مجدي الحداد يكتب : ودارت الأيام

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 2 مايو 2021, 9:58:55 م
  • eye 1024
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


ودارت الأيام ــ التاريخ ..! ــ وصار المواطن هو الذي يتوجب عليه أن يدفع حتى أجور وأتعاب جلاديه ..!

لو قيل هذا الكلام في أعمال شكسبير وكبار الفلاسفة والأدباء أو حتى الخيال العلمي ربما ما استساغه أحد ، ناهيك عن تصديقه ..!

ففي عز أزمة حرب يونيو 67 مثلنا ، وهجرتنا من الاسماعيلية إلى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية كان هناك بالفعل عدالة إجتماعية . 

فوالدي رحمة الله عليه كان يتقاضى راتبا شهريا قدره حوالي ستة عشر جنيها . وسكنا بعدئذ في شقهة كان إيجارها الشهري حوالي أربعة جنيهات ، 

وربما أقل من ذلك حتى بحوالي ربع جنيه . إذن فكان الإيجار عبار عن نسبة من الراتب الشهري ، ولا يجب أن تتجاوز في كل الأحوال 25 % من الراتب .

 وحتى إنه كان هناك لجان خاصة من مجلس المدينة على ما أذكر ــ كانت مهمتها تقدير قيمة الإيجار ، ومن ثم مراعاة أن لا تتجاوز قيمته تلك النسبة المقدرة والمقررة من الراتب .

 وذلك للحد من مغالاة المالك في تقدير الإيجار ، وكذا تعسف المستأجر في بخس حق المالك .

وهذا النظام ــ والخاص بأن لا يتعدى قيمة الإيجار نسبة محددة من الرتب الشهري ، أو حتى المعاش في حال التقاعد ــ كان معولا به أيضا ، ولا يزال ، حتى في الدول الرأسمالية ، وتلك التي تتبني نظرية السوق .

أما في مصر ، بلد العجائب والغرائب ، فعلى المواطن دفع ثمن كل شيء ، حتى فشل الوزير الوزارة أو الرئيس نفسه ــ ولعل أوضح وأحدث مثل كان شق قناة السويس الجديدة ،

 وبعدما اتضح فشلها وعدم جدواها الإقتصادية أو حتى الأمنية ، وبعد أن أنفق المصريين فيها كل مدخراتهم ؛

 قال حاكم مصر : " معلهش أصل كان قصدي أفرح المصريين " ــ يعني تعيشوا بقى وتخدوا عيرها ، ومن دا ، كتير ..!

وفي مصر أيضا ، وكما هو واقع الآن ، لو كان راتبك الشهري 3000 جنيه ــ كأجر متوسط ــ فكم ستدفع منه للإيجار الشهري للسكن الذي تقيم فيه ،

 وكم ستكون نسبة الإيجار من الراتب الشهري ــ وذلك من غير حساب نفقات المعيشة الأخرى من طعام وغذاء وشراب ودواء وملابس للصيف والشتاء ..؟!

وماذا لو كنت محال على المعاش ومعاشك حوالي 1500 جنيه ، ولا حتى 2000 جنيه ، فكم ستدفع منه إيجار ونفقات المعيشة الأخرى ، وحتى الأنفاق على من بقى من الأولاد في مراحل التعليم المحتلفة ..؟!

أما إذا فكر أحدهم حتى في الإقامة في أي دور من دور المسنين فمعاشه الشهري لن يكفيه حتى لمجرد إقامة فقط في أي دار من تلك الدور الموجودة في طول مصر وعرضها ..! 

والأنكى من ذلك ، وفي ظل تلك الظروف الإقتصادية الصعبة ، وظروف كروونا ، وحيث تحاول كل دول العالم أن تخفف على مواطنيها وتقدم لهم بعض المنح والحوافز وحتى الإعفاءات من ضرائب ورسوم وغيرها ،

 وبما في ذلك الولايات المتحدة مثلا ــ والتي منحت التطعيم ضد كروونا لكل مواطنيها مجانا ، والببالغ عددهم حوالي أربعمائة مليون نسمة ، أي أربعة أضعاف عدد سكان مصر تقريبا ..!

 ــ نجد أسعار السلع والخدمات تزداد كل يوم ، وبما في ذلك أسعار الطاقة ذاتها من كهرباء ووقود ، فيتبع ذلك زيادة الأسعار في كل شيء ، ون ثم يعم الغلاء البلاد ، مع ثبات الرواتب والمعاشات على حالها في العديد من المؤسسات ، وزيادتها في أخرى . 

و الأسوأ من ذلك ؛ أن يُترك لبعض المؤسسات في الدولة ، والتى أراد الحاكم تمييزها وأفرادها عن بقية مؤسسات وأفراد الدولة الأخرى ــ وفقط لكي تعينه على أي ما يتخذه من قرارات ،

 وبغض الطرف هنا عن مشروعيتها أو عدم مشروعيتها ــ ما تراه من قرارات ونظم داخلية تخص الجمهور الذي يتعامل معها ، والتي منها ،

 وأخطرها على الإطلاق ، تحديد أسعار خدماتها ورسومها بنفسها وكذا تحصيلها أيضا ، وإنشاء شركات خاصة بها ــ كشركة آمان التي تتبع الشرطة أو الداخلية ، 

والتي سوف نعرض لها وغيرها لاحقا ــ لكن بالمناسبة هناك شركة أخرى لها أفرع في كل مدينة من مدن الجمهورية ، بل هناك أحيانا أكثر من فرع في المدينة الواحدة ،

 وهي شركة " بي تك " للأجهزة المنزلية ؛ فمن تتبع هذه الشركة ، وكذا كل شركة أخرى تتخذ من الأسماء الأجنبية رموزا وطلاسم لها ، 

في طول مصر وعرضها ــ رحم الله القذافي الذي حظر على كل شركة ليبية بل وحتى كل محل بقالة أن يتخذ اسما أو حتى أحرف غير عربية ..! 

ــ لتصنيع وتسويق السلع والخدمات للجمهور الذي يتعامل معها ليس بالإختيار ولكن بالإلزام والإجبار والإكراه ، وإلا فلا تعامل ولا معاملة ولا رخصة ولا تجديد رخصة ..!   

فبناءا على أي دراسة مثلا قد حددت إدارة المرور رسوم تجديد رخصة القيادة المرو ، ومثلها مخالفات الأمور ..؟!

ثم ما هذا التأمين الأجباري الذي تدفعه عند تجديد الرخصة لبعض مندوبي التأمين الذين يتخذون أكشاك داخل إدارة المرور ،

 كمقر لشركاتهم التى لا يعرف عنها أحد شيء تقريبا ، وتراهم يتنافسون وأحيانا يتنازعون مع كل " زبون " يريد تجديد رخصة المرور لكي يسدد تأمين محدد عند هذه الشركة وليس تلك مثلا ..؟!

وهل تم مثلا مراعاة متوسط الدخل الشهري للمواطن ، وعما إذا كان متقاعد أو لا يزال بالخدمة ، حتى وبناءا على هذا الدخل يتم تحديد وفرض ما يفرض من رسوم ،

 وكما كان يحدد الإيجار الشهري كنسبة من الراتب في الستينات مراعاة لبعد العدل والرحمة والعدالة الإجتماعية حتى في حدودها الدنيا ..؟!

ثم هل من المنطق والعدل والعدالة والرحمة بمكان أن تفرض شركة خاصة تتبع للداخلية ، وهي شركة آمان ، شراء مستلزماتها هي فقط وليس أحد سواها ، 

على كل من يرغب تجديد رخصته ، حتى ولو لدي مجدد الرخصة مثلها ، وربما حتى أفضل مما تبيعه له هذه الشركة ،

 أو لو حتى لايزال مجدد الرخصة يحتفظ بما باعته له في المرة السابقة ، وبحالته الجيدة ، فمع ذلك يجبر على شراء منتجها جبرا ..؟!

ثم لماذا تحتكر هذه الشركة وحدها فقط بيع المنتجات التي تفرضها على مجدد الرخصة دون غيرها من الشركات ..؟! ،

 ولم لا يكون هناك منافسة بين عدد أكثرمن الشركات التي تبيع لمجدد الرخصة منتجاتها فيكون لديه الفرصة لإختيار العرض الأفضل و الأرخص و الأنسب له ..؟!،

 ولماذا أيضا لا يعتد بما لدى مجدد الرخصة من أدوات ومنتجات اشتراها من شركات أمان في المرة السابقة ،

 وخاصة إنها لا تزال تحتفظ بحالتها الجيدة مثل سيارته تماما ــ وإلا فعلى منتجي وبائعي السيارات أيضا أن يلزموا مجددي الرخصة أن يشتروا سيارات جديدة بالمرة ..؟!

وما قيل بشأن المرور يمكن أن يقال بشأن أشياء كثيرة أخرى عند إستخراج أي معاملة أو دفع رسوم خدمة أو ضرائب وغيرها ،

 أو حتى عمل توكيل محامي ، أو توثيق في الشهر العقاري ..!

ويبدو أن الزمان أو الأيام قد دارت دورتها مرة أخرى للعودة بنا إلى المربع صفر ،

 حيث كان في العهد المملوكي ترفع الضرائب أحيانا بشكل جزافي ؛ إما لتمويل حروب المماليك ،

 أو زيادة دخولهم ورفع مستواهم المعيشي على حساب الرعاع من  المواطنين ممن يسلخونهم أويجلدونهم ويسمونهم سوء العذاب ..!

أي أن أهالي البلاد كانوا ينفقون ويمولون بل ويساهمون في زيادة وارتفاع وتحسين مستوى معيشة جلاديهم ..!

ولكن قد كان هذا زمن كان يجري النيل فيه جريانه الطبيعي ليصب بعدئذ في مصبه النهائي والطبيعي أيضا في فرعي دمياط ورشيد ..!

 ، بيد أنه و بعد أن وُقع على إتفاقية المبادىء فقد دخلت مصر بالفعل في حقبة أخرى جديدة سوداء من التاريخ ، ولا نبالغ إذا قلنا غير مسبوقة على الإطلاق لا في مصر ولا أي مصر اخرى ، بل ولا نبالغ إذا قلنا ثقب أسود ..!

التعليقات (0)