- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
محمد الروبي : محمود عبدالعزيز النضج على نار هادئة
محمد الروبي : محمود عبدالعزيز النضج على نار هادئة
- 9 يونيو 2021, 3:48:26 ص
- 959
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المتتبع لمسيرة محمود عبد العزيز التمثيلية سيكتشف وببساطة أنه نضج على نار هادئة، فقد بدأ العمل السينمائى - كعادة السينما المصرية طوال تاريخها -مسنوداً على وسامته المتمثلة في ملامحه ولون عينيه ، وشعره الأصفر
وسريعًا ما وضعه المنتجون والمخرجون في خانة "الجان" الذى يليق بأن يكون فتى شاشة يقابل ويحب ويتزوج "فتاة شاشة" هى الأخرى ذات ملامح خاصة.
من هذا الباب التقليدى دخل محمود عبد العزيز إلى عالم السينما. ولعلنا نذكر بداياته الأولى مع مسلسل "الدوامة" الذي كان يلعب بطولته محمود ياسين، ولعب هو الدور الأثير لدى السينما المصرية وهو "صديق البطل" الذى يبثه شكواه، ويسرد عليه أحداثًا تعفى الكاتب ومن ثم المخرج من تجسيدها دراميًا.
وظل محمود يسلك هذا الطريق الإجبارى حتى مع الأفلام الأولى التي قام ببطولتها وكان أولها فيلم "حتى آخر العمر" الذى أنتج عام 1975.
لكننا سنلاحظ طوال هذه المسيرة التى بدأت عام 1975 ووصلت إلى فيلم "وداعًا للعذاب" عام 1982، أن محمود عبد العزيز يصعد سلم إجادة الأداء خطوة خطوة، ليأتى فيلم "العار" في العام نفسه 1982 والذى لعب بطولته مع النجمين آنذاك نور الشريف وحسين فهمى، ليكشف عن وجه آخر من وجوهه المتعددة وهى الكوميديا، ففى هذا الفيلم سيفاجأ الجمهور بقدرات كوميدية لم يكن يعرفها في الممثل الجان ذو الشعر الأصفر، وهو الملمح الذى سيبلغ درجة مرتفعة في فيلم "الكيف" عام 1985. ليصل ذروته في فيلمه العلامة "الكيت كات" عام 1991 للمخرج المبدع داوود عبد السيد عن رواية القدير إبراهيم أصلان "مالك الحزين".
ففي هذا الفيلم سيكتشف المتلقى أن محمود ممثلا بالمعنى العلمي للكلمة، فها هو يتخلى عن وسامته بل، ويقبل - على عكس نجوم ذلك الزمان - دورًا يفضح عمره الحقيقى، إذ سيكون الشيخ حسنى والد الشاب خريج الجامعة شريف منير.
في "الكيت كات" ستشعر أن محمود عبد العزيز كان يبحث طوال مسيرته عن هذا الدور أو كأن الدور نفسه كان يبحث عن ممثل لم يكشف بعد عن كل قدراته لتنفجر هنا وفجأة مع "الشيخ حسنى".
لكن وللحق كان محمود عبد العزيز قد نجح قُبيل" الشيخ حسني " في أن يصنع علاقة خاصة جدًا، وحميمية جدًا مع المشاهد المصرى عبر مسلسله الأشهر "رأفت الهجان" الذى إلتفت حوله الأسر المصرية تتابعه بشغف، وتتعاطف مع ذلك الشاب مهضوم الحق، وتضحك منه حين توقعه "فهلوته" في ورطات متتالية، ثم تبكى معه وعليه حين يشعرون بتمزق روحه وهو يرقص كما الطائر المذبوح بفرح زائف على هزيمة المصريين في 67 ثم تبكي معه مرة أخرى حين يكتم فرحه بانتصارهم في 73.
ومن بين أعمال سينمائية كثيرة، يمكن الإشارة إليها كعلامات في تاريخ محمود عبد العزيز التمثيلي يأتى فيلم سيد سعيد "القبطان" إشارة أخرى لقدرات هذا الممثل الذى استطاع أن يعى ما يريد سيد سعيد من أداء يتراوح بين الواقعية والفانتازيا ويمتزج فيه التقمص الستنسلافسكى والتغريب البريختى.
لهذا كله، وغيره الكثير، رأيت ومازلت أرى أن محمود عبد العزيز هو النموذج للممثل الذى نضج على نار هادئة، عمقت علاقته بجمهوره فلم يكن كما الشهاب الذى يظهر فجأة ويختفى فجأة، لكنه كان كالشتلة التى تنمو ببطء لتصير شجرة تضرب بجذورها في الأرض وتعانق أغصانها السماء.