- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد عبدالجميد يكتب : أكتشاف لقاح مضاد لابليس
محمد عبدالجميد يكتب : أكتشاف لقاح مضاد لابليس
- 15 مايو 2021, 7:43:49 م
- 631
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حيث أن عشرات الآلاف من العلماء والباحثين في العالم كله جندوا امكانياتهم العلمية والبحثية والمعامل للبحث عن لقاحات للأمراض والأوبئة والفيروسات فقد تخيلت لبعض الوقت وأنا بين اليقظة والمنام الوصول إلى اكتشاف لقاح لم أعرف جنسيته؛ وهو مضاد للشيطان الذي لا نعرف كنهه، ولا المواد المركبة فيه، ولا مكانه في الإنسان!
اكتشاف رائع لم يحدث له مثيل منذ بدء الخليقة، ولو كان قد ظهر في حياة آدم وحواء لتجنبا أكل التفاحة الشهية!
نجحت الحملة الدولية للقضاء على إبليس، واحتاج الإنسان إلى ثلاثة لقاحات حتى تختفي تماما كل آثار الشيطان من جسده وعقله وقلبه!
وبعد فترة نقاهة قصيرة ظهر الإنسان في صورة جديدة تماما لم تخلو من مفارقات عجيبة، وتغيرت حياته وتشكل الخْلق من جديد!
ملل ورتابة وبطء أصاب الناس كلهم، واختفى التحدي، ولم يعد هناك فساد، ولا تجد من يُغضبك أو يثير سخريتك، أو من يتكاسل!
تذهب إلى العمل وتترك مسكنك مفتوحا، وتتوقف التعاملات التجارية فلا أحد يريد أن يربح بخسارة الآخر.
قسم الشرطة مليء بعاطلين عن العمل من الضباط وأفراد الأمن، وإذا احتجت لمساعدة فيأخذك ضابط الشرطة لبيته لتناول الغداء مع أسرته.
تتوقف عن شراء الطعام فالبائع يخشى أن يبيع لك بأكثر من ثمن البضاعة، وأنت تخشى أن تدفع له أقل من حقيقة السعر فيخسر!
المدارس لا يغادرها المُدرسون خوفا أن يكون هناك تلاميذ لم يستوعبوا الدروس، والدولة كلها ليس فيها تلميذ واحد في تجمعات دروس خصوصية.
الجيوش عاطلة عن العمل، والقادة العسكريون يعرفون أن الحروب اختفت من الدنيا،
وكل الدول تشهد مغادرة المستعمرين عائدين لبلادهم، والمصارف تُغلق أبوابها لأن أرباحها وخسائرها أصفار متراصة.
لا أحد يصرخ أو يصيح أو يرتاد غُرز المخدرات، والمحاكم تكاد تتوقف عن العمل فلا أحد يشكو أحدًا، والمؤمنون بالأديان لا يفرّقون بين معابدهم ومعابد أتباع الأديان الأخرى،
والقنوات التلفزيونية تتوقف عن الإرسال لعدم وجود معلنين يربحون من أكاذيب ما يعرضه الرأسماليون.
يزداد الملل ويبدأ التململ والسأم يتسلل إلى النفس فالناس تحتاج إلى إبليس فهو بوسوسته وشروره يُعطي للحياة نكهة،
ويمنح الإنسان فرصة الشجار والاستغلال والانتقام والسرقة.
القضاة في المحاكم لا يجدون جريمة واحدة تشغلهم، فيدعون الله أن يرسل إليهم الشيطان ليحرك الساكن الرتيب في حياتهم.
كل المساكن مفتوحة والعمارات بدون حُراس، والمرأة تدخل وتخرج ليلا أو نهارا فلا ينظر إليها رجل ولو نامت في الشارع في منتصف الليل فلا أحد يقترب منها.
معظم المتزوجين يقررون الانفصال والطلاق بعد أن أوجعتهم ضمائرهم مما فعلوه من وراء ظهور بعضهم، كذب وخيانة زوجية وكيد ونميمة!
الأطباء عاطلون عن العمل لأن الإنسان يمارس حياته الغذائية والرياضية بمقياس لا يطفف، فلا يمرض إلا باعتداء الطبيعة عليه.
أصحاب المكتبات ودور النشر يتخلصون من الكتب الدينية التي لا يحتاج إليها أحد،
فالإنسان لا يخطيء ولا يتكاسل عن العبادة ، وقد يُصلي صباحا في مسجد وظهرا في كنيسة وفي العشاء يقضي أمسيته في معبد بوذي.
الجماعات المتطرفة تفكك نفسها، وتتخلص من أسلحتها، ولا يرى الأبيض غيره أسود أو أصفر أو يهوديا أو روهينجيا،
والرئيس الكوري الشمالي يجلس بمفرده أمام بحيرة ليمان في جنيف، وزعماء العالم الثالث يبيعون قصورهم الفارهة وهم يبكون على ما فرطوا في حق شعوبهم.
في المحلات الكل صامتون؛ فالبائع يخشى أن يظلم المشتري، والمشتري يخاف أن يخسر البائع فيقفان صامتين!
أبواب السجون في العالم كله تُفتح تلقائيا ويخرج منها الأبرياء، أما الذين ارتكبوا مخالفات وتجاوزات وجرائم قبل أخذ جرعة اللقاح ضد إبليس فيرفضون الخروج قبل انتهاء فترة الحُكم القضائي.
كل الناس تمشي وهي تنظر في الأرض خجلا مما ارتكبت قبل اللقاح، والدموع تُغرق الشوارع فبنو آدم يجهشون بالبكاء على أخطائهم.
الزعماء والملوك والأمراء والرؤساء ورجال الدين والقضاة والمحامون والتجار وضباط الشرطة والسجانون يهيمون في الشوارع على غير هدي باحثين عن أناس ظلموهم، فيقبّلون أيديهم وأقدامهم معتذرين.
تزداد الحياة رتابة لأنها لون واحد، ويزداد الشوق للشيطان؛ فحتى الحب اختفى لأن إبليس لا يجد له مكانا بينهم فيتحَدْونه، ويتسامون بفضائلهم لأن الفضيلة في كل كائن حي.
قنوات مقارنة الأديان تغلق أبوابها، والفضائيات بكافة أنواعها لا تجد من يعمل بها، ونشرات الأخبار لم تعد تبث أكاذيبها بغياب إبليس،
والوشاة يختفون، والأباطيل لم يعد لها وجود، ويحتار الإنسان في أهمية الصلاة فهو لم يرتكب أي خطأ فلا فائدة في طلب المغفرة والرحمة!
بعد سنوات من القضاء على الشيطان يقرر الإنسان قتل نفسه أو يذهب إلى العلماء والباحثين طالبا منهم محاولة اكتشاف لقاح جديد ومعاكس يعيد إليهم إبليس،
في أي مكان.. العقل أو الجسد أو القلب أو الخيال؛ المهم أن يعود بوسوسته وشروره ومؤامراته لتبدأ من جديد حياة ابن آدم المثيرة للاهتمام والتحدي والكُفر والإيمان والقتل والعفو والكراهية والحب والديكتاتورية والثورة والسجان والسجين والغنى والفقر والعلم والجهل!
وبعد جهد مضني يكتشف العلماء ويتوصل الباحثون إلى لقاح يُطبّع الحياة مع الشياطين والملائكة، ويعود الإنسان إلى إنسانيته في خيرها وشرها!