مجدي الحداد يكتب : عصفورة الشيخ يعقوب

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 16 يونيو 2021, 4:50:21 م
  • eye 1560
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أول مرة أستمعت فيها لصوت الشيخ محمد يعقوب وعرفته ربما في تسعينات القرن الماضي . وكان ذلك عبر مذياع أو تسجيل ذو صوت عال بالشارع ومن خلال عبارته الشهيرة ، والتي ربما صارت لازمة له هو شخصيا أيضا فيما بعد ، والتي كان يقول فيها : " أنت مبتصليش ليه ..؟"

وهي نفس الطريقة تقريبا التي تعرفت فيها علي الشيخ كشك لأول مرة أيضا، من خلال صوته عبر شرائط مذاعة له أيضا ، ذو صو ت عال بالشارع ، في مدينة الزقازيق أثناء الهجرة .

ولإنني غير متخصص ، وغير متبحر أو متعمق في علوم الدين فلن أتطرق إلى أي شيء يمس الدين الحنيف ، أو حتى علماء الدين بصفة عامة ، وخاصة فيما يتعلق بما يتناولونه من أمور عقائدية وفقهية أو فتاوي دينية . 

ولكن ينبغي هنا ، وقبل الاسترسال ، التنويه إلى أمرين غاية في الخطورة يمكن أن يستخدم أو بالأحرى يستغل الحاكم أو السلطان من خلالهما شيوخه أسوأ وأبشع وأحقر استغلال ، و بما يعكس ، وفي نهاية المطاف ، الاستخفاف بالدين وعلماؤه ، في حقيقة الأمر . 

والمسؤلية هنا هي في الواقع مشتركة بين المستغل - بكسر الغين - والمستغل - بفتح الغين - أي ، وباختصار ، بين السلطة التي تستغلة وبين عالم الدين الذي قبل ورضي على نفسه ذلك ، ليصير بعدئذ بوقا من أبواقها - وبعضهم ذهب أبعد من ذلك بكثير ، وبما لا يعد خافيا على أحد بطبيعة الحال . 

فالأمر الأول هو إذن سماح الحاكم لهم و تركهم يتكلمون ويدغدغون مشاعر البسطاء ، ويجمعونهم حولهم - وعلى طريقة سيبهم يتسلوا - طالما إنهم لا يخلطون الدين بالسياسة ؛ والمقصود بذلك تحديدا عدم التعرض للحاكم أو أبناءه أو زوجاته - حتى وليعاذ بالله لو سب أي أحد منهم الدين أو حتى خرج منه و كفر به - وليعاذ بالله - و سرق ونهب وفرط وجرف وفرق وشتت وقتل واعتقل ظلما وحول البلاد ؛ إما إلى جونتناموا كبير ، أو جيتوا كبير - وهذا يتوقف ، فضلا عن أصوله ، على ميوله ؟ وما نشأ وتربى وترعرع عليه وهو يدرس الدولة مثلا لمدة 50 سنة ..!

إذن فالحاكم بداية سمح بتواجد مثل هؤلاء العلماء " الكيوت " قوي ،  لصرف الإنتباه عما يفعله بالبلاد والعباد ، ولكن هذا لا يمنع من الانقلاب عليهم ، وأيضا لذات الغرض ، وكما حدث للشيخ يعقوب ، وهذا هو الأمر أو الاستخدام الثاني الذي يستخدم فيه الحاكم فيه شيوخه حتى ولو أدى الأمر إلى هلاكهم في نهاية المطاف .

وموضوع سد النهضة ، وكوارث القروض التي أغرق بها الحاكم البلاد ، وحيث حان للدائنين الآن قطف ثمارها - ولو مفيش ، أو معهوش ، مينفعش تقول هنا ما يلزموش لأن هناك أصول كانت موضوعة ربما بضمان أو رهن للقروض ، فضلا عن محتويات الصندوق السيادي ، وتحيا مصر ، و ... إلخ - و غيرها من كوارث أخرى رأى النظام البحث عن خطط إلهاء - بدلا من البحث عن خطط علاج - لصرف الأنظار عنه وعنها ، ومنها ربما اختراع شيء غير موجود أصلا - فمن يملك الأن ويحتكر كل المديا والإعلام وحتى الأنتاج التليفزيوني والسينمائي ، ومن ثم المذيعين والمذيعات ، والممثلين والممثلات ، وحتى العديد من الصحفيين والصحفيات - إلا من رحم ربي طبعا ..! - يمكن أن يخرج ، أو بالأحرى يفبرك أي مشهد تمثيلي ويصوره ويلقي في روع قطاع معين من الجمهور على إنه حقيقي ، ولا غرو عندئذ حتى من بثه حيا . ويكون الغرض من ذلك هو بطبيعة الحال الإيقاع بنوع أو قطاع معين من معارضيه أو حتى مؤيديه .

فعلى غرار مثلا إنتاج مسلسل ؛" سنبل بعد المليون " ، لمحمد صبحي ، في ثمانينات القرن الماضي ، وادعاؤه أو احتياله على البسطاء بأنه ذهب بهم إلى البيت الحرام بينما هم في سيناء ، يمكن أنتاج أي مشهد تمثيلي أخر وتصديره للمشاهد كأنه مشهد حقيقي ، ومن كاميرا الواقع ، أو حتى انجاز من الانجازات ..!

ومع تخفظي على بعض أداء الشيخ محمد يعقوب ، وعلى الرغم من أنه مصنف حقيقة من ضمن شيوخ السلطان - والتي يفخر ويعتز بتلك الصفة الشيخ خالد الجندي مثلا - إلا إنني متحفظا أكثر سواء على الطريقة المهينة التى أستدعي بها أو تلك الطريقة التي سؤل وحقق معه بها .

ثم أولا هو أستدعي كشاهد ، فيجب أن تكون كل الأسئلة حول الشهادة ، وليس رأيه في سيد قطب مثلا ، أو فتاوي إبن تيمية ، وإلا فإننا سنعود بذلك كثيرا للخلف ، و إلى محاكم التفتيش التي أعقبت مباشرة القضاء على دولة الأندلس - و حيث كان التفتيش حتى في الضمائر وما قد تنطوي عليه النفوس . والتي قد عانى منها بالمناسبة كل من المسلمين واليهود على حد سواء ..!

وثانيا ، وكما هو متعارف عليه في جل محاكم العالم ؛ يمنع ويحظر حظرا باتا تصوير أي متهم - حتى ولو ثبت عليه الجرم - أثناء محاكمته . حيث قد رؤي أن ذلك يعد إنتقاصا من كل حقوقه وكرامته . ولذا فحتى هذا القاتل الذي قتل المصلين بأحد المساجد غدرا وخسة في نيوزيلاندا ، وعلى الرغم من أن الجريمة ثابتة عليه ، ومن خلال توثيقه لها هو شخصيا من خلال بثها بثا حيا عبر " الفيس بوك " ، إلا أن أحدا لم يجرؤ على تصويره أثناء محاكمته . ولكن يمكن لبعض الصحف الاستعانة برسوم توضيحية وتقريبية إفتراضية وليس صورا حية أو حتى فتوغرافية . فما بالنا إذن والشيخ يعقوب جيء به ليدلي بشهادته وليس كمتهما ، فضلا عن أنه هو نفسه طلب عدم تصوير مشهد الإدلاء بشهادته ، ومع ذلك ضرب بطلبه أو رجاءه عرص الحائط ، لا مؤاخذة أقصد ، عرض الحائط ، وتم تصويره وبث شهادته بثا حيا ، وكان  ذلك في حقيقة الأمر توثيقا حيا لانتهاكات ، بل ودهس كل من حقوق الإنسان وكرامته  في مشهد لا تخطأه نفس ولا عين ولا قلب ولا عقل .

وكل ذلك لا يهم ؛ حيث أن الأهم هو أن يؤدي الإستخدام الثاني لمشايخ السلطان - والذي هو هنا مشهد ؛ " عصفورة الشيخ يعقوب " - الغرض منه ، وعلى نحو ما أسلفنا ..!

التعليقات (0)