- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: تحت الوصاية
أبدعت الفنانة منى زكي، ومعها المخرج محمد خضير في مسلسل «تحت الوصاية»، الذي عُرض مؤخراً، حيث تمكنا ومعهما طاقم العمل من تسليط الضوء على أزمة اجتماعية منسية، أو مسكوت عنها تتعلق بواقع وحال المرأة التي يخطفُ الموتُ زوجها (الأرملة)، وحجم الظلم الذي تتعرض له في بلادنا العربية.
المسلسل يُصور المعاناة التي تعيشها الأم وأطفالها القاصرون بعد وفاة رب الأسرة، عندما تكتشف أنها وأبناءها، ستظل تحت وصاية عائلة الزوج المتوفى، وتكتشف أنها غير قادرة على التصرف بحياتها ولا العيش بكرامة ولا الحصول على حقوقها ولا الانفراد بتربية أطفالها، وصولاً إلى أن عائلة الزوج المتوفى تستولي على تركته وتستحوذ على مصدر الرزق الذي يُفترض أن تعيش منه العائلة، وهو مركب الصيد، ذلك المركب الذي يُعتبر «مسروقاً» عندما تأخذه الأم وتهرب به إلى مكان آخر.
«تحت الوصاية» يعيد تسليط الضوء على حجم الظلم المسكوت عنه، الذي تتعرض له المرأة في بعض بلادنا العربية، حيث تُعتبر المرأة ذاتها التي هي الأم، قاصراً ولا تستطيع تقرير مصيرها، ولا تحديد مصير أطفالها، وتظل رهينة لدى عائلة الأب المتوفى، وكيف أنها حتى لا تستطيع نقل أطفالها من مدرسة الى أخرى، من دون موافقة عائلة الأب، ما يعني أن أعمام الأطفال وجدهم يُصبحون هم أولياء الأمر، أو الأوصياء على العائلة التي يغيب عنها الأب بسبب الوفاة.
في بلادنا العربية ثمة قوانين تحتاج إلى المراجعة العاجلة والتعديل الفوري، إذ لا يجوز السكوت على الظلم الواقع على أقليات منسية في مجتمعاتنا مثل، الأرامل والمطلقات
في المجتمعات العربية يُعتبر الأطفال أبناء عائلة الأب، سواء كان الأبُ موجوداً، أم غائباً، وهذه العائلة هي المتحكمة في حياة هؤلاء الأطفال ومصيرهم ومستقبلهم إلى حين بلوغهم سن الرشد، وهذا يُهمش بالضرورة دور الأم ويجعلها أشبه بالمربية المستأجرة، أو الخادمة وليس الأم التي يقع على عاتقها الدور الأكبر في تربية الأطفال وفي تنشئتهم. ونتيجة لهذا الواقع تجنح المجتمعات العربية إلى الذكورية أكثر فأكثر، وتتجاهل القوانين والسلطات الحاكمة الظُلم الواقع على النساء، بمن فيهن الأمهات اللواتي يبذلن حياتهن كاملة من أجل الأبناء. مسلسل «تحت الوصاية» يُسلط الضوء أيضاً على أن الكثير من القوانين في بلادنا تعاني من العوار وتحتاج إلى التعديل أو الإلغاء، بسبب أنها قوانين تخلق المشاكل الاجتماعية وتؤججها بدلاً من أن تقوم بحلها، بل إن بعض القوانين التي تنتهك الحقوق الأساسية للمرأة وتؤدي إلى ظلمها وصلت إلى درجة أنها تُشجع على الجريمة وسفك الدماء، وتتعامل مع المرأة على أنها «إنسان من الدرجة الثانية».
في بعض الدول العربية ثمة قوانين تُشجع بشكل غير مباشر على القتل، وتقدم الأعذار المبيحة للقتل، سواء بداعي «الحفاظ على الشرف أو السمعة أو غسل العار»، ففي بعض الدول العربية ثمة «عقوبة مخففة» إذا قتل الرجل زوجته أو شقيقته، وهو ما أهدر الكثير من الدماء البريئة، بسبب حجج يتبين أنها مجرد أوهام، أو يتبين بأن ثمة دوافع أخرى خفية للقتل، مثل الحصول على التركة أو الاستحواذ على الميراث وغير ذلك، لينتهي الأمر بأن أصبحت دماء النساء في بعض الدول العربية أرخص من دماء الرجال، وهذا منتهى الظُلم. ووصل الإسفاف في قوانين بعض الدول العربية، أن الرجل الذي يرتكب جريمة الاغتصاب يُمكن أن يختار الزواج من الضحية مقابل أن تسقط عنه العقوبة الجنائية، ما يعني من الناحية العملية أن هذا القانون يُكافئ المجرم ويُعاقب الضحية.. وهو منتهى الظُلم والإسفاف أيضاً.
في بلادنا العربية ثمة قوانين تحتاج الى المراجعة العاجلة والتعديل الفوري، إذ لا يجوز السكوت على الظلم الواقع على أقليات منسية في مجتمعاتنا مثل، الأرامل والمطلقات، أو السيدات المعلقات اللواتي غاب عنهن أزواجهن، كما لا يجوز التعامل مع المرأة على أنها إنسان من الدرجة الثانية، أو أنها «تحت الوصاية»، فهي ليست رهينة عند عائلة الزوج، ولا عائلة زوجها أقرب الى أطفالها منها. وأيضاً من المعلوم بالضرورة أنه يتوجب على القوانين العربية أن تحمي حياة المرأة، لا أن تشجع ضمنياً على قتلها أو إيذائها أو تعطيل حياتها.