك الاطروحة من أن يتضرر وينتكس. واسترداد عافيته متوقف على مدى قدرته على إفراز الاطروحة الديلة، تكون في مستوى التحدي الذي يواجهه الحزب في هذه المرحلة.

منذ بداية بوادر أزمة أطروحة التماهي، ظهرت مبادرات شبابية متعددة، بغض النظر عن مستوى نضجها، تدعو إلى ضرورة خوض غمار النقد الذاتي، وتنتقد سلوك القيادات، وتحذر من انسداد الأفق السياسي للحزب. 

كل ذلك يدل على أنه مناضلي هذا االحزب، لا يزالون يمتلكون إجابات بديلة ومختلفة عن الاطروحة التي سادت، في إطار نفس المشروع أيضا.

وهو المشروع الذي بنى عليه الحزب وجوده، والمتمثل في: " تحدي الفساد والاستبداد، لتحقيق العدالة والإصلاح؟"

إذ على أساسه أقامه الدكتور عبد الكريم الخطيب أول مرة، منذ 1967. 

كل ذلك يمثل مؤشرا قويا، على أن ما سقط هو "أطروحة التماهي"، وأن المشروع بحكم تجذره كما يبدو، لا يزال حيا، وأن الحزب بحكم ديمقراطيته الداخلية، يغلب على الظن، أنه لن ينشق.

-الأفق الممكن والميلاد الثالث:

منذ ميلاده الثاني سنة 1996، يكون حزب العدالة والتنمية، قد استكمل دورة تكوينية كاملة في حياته، ليقبل على دورة ميلادية جديدة، يعيد فيها بناء ذاته، ويجدد فيها رؤيته ورسالته، لتمثل ميلاده الثالث.

فهو يبقى تجربة سياسية وتربوية متجذرة في الواقع المغربي، ويظل حزبا وطنيا ديمقراطيا، اشتغل، حسب أطروحته التي تبناها، بغض النظر عن الطريقة التي سادت بها، فقد اشتغل بها لأجل الرفع من تنمية بلاده، وعدالة تدبيره. وحافظ، في المجمل، على نظافة يد أبنائه.

لذلك يصبح، من الواجب الشرعي والوطني والتاريخي أمام هذا الحزب، أن يلتقط أنفاسه، ويحافظ على طبيعته الديمقراطية الداخلية، ويكرس كل كفاءاته وطاقاته، وينكب على ترميم بيته، ويواجه التحديات المادية والمعنوية الجديدة التي ستعترضه، نتيجة الموقع الذي أصبح فيه اليوم. فيكون من أولى أولوياته، الخروج من حالة فراغ الاطروحة التي سادت خلال الولاية السابقة، وطرح البدائل المذهبية والقيادية، وتحديد المسار الجديد الذي سيسلكه.

وفي الأخير، وهو الأهم، عليه أن يتقبل أن يعود ذلك التنظيم النضالي الشعبي، كما كان عليه اول امره، والذي لا يتلقى الدعم من غير جيوب أعضائه، ولا يتحرك بغير دراجات وسيارات أبنائه، ولا يمتلك مقرات غير بيوت مناضليه. مناسبة تربوية لمناضليه المتلحقين به، أن يمروا من تلك التجربة النضالية التي فاتتهم، حين التحقوا به في حال الرخاء.

وعلى مناضليه اليوم، أن يستحضروا، أن هذا الوضع الذي يجدون فيه الحزب، قد سبق أن كان فيما يشبهه من قبل، بعد سلسلة التزوير والإقصاء التي تعرض لها منذ انتخابات 1977، فحصل على ثلاثة مقاعد، وأيقن الدكتور عبد الكريم الخطيب حينذاك، أن ظروف المشاركة لم تعد متوفرة، وأن سلطة التحكم قد تقوّت إلى درجة التغول، بشكل لم تعد تسمح بهامش لأي مشروع مخالف لها.. فاتخذ قرار مقاطعة الانتخابات، استمرت مدة عشرين سنة، إلا أنه قد حافظ على حضوره السياسي النوعي. ولم يعد للمشاركة، إلا حينما تغيرت الشروط، وخفت قبضة التحكم، فكانت مرحلة الانفتاح التي عاشها المغرب أواخر التسعينيات.

خيار قد يكون صالحا في مثل هذه الظروف، التي تشبه تلك، فما أشبه اليوم بالبارحة.

التعليقات (0)