- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد سيف الدولة يكتب: العلاقات المصرية الاسرائيلية في 2021 وتعديل الاتفاقات الامنية
محمد سيف الدولة يكتب: العلاقات المصرية الاسرائيلية في 2021 وتعديل الاتفاقات الامنية
- 10 يناير 2022, 7:01:23 م
- 603
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لماذا لا ننظر الى إسرائيل على انها (فرصة) بدلا من نظرتنا القديمة اليها كـ (تحدى)، هكذا قال لي أحد الأصدقاء المقربين من السلطة والمنحازين الى توجهاتها الحالية.
***
وبالفعل فان الحديث اليوم عن العلاقات بين مصر و(اسرائيل) هو حديث عن تنسيقات امنية واسعة المدى، وعن شراكات اقتصادية كبرى خاصة في مجال الطاقة والغاز، وايضا عن توافقات استراتيجية حول المخاطر المشتركة التي تتهددهما معا والمتمثلة في الارهاب وإيران والاسلام الراديكالي المتطرف، وفقا لتصريحات متشابهة من كلا الطرفين.
ولكن لاشك ان ابرز المستجدات في العلاقات المصرية الاسرائيلية في عام 2021 كان هو تعديل الملحق الامني في اتفاقية السلام، بما يسمح بزيادة اعداد قوات حرس الحدود المصرية في منطقة رفح المجاورة للحدود الدولية مع غزة والواقعة فى شمال المنطقة (ج)، وهو التعديل الذى تم الاعلان عنه رسميا في كل من مصر و(اسرائيل)، ولكن بدون نشر اي معلومات عن تفاصيل هذه التعديلات واعداد القوات الاضافية وطبيعة تسليحها، والتي بقيت محجوبة عن الجميع حتى اليوم، بما فى ذلك المواقع المتخصصة ووكالات الانباء العالمية والعبرية، وبالطبع المصرية ايضا.
***
وهذا هو ثاني تعديل رسمي يتم ادخاله على الملحق الامني، أما الاول فكان في عام 2005 بعد انسحاب شارون من غزة، والذي اطلق عليه اتفاق فيلادلفيا، والذى نص على ان تتولى قوة (اضافية) من حرس الحدود المصري القيام بمهام امنية “محددة” في المنطقة على الحدود المصرية الغزاوية المعروفة باسم ممر فيلادلفي. حيث أن اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 كما هو معلوم، حظرت وجود اي قوات مسلحة مصرية في المنطقة (ج) المتاخمة للحدود، وسمحت فقط بوجود قوات من الشرطة المصرية (البوليس).
وتحددت مهمة هذه القوة الاضافية فى منع العمليات الارهابية ومنع التهريب عامة والسلاح والذخيرة على وجه الخصوص وكذلك منع تسلل الافراد والقبض على المشبوهين واكتشاف الانفاق وكل ما من شانه تامين الحدود على الوجه الذى كانت تقوم به (اسرائيل) قبل انسحابها.
وتتألف القوة من عدد اربع سرايا، تعداد افرادها 750 فردا، ينتشرون على امتداد 14 كم هي طول الحدود المصرية مع قطاع غزة. وقد طالبت مصر حينذاك بان يكون عدد هذه القوات 2500، ولكن لم تقبل (اسرائيل) الا بـ 750، مع التحديد الدقيق لطبيعة تسليحهم.
***
ان مثل هذه الاصرار الاسرائيلى على التمسك بالملحق الامنى وقيوده المفروضة على مصر رغم ما وصلت اليه العلاقات الحالية من تقارب غير مسبوق، يكشف ويؤكد عمق وتجذر الروح العدائية التى لا تزال تحملها (الدولة) العبرية لمصر وللمصريين.
فيما عدا ذلك كانت هناك في السنوات القليلة الماضية بعض الموافقات الاسرائيلية (المؤقتة) على زيادة القوات المصرية، ومن ذلك ما تم نشره عام 2018 في عديد من المواقع ومنها المونيتور عن موافقة (اسرائيل) على زيادة القوات المصرية من 41 كتيبة تتألف من 25000 جنديا إلى 88 كتيبة من 42000 جنديا، ولكن بدون ادخال أي تعديل دائم على بنود الاتفاقية.
***
أما عن الملحق الامني الأصلي قبل التعديل والموقع في 1979 والذى جاء مفسرا ومفصلا للمادة الرابعة من الاتفاقية، فينص على تقييد وجود وتسليح القوات المصرية في سيناء بـ 22 الف جندي في المنطقة (أ) المجاورة لقناة السويس وعرضها (58 كم)، و4 آلاف جندي حرس حدود مسلحين باسلحة خفيفة في المنطقة الوسطى من سيناء المسماة بالمنطقة (ب) وعرضها (101 كم)، وبقوات شرطة مصرية فقط فى المنطقة (ج) المتاخمة للحدود الدولية وعرضها (33كم)، مع قيام قوات متعددة جنسية بقيادة امريكية لا تتبع الأمم المتحدة بمراقبة الالتزام المصرى بهذه القيود بموجب بروتوكول تم توقيعه عام 1981.
***
ولطالما طالبت القوى الوطنية المصرية منذ توقيع المعاهدة وحتى يومنا هذا بضرورة تحرير مصر من هذه القيود المفروضة عليها فى سيناء، والتي تجرح السيادة المصرية وتضعفها هناك بما أدى الى استشهاد المئات من الجنود المصريين على امتداد العقود الماضية. كما انها هى السبب الرئيسى وراء كل الجرائم التى ترتكب هناك على امتداد ما يزيد عن اربعين عاما، من تجسس وارهاب وتهريب وتجارة غير مشروعة… الخ.
بالإضافة وهو الاهم الى المخاطر الدائمة التى ستظل تعيش سيناء تحت تهديدها مثل تكرار الاعتداءات التى حدثت فى 1956 و1967. وهى المخاطر التى عبر عنها السادات صراحة قبل ان يغير موقفه حين صرح فى 19 مارس 1974 ((ان الحديث الدائر في اسرائيل عن نزع سلاح سيناء يجب أن يتوقف. فاذا كانوا يريدون نزع سلاح سيناء فسوف اطالب بنزع سلاح اسرائيل كلها. كيف انزع سلاح سيناء .. انهم يستطيعون بذلك العودة في وقت يريدون خلال ساعات)).
وهى تهديدات ومخاطر قد تبدو بعيدة الاحتمال اليوم فى ظل عمق العلاقات المصرية الاسرائيلية الحالية، ولكنها قد لا تكون كذلك اذا تغيرت الظروف والتوجهات وقررت القاهرة فى أى وقت انتهاج سياسات او انحيازات او مواقف تصطدم مع المصالح الامريكية والاسرائيلية فى المنطقة. ولدينا بالفعل وعلى امتداد 40 عاما، قائمة طويلة من التصريحات الاسرائيلية التى حملت تهديدات او تلميحات بهذا المعنى، ربما كان اكثرها وضوحا وفجاجة كانت تصريحات “آفى ديختر” وزير الامن الداخلى الاسرائيلى عام 2008، حيث قال فى احدى محاضراته ((ان خروج مصر من السلام خط احمر.. وان إسرائيل خرجت من سيناء بضمانات أمريكية بالعودة اليها اذا تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل))
***
وفى مواجهة هذه المطالب الوطنية، كان الرد الرسمى المصرى يأتى دائما بأن الغاء المعاهدة أو عدم الالتزام بشروطها وقيودها، قد يعرض مصر لعدوان جديد.
وهى الحجة التى لم تلقَ أى قبول او استجابة من القوى الوطنية، لمخالفتها للثوابت الوطنية وللسوابق التاريخية وللمبادئ الأساسية فى حروب الاستقلال ومعارك التحرر الوطنى، كما انها تعنى بمعنى من المعانى انها معاهدة بالاكراه.
***
ورغم ان اى زيادة فى اعداد قواتنا فى سيناء هى خطوة ايجابية ومطلوبة، واى حلحلة للشروط والقيود المجحفة المفروضة على مصر فى اتفاقية السلام هى مطلب قديم واساسى لدى كل المصريين سواء داخل مؤسسات الدولة او خارجها.
الا ان استمرار تعليق اى تعديل للاتفاقية، على شرط قبول وموافقة (اسرائيل) سيظل سيفا مسلطا على رقبة المصريين جيلا بعد جيل اذا لم يتم التحرر منه تماما والى غير رجعة.
***
كما أن فى التمسك الاسرائيلى بالملحق الامنى للاتفاقية بكل ما يتضمنه من قيود على مصر ورفض انهاء العمل به، رغم ما وصلت اليه العلاقات المصرية الحالية من تقارب غير مسبوق، يكشف عن موقف عدوانى اسرائيلى لا يزال متجذرا تجاه الدولة المصرية. ونحن لا نتحدث هنا عن تقاربات بسيطة أو سلام بارد، بل عن علاقات راسخة وتفاهمات استراتيجية، منها على سبيل المثال وليس الحصر:
صفقة استيراد الغاز من (اسرائيل) التى تبلغ قيمتها المبدئية 15 مليار دولار، من اجل تسييله فى مصر واعادة تصديره لاوروبا، والتى قال عنها “نتنياهو” يوم توقيعها ان (اسرائيل) اليوم فى عيد، وتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط،
مع توقيع مذكرة تفاهم ثنائية فى شهر نوفمبر الماضي لإمكانية زيادة إمدادات الغاز بهدف إعادة التصدير، مع دراسة استخدام خط الأنابيب القائم لنقل الهيدروجين في المستقبل.
وهدم الانفاق واخلاء المنطقة الحدودية من السكان. وقيام الادارة المصرية بدور الوساطة بين (اسرائيل) وحركات المقاومة.
وفتح السفارة فى 9 سبتمبر 2015 فى ذات يوم اغلاقها على ايدى ثوار يناير فى 9 سبتمبر 2011.
والاستجابة لطلب الرئيس الامريكى المنتخب ترامب عام 2016 بسحب قرار ادانة المستوطنات من مجلس الامن.
والسماح لأول مرة لسفارة (اسرائيل) بالاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس دولتها (النكبة) فى قلب القاهرة وبالقرب من ميدان التحرير فى فندق ريتز كارلتون.
والتصريحات المتكررة التى تعكس حماس الدولة المصرية لتوسيع السلام العربى مع (اسرائيل) ودمجها فى المنطقة من اجل مواجهة المخاطر المشتركة، وان السلام اليوم أصبح فى وجدان المصريين، مع الاشادة الدائمة بعبقرية السادات الذى انتهج هذا المسار.
وزيارة مسئولين اسرائيليين كبار لمصر، وآخرها اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي” نفتال بينيت” مع الرئيس المصرى في شرم الشيخ فى 13 سبتمبر 2021 فى اول زيارة مماثلة منذ عشر سنوات، وكذلك زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي “يائيرلابيد” للقاهرة فى 9/12/2021.
ووصول رحلة لمصر الطيران الى مطار بن جوريون فى 3/10/2021 لاول مرة منذ توقيع الاتفاقية عام 1979.
وهكذا …
نقول ان مثل هذه الاصرار الاسرائيلى على التمسك بالملحق الامنى وقيوده المفروضة على مصر رغم ما وصلت اليه العلاقات الحالية من تقارب غير مسبوق، يكشف ويؤكد عمق وتجذر الروح العدائية التى لا تزال تحملها (الدولة) العبرية لمصر وللمصريين.
*****
القاهرة فى 9 يناير 2022
مقالات مرتبطة:
1) العلاقات المصرية الاسرائيلية عام 2018
2) السيادة المجروحة فى سيناء ـ ارقام وحقائق
3) اتفاق فيلادلفى بين مصر واسرائيل
كاتب مصري
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "180 تحقيقات"