مجدي الحداد يكتب : السفاك

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 18 أبريل 2021, 12:10:04 م
  • eye 947
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

" السفاك "


هو البوليس السري الذي أنشأه شاه إيران السابق فقط لحماية العرش ، وليس لحماية الدولة ، ولا حتى مواطنيها ــ تماما كجهاز أمن الدولة الذي أُنشأ لحماية السادات ومن بعده مبارك ، 

وليس حتى النظام ولكن شخص الحاكم وعائلته ــ لذا فقد كان أهم ما نادت به ثورة يناير المجيدة هو حل جهاز أمن الدولة ، 

وإعادة هيكلة جهاز الشرطة ..!
ولأن ملة كل الأنظمة العميلة واحدة ــ وهنا يجب التفريق حقيقة بين الأنظمة الشمولية العميلة والأنظمة الشمولية غير العميلة ،

 والتي هي حصرا كل من الصين وروسيا ..! ــ فأحيانا نجد تناسخ يكاد يصل إلى درجة التطابق و حتى التماهي ــ وأكثر أصالة حتى من أول تجربة استنساخ للنعجة دولي ..! ــ بين هذه الأنظمة مهما فرقت بينها الجغرافيا ، 

وربما أشياء أخرى كثيرة ..!
ففي عهد الشاه كان شعبه يأن من العوز والمرض والفقر ، أو بالأحرى ،

الإفقار الشديد ، على الرغم من غنى إيران بالموارد الطبيعية وخاصة النفط والغاز وغيرها ، 

ومع ذلك كان الشاه يصرف ببذخ على قصوره وخدمه وحشمه وحتى حفلاته الماجنة وضيوفه من المدعوين لتلك الحفلات ، 

والذين كان يستضيفهم أحيانا على نفقة بلاده ..!
ومع تزايد السخط الشعبي ، وظهور أدخنة كثيفة من تحت الرماد تنذر بحتمية الثورة ،

وبدلا من أن ينتبه ويتنبه الشاه إلى حتمية إجراء تصالح ولو حتى شكلي أو تقارب أكثر مع شعبه معززا ذلك بعقد إجتماعي جديد ــ وعلى الأقل للحفاظ على نظامه واستمراريته هو شخصيا كشاه لإيران ــ فنجده يقوم برشوة العالم كله ، وحتى الشركات العابرة للقارات ، وتقديم حوافز إستثمارية لهم أشبه بالإمتيازات التي تعطى عادة للدول المستعمرة ، 

وذلك حتى يحصل على شرعية خارجية ــ وكأن لسن حاله يقول : " طز في الداخل ؛ إذا رضوا أو لم يرضوا ؛ وإذا كان عاجبهم ؛ مش كفاية إن إحنا رضينا نحكمهم " ..!
وبدلا كذلك من تمتع الإيرانيين بخيرات بلادهم ، نجد الشاه قد حول حياتهم عمليا إلى جحيم مقيم ، وليعاذ بالله .

فكلما أراد أن يحي حفل مثلا ، ويستعرض فيه جثث أو جثامين قدماء الإيرانيين في شوارع طهران ، 

ولا يجد موارد للإنفاق بمجون وبذخ على مثل ذلك الحفل التافه والسفيه ، 

فيختلق ضريبة جديدة مثلا ويستنزف من خلالها حتى ما لدى الإيرانيون من قروش زهيدة تكاد تقيم أودهم بالكاد ، ثم يقوم ، وفي ذات الوقت بتخفيض قيمة العملة ، وبعدئذ يقوم بتخفيض الأجور ــ الشيء الذي لم يقوم به الإستعمار ذاته طوال تاريخه المجيد ..!
وبالتزامن مع كل هذا الفجر والفسق ، يقوم بكل بجاحة وتبجح بالتضييق على الحريات ،

 ويمنع عليك حتى التوجع و تقول : " أه " ، أو من يرد عليك ، ويقولك : " سلامتك من الأه "..!
ولكن ما استفز الشعب الإيراني أكثر ، وربما حتى سائر شعوب العالم ،

هو منافسة الجيش الشاهنشاهي للمواطنين الإيرانيين حتى في أكل عيشهم ، وذلك بعد أن صارت الصفقات الإقتصادية الكبرى بيد الشركات العابرة للقارات ، 

وبعيدا عن متناول أو حتى عن أعين الجيش الإيراني ، إذن فلم يترك الجيش الإيراني ، وكذا سائر الأجهزة الأمنية الإيرانية ، 

حتى محل فول وطعمية إلا وزاحمت فيه المواطنين الإيرانين ، وكذا معارض السيارات التي كانت تتبع جهاز السفاك ،

 وحتى يجذبوا إليها أزلام النظام ومعرضيه الإيرانيين عندما يشترون من المعارض الأمنية الإيرانية .
وكانت تلك المحال ، والمعارض ، ولكي تعلن عن نفسها بكل قوة وجرأة تتبنى نفس شعارات الشاه ــ أهو منها تعلن عن هويتها ومنها تروج عن بضاعتها مجانا مستخدمة في ذلك كل إمكانيات وحتى المديا الإيرانية ــ فكانوا يعلقون لافتات على تلك المعارض الأمنية مكتوب عليها ؛ " تحيا إيران 3 مرات " ، وفي كل الإتجاهات..!
طبعا هذا الوضع قد تسبب في إفلاس العديد من الشركات الإيرانية ، أو بالأحرى المحال والأكشاك الإيرانية ،


وذلك ببساطة لانعدام المنافسة الشريفة ــ وهذا إذا كان للشرف ذاته أي معنى أو حتى وقع أو إيقاع معين لدى القائمين على قيادة أو إدارة تلك المحال والأكشاك الأمنية ..! ــ حيث أن العاملين في تلك المحال أو الأكشاك هم أنفسهم المخبرين أو البلطجية التي كانت تستعين بهم تلك الأجهزة في قمع أو تأديب الشعب الإيراني .
ونظرا للعمالة الزائدة في المخافر الإيرانية الشاهنشاهية فكان دوام المخبرين والبلطجية في هذه المحال والأكشاك ،

 وربما كانوا بيأخذوا معهم دفتر الحضور والإنصراف ويكون التوقيع هناك . وهذا لا يتعارض بحال مع القيام بنفس أدوارهم القمعية ، 

ومن وراء أستر تلك الأكشاك والمحال لأي من معارضيهم الذين يمكن استهدافهم ، 

وتكون الأجهزة حينها بعيدة عن أي إتهام فيما يخص إنتهاك حقوق الإنسان مثلا ؛ وذلك باعتبار أن كلهم مدنيين مع بعض ، 

ويمكن أن يحال الأمر كله بعدئذ إلى القضاء الإيراني العادل ..!
وعندما زادت وتيرة إحتجاجات الشعب الإيراني ضد ظلم الشاه وجبروته ، ومنافسة شعبه في أكل عيشه ؛ ترك لهم أكشاك إصلاح الأحذية ولم ينافسهم في هذا النشاط .

وذلك لضرب عصفورين بحجر ؛ منها يقلل من حدة غضب شعبه ضده ويكسب بعض تعاطفه في ذات الوقت من ناحية ، وتحسين صورته في الخارج من ناحيته أخرى ..!
بعدها بقى جاء الخميني من إيران وهرب الشاه وعائلته ، ولم تقبله دولة في العالم ،

 وحتى اكبر حلفاءه ، ولكن قبله السادات ــ والذي لم يكن وصمة فقط في تاريخ مصر ولكن في تاريخ الإنسانية كلها أيضا ..! ــ وذلك على الرغم من دور الشاه المخزي في مسرحية حرب أكتوبر وتحالفه مع الكيان حتى مع قرار حظر تصدير النفط العربي الذي أعلنه الملك فيصل ــ واغتيل بعدها ومن قبل إبن شقيقه ؛ "عايله واطية فعلا ..!"

التعليقات (0)