مجدي الحداد يكتب : مابين جزيرة جيرسي وترسيم الحدود

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 7 مايو 2021, 12:35:56 م
  • eye 884
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما بين جزيرة جيرسي وترسيم حدودنا البحرية

لفت نظري أمر جزيرة جيرسي البريطانية والتي ليس هي أصلا متنازع عليها بين بريطانيا وفرنسا ، 

ولكن المشكلة إن لما بريطانيا خرجت من الإتحاد الأوربي بموجب إتفاقية " البريكست " ،

 فصار يتوجب على الصيادين الفرنسيون الحصول على تراخيص بريطانية حول أو بالقرب من سواحل الجزيرة إذا أردوا الصيد بتلك المنطقة ،

 وحيث تعتبر مياه بريطانية . وهذا هو إذن محل النزاع .

لكن الصيادون الفرنسيون إعترضوا على أمر التصاريح تلك ، وحاصروا ميناء الجزيرة ، وعُزز إحتجاج الصيادون بقطعتين حربيتين بحريتين فرنسيتين ،

 فأرسلت بريطانيا أيضا بسفينتين حربيتين لتراقب الوضع عن كثب .

ورئيس الوزراء البريطاني جونسون هو بالمناسبة من أصل تركي ، وجده كان يخدم مع السلطة العثمانية ، وكان حافظا للقرآن الكريم .

 ولماذا هذه المقدمة ؛ لأن هذا الكلام سنحتاجه لاحقا ..!

ولكن ما لم أكن أعرفه حقيقة هو أن جزيرة جيرسي تبعد عن أقرب نقطة لها جنوب السواحل البريطانية بحوالي 160 كم ، 

وتبلغ مساحتها حوالي 45 كم2 ، والسفر إليها من بريطانيا يستغرق بالطائرة حوالي ساعة طيران ، وبالسفينة أو العبارة حوالي أربعة ساعات .

ومع ذلك فتتمتع جزيرة جيرسي بالحكم الذاتي ، وكذا الإستقلال المالي والقانوني عن بريطانيا ، وهي اقرب جغرافيا لفرنسا ــ وحسب " البي بي سي " عربي ــ عنها لإنجلترا ،

 إذ تبعد عن فرنسا حوالي 22 كم فقط ، فضلا عن أن فرنسا تمدها بالكهرباء من خلال "كابلات " أسفل المياه . 

لكن ؛ هل يجرؤ جونسون ــ أو أي رئيس وزراء غيره ــ أن يدعو إلى ترسيم الحدود مع فرنسا لإعادة جزيرة جيرسى إليها ، 

أو حتى سمعنا معرض من البحرية الملكية يقول إن المسافة بينها وبين فرنسا اقرب ، ومن ثم فهي تعود لفرنسا وليس من حق بريطانيا ، أو حتى سمعنا جونسون ، 

والذي هو من اصول تركية ، ومسلمة ــ وحسب ما صرح به هو نفسه ــ وإن جده كان حافظا للقرآن الكريم ،

 يقول إن جده أو جدته أو حتى أمه قالتله : " ما تبصش على اللي في أيد غيرك " ــ وذلك كمبرر مثلا عن التنازل عن جزيرة جيرسي ..!

ولا يمكن أن نختم قبل أن نعود إلى قضيتين ــ وربما هناك أكثر من ذلك ، من قضايا مشابهة ، لم يكشف الستار عنهم بعد ،

 والتي قد لا نعلمها إلا إذا سربها أو صرح بها الطرف الأخر ؛ كتسريب ، أو حتى تصريح إسرائيلي سابق مثلا ، 

وقديم نسبيا ؛ مفاده أن إسرائيل سوف تصدر الغاز لمصر لكي تستهلكه وليس لتصدره ، 

وقد تحقق صدق أو مصداقية هذا التصريح أو التسريب فيما بعد ..! ــ متشابهتين ، وهما طبعا جزيرتي تيران وصنافير واللتان تبعدان عن مصر حوالي فقط 4.5 كم ،

 وتبلغ مساحتهما حوالي 80 كم2 ؛ أي ضعف مساحة جزيرة جيرسي البريطانية تقريبا .

إذن فلا يدعو عاقل إلى ترسيم حدود بحرية ، أو حتى برية ، إلا إذا كان سيستفيد من ذلك . 

وتلك هي لغة المصالح التي يغير وينافح عنها كل مسؤول عن حق بلاده في تعظيمها ــ ومنذ تشرشل وحتى اردوجان ــ وليس فقط في الحفاظ عليها ــ ولذا سنجد دولا كالولايات التحدة مثلا لا تعترف ، 

وإلى الآن ، بإتفاقية المياه الأقليمية للدول ، والتي هي حوالي إثنى عشر ميلا بحريا من شواطئها ..! 

لكن لم يحدثنا التاريخ حقيقة عن دولة أو نظام أو حاكم دعا إلى إعادة ترسيم حدود بلاده لكي يفقد ما هو حق له لصالح أخرين في مياهه الإقليمية ، 

وما يمكن أن يترتب على ذلك من خسارة ثروان تقدر بالمليارات ..!

أما القضية الثانية ، والتي لن أقف عندها كثيرا ، وحيث قد انقسمت الآراء ، أو الاجتهادات حولها ، وهي حزيرة "تشيوس" ، أو " خيوس " ، 

والتي تقع في بحر إيجه ، وتبعد فقط سبعة كيلومترات عن الساحل التركي ، والتي قيل إنها جزيرة مصرية ،

 وكان السلطان العثماني قدمها لمحمد على مقابل ما قدمه من خدمات للإمبراطورية العثمانية ، وبنى بها قصر منيف ،

 ومسجد كبير، واستزرع مساحات شاسعة من الأراضي . وتبلغ مساحة تلك الجزيرة حوالي 50 كم2 . 

وبعض الآراء تقول إنها راحت مع ترسيم الحدود البحرية مع اليونان ، وأخرى تقول إنها اصلا حزيرة يونانية ، واستردتها اليونان من خلال حروبها الطويلة مع الأتراك .

ومهما يكن من أمر ، فالثابت إذن ، حتى وبفرض إنها جزيرة يونانية ، أن مصر لها بها أوقاف كثيرة ، وأرضي زراعية شاسعة .

 وكانت اليونان تؤجر تلك الأوقاف من مصر ، وبموجب إتفاق بين البلدين وقع في عام 1997 ، بمبلغ مليون دولار سنويا .

 ثم توقفت اليونان بعدئذ عن الدفع ، ولا أدري شخصيا مصير هذا المليون دولار الآن ، ولا أوقافنا المصرية هناك ، 

ولا حتى عما إذا كانت الخارجية قدمت شكوى لأي جهة دولية مختصة للحفاظ على حقوقنا أو أوقافنا هناك ..!

وهذا قد يدفعنا للتساؤل حقيقة ــ وأعتذر للإطالة ــ وفي ضؤ كل ما سبق ؛ هل الشغف التركي بعودة العلاقات إلى طبيعتها ــ وهذا يختلف كليا عن استخدام كلمة "تطبيع" السائدة في كل مناسبة ، وغير مناسبة ، والتي لا يصح إستخدامها في هذه الحالة ..! ــ مع مصر مردة حقيقة إلى توثيق أواصر الأخوة وكل ما هو مشترك وتاريخي بالفعل بين الشعبين ، 

المصري والتركي ــ ونحن نرحب بذلك بطبيعة الحال ، بل ونعتبر أنفسمنا حتى أول الداعين له ،

 أو عل الأقل أكثر المتحمسين له ــ أم طمع أردوجان " البارجماتي " جدا ــ وهذا لا يعيبه حقيقة ؛ لأن القاعدة الذهبية هنا هي ؛

 هل هو حتى في بارجماتيته يعمل لصالح بلاده أم يعمل ضد مصالح بلاده ..؟! ،

 فهذا هو السؤال الذي يجب أن نساله دائما لأنفسنا قبل أن نرمي اي أحد بأي نقيصة ..!

فهل دافع تركيا إذن لعودة العلاقات إلى طبيعتها مع مصر أن " ينالها " من الحب جانب ؛

 ذلك الحب الذي يمكن أن تحصل من خلاله تماما مثلما حصلت عليه كل من اليونان وقبرص وإسرائيل من خلال إعادة ترسيم الحدود البحرية ، وليس شيء أخر ..؟!

وانا لا أعيبهم ولا ألومهم ، وكما أسلفت ، حتى وعلى الرغم من بارجمياتهم ، لأنهم ينظرون إلى مصالح وصالح بلادهم ،

 ويعتبرون ذلك هو البوصلة التى توجههم وتوجه كل تحركاتهم وحركاتهم وسكناتهم . وربما هذا فقط يفسر ؛ لماذا وقفت كل أحزاب المعارضة ،

 وكل من كان ضد أردوجان حتى من منظمات المجتمع المدني التركي ،

 وتضامنوا معه جميعا ضد الإنقلاب العسكري الأخير في تركيا .. وتلك الوقفة التركية المخلصة ،

 والتي نظرت بكليتها إلى فقط مصلحة الدولة والمجتمع ، هي التي افشلت الإنقلاب العسكري ..!

ولعل هذا يفسر ايضا ؛ متى ، ولماذا ينجح النظام الإنقلابي العسكري في بعض الأحيان ، أو في بعض البلدان ، ويفشل في أخرى ..! 

التعليقات (0)