- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب : آليات مسائلة الحاكم
مجدي الحداد يكتب : آليات مسائلة الحاكم
- 9 يوليو 2021, 8:08:26 م
- 731
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل يعقل ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين أن نحكم بعقلية الستينات والحرب الباردة ، وحيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ..!
ولكن وبعد إن اتضحت ، وكشفت أمور كثيرة ؛ فأي معركة كانت ــ وحتما لا زالت ــ تلك ..؟!
ثم من كان فيها ــ ولا يزال ــ العدو الحقيقي ، ومن كان فيها ــ ولا يزال ــ الصديق والحليف ؛ الحقيقي أيضا ..؟!
الشعب ، وليس أحد غير الشعب ، هو العدو الحقيقي لكل نظام عسكري شمولي فاشي ، وكما هو متعارف عليه ، وتعارف عليه جل البشر من مشارق الأرض ــ في أسيا ــ إلى مغارابها ــ بأمريكا اللاتينية مرورا بأفريقيا ــ وكم اعترف بذلك علنا ، وعلى الهواء مباشرة أخر من استولى على عرش مصر الآن ، وذلك بزعمه إنه ؛ " يخشى من الداخل أكثر من خشيته من الخارج " ..!
تحت زعم هذ القول الباطل إذن ــ بأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ــ ارتكبت ضد شعوب بأسرها جرائم ومجازر، وقد تمخض عن ذلك خسائر في الأرواح والأصول والأموال ــ سواء كانت سائلة أو منقولة ــ والمعدات تفوق عشرات المرات ما يمكن أن تخسره أية أمة فيما لو خاضت حرب حقيقية . وفوق ذلك قد أله ــ وليعاذ بالله الحكام أنفسهم على شعوبهم ، حتى أصيبت البلاد والعباد بنكبات فوق نكبات .
وما أن وضعت الحرب الباردة أوزارها ، وتفكك الإتحاد السوفيتي السابق ، وصار هناك قطب واحد فقط ــ وفي الحقيقة كان مفهوم القطب الواحد موجودا حتى منذ الحقبة السوفيتية وتزامن معها، ويمكن حتى بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة ، ولكن غاية الأمر إنه كان في حاجة إلى من يلاعبه ، أو وجود عدو إفتراضي ، وهذا أمر يطول شرحه ، وهو موضوع أخر على أية حال ــ حتى تنفس جل العالم الصعداء .
ولكن المهم هنا ، وهو في الحقيقة ما نريد أن نركز عليه ، أن عقيدة العالم العسكرية والسياسية قد تغيرت تماما في أعقاب حل الإتحاد السوفيتي السابق ، وحل حلف وارسو ، وتحول جل الحلفاء السابقين للإتحاد السوفيتي ، إلى حلف شمال الأطلنطي وبما في لك بولندا ذاتها والتي عاصمتها وارسو وحيث مقر الحلف العسكري للإتحاد السوفيتي السابق وحلفاءه .
وقد شهد العالم بعدئذ طفرات عدة وخاصة في مجال الحريات ، وتعدد الأحزاب في جل دول العالم ، وانتشار الصحف الخاصة والعامة و الحزبية ، والتي باتت تنافس الصحف التي كانت تمولها الحكومات والأنظمة المختلفة ــ وهو ما درجنا على تسميته بالصحف الحكومية ــ وظهرت وتجلت ظاهرة الإنتخابات الرئاسية بين أكثر من مرشح بديلا عن الإستفتاء حول رئاسة الحاكم لدولة ما ، وحيث كانت النتيجة محسومة لدينا بنسبة 99.9 % مثلا ..!
واعتقدنا ــ وربما كان إعتقاد خاطيء ــ أن لا رجعة على ما اكتسبته جل شعوب العالم من حريات واسترداد حقوق مغتصبة من قبل حكامها بعد تبني جل الأنظمة لمبدأ الليبرالية السياسية ــ وحتى " النيوليبرالية ــ ونظرية السوق الإقتصادية ، والإنفتاح من ثم على الديموقراطيات الغربية ، وحيث حولها السادات هنا ، وبكل خبث هدام إلى انفتاح استهلاكي لشعب كانت قد تعدت نسبة الأمية فيه 50% ، كما تعدت نسبة الجهل حتى بين المتعلمين أنفسهم وأنصاف المثقفين إلى حوالي 90% تقريبا ..!
إذن كان هذا الإنفتاح على التعددية السياسية والفكرية خاصة قد سبق نظريا ــ وقد يكون قد مهد لها أيضا ــ ثورة يناير ذاتها ..!
وهكذا قد ظننا أن العالم ، أو النظام العالمي الجديد ، والذي بشر به بوش الأب ومن بعده بوش الأبن في أعقاب غزوه للعراق ، وإسقاط من زعموا إنه ديكتاتور العراق ؛ الرئيس الراحل صدام حسين ، لن يسمح بردة أخرى عما حققته شعوب العالم من مكتسبات أسمية في أعقاب حل الإتحاد السوفيتي ، وأيضا في أعقاب ثورات الربيع العربي ، و إذا بنا ،ةوباختصار ، نقع مرة أخرى في حالة وظرف أسوأ مما كان عليه الوضع في زمن الحقبة السوفيتية ، وأسوأ مما كان عليه الوضع قبل ثورة يناير بصفة خاصة ، والربيع العربي بصفة عامة ..!
ويبدو أن النظام الإمبراطوري العالمي الجديد كان قد بيت ، وجهز ، في معامله الخاصة ما كان بإمكانهم تخليقه وتفريخه وتجهيزه من حكام جدد ، محملين هذه المرة ، ومن بلد المنشا ، بأجندات تفككيك وتفتيت أوطانهم بعد تجويع وتعطيش شعوبهم ..!
وهذا النظام العالمي الآنف الذكر ، ليس من السذاجة أو الهطل في شيء بأن يدع أي ممن خلقهم في معامله من حكام أن يرتد ، أو حتى ينحرف قيد أنمله عما هو مكلف به ومحمل به من أجندات ، لأنهم ببساطة من صنعوه وبيدهم من ثم أن يخفوه ، أو يستبدلوه بلاعب أخر ..!
وإذا فقط أرادوا تنبيهه من غفلته عن تقاعسه بعض الشيء في إظهار بعض الهمة المطلوبة في تنفيذ الأجندة فإنهم يلجأون بداية بقرصة أذن ؛ بأن يذيعوا له مثلا تسريب خطير مع مسؤول في أدق وأخطر أجهزته لكسر عينه ، وكأن لسان حالهم يقول ؛ " ولدينا مزيد " ؛ فهل ستنفذ كل المطلوب وحسب الخطة الزمنية أم ستتقاعس مرة أخرى ..؟!
ــ من كان يتصور إذن بعد حقبة الحريات والتعددية في كل شيء والإنفتاح على العالم المتحضر ، وهذا التقدم التكنولوجي الرهيب ، وخاصة في تكنولوجيا الإتصالات ، أن يجيء حاكم ليقول لشعبه : " متسمعوش كلام حد غيري " ، ثم يلبس شعبه بعدئذ في الحائط ، وبما لم يعد خافيا على أحد ..!
ــ من من حكام العالم يجرأ أن يشخط وينطر في شعبه ويقول لهم : " انتم باين عليكم منعرفونيش " ..؟!
ــ من من حكام العالم يجرأ أن يفرط في جزر وأرض وثروات بلاده من غير أن يسأل أو يحاسب ، أو يتم عزله ومحاكمته على مابدده وفرط فيه ..؟!
ــ من من حكام العالم يتخذ قرارت فردية كارثية ، من غير أن يرجع لشعبه ، أو حتى نواب شعبه في البرلمان ــ على سؤهم وسؤاتهم ، واختيارهم من قبل الأجهزة ــ كحفر قناة السويس الجديدة مثلا ، والتي أنفق فيها كل مدخرات المصريين ، والتي كانت وقتها حوالي 64 مليار جنيه ــ وربما كان الدولار يعادل وقتها حوال ثمان أو تسع جنيهات ..! ــ وحذره الخبراء والمختصين من ذلك ، ومع ذلك ركب دماغه وحفرها . وبعدما تأكد لها فشلها خرج يقول للشعب : " أصل أنا كان قصدي أفرح المصريين " ــ دا لو أنت موظف حكومي وصرفت ولو عشرة جنيهات في غير ما خصصت له ستتهم بإهدار المال العام ، وستحال للنيابة ، وسيتم مجازاتك والخصم من راتبك ، ولو المبلغ أكبر شوية ، فربما تعاقب بالعزل من الوظيفة أو السجن ، أو الأثنين معا ؛ وأنت جاي تقولي كان قصدي أفرح المصريين ، والعملية تعدي كدا من غير حساب أو حتى استجواب ..!
ــ ثم من من حكام العالم يفرط حتى في أغلى ما تملكه بلده ، ومنذ ألاف السنون ، وبدأ الخليقة ، وهو شريان حياتها ، وموردها الوحيد تقريبا من المياه ، وهو نهر النيل ، ومن خلال توقيعه على إتفاقية المبادىء ومن غير أن يعود للشعب أو حتى من ينوب عنهم في البرلمان ..؟!
ــ من من حكام العالم يورط بلده وشعبه في قروض ليس لمعظمها أي داع ، واستخدمت جلها في شراء أسلحة ليست بلده في حاجة إليها ..؟!
ــ من من حكام العالم يستطيع أن يفعل ذلك في شعبه ــ وربما أكثر ، وربما ما خفي كان أعظم وأشد خطرا وفتكا وتنكيلا ــ من غير حتى أن يجد أي لوم أو تقريع مما يسمى بالنظام الإمبراطوري العالمي الجديد ..؟!
إذن ، وفي ضؤ ما سبق ؛ ما هي الآليات العملية المتعلقة بمسائلة ومحاكمة وحتى عزل الحاكم إذا ثبت تقصيره وإخلاله بواجبات عمله ووظيفته كرئيس للجمهورية وحنثه بالقسم واليمين الدستوري ؛ والخاص بالحفاظ على وحدة البلاد ومصالحها ومصالح شعبها ..؟!
وإن كانت الإجابة بالنفي ؛ فما هو دور مؤسسات الدولة الأخرى في تحجيمه وعزله أو الحد من خطورته وتهديده وتعريض مصالح البلاد ووحدتها وشعبها وحتى أجيالها القادمة للخطر ..؟!
ــ هل ما تتقاضونه من رواتب عالية ــ وغير دائمة غالبا ــ ومزايا عينية ومالية أخرى يعميكم عن أتخاذ موقف جاد ووجودي يحفظ للبلاد حياتها ووحدتها وحتى استمراريتها ..؟!
إذن فهناك إرتداد بين و نكوث ونكوص حتى عما حققته شعوب العالم من تقدم في مجال الحريات والتعددية السياسية والفكرية ، والتداول السلمي للسلطة ، عقب إنتهاء الحرب الباردة وحل الإتحادر السوفيتي السابق وحلف وارسو . فهل كان المقصود هنا ، وفي هذه الحالة ، هو بالفعل تجزأة المجزأ وتقسيم المقسم ــ وكما يقولون ــ وحيث لا مكان للضعفاء في عالم اليوم وإن قبلوا اليوم بعزاء السيدات ..؟!