- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
محمد عبدالمجيد : المثقف الخائف.. قراءة في شجاعة الأرانب!
محمد عبدالمجيد : المثقف الخائف.. قراءة في شجاعة الأرانب!
- 10 أغسطس 2021, 10:30:36 م
- 2822
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إذا أردتَ أنْ تستولى على قيادة الجماهير، وأن تستخف بهم، وأن تُحدد مأكلهم ومشربهم ومأواهم فما عليك إلا أن تبدأ بالنخبة الواعية والصفوة التي حاولت أن تعرف أكثر مما تريد السلطة، ولجأت لعدو الاستبداد الأول .. الكِتاب.
عندما تخيف المثقفين تأتيك الدولةُ كلها جاثية على ركبتيها، وعندما يرى المثقفُ السوطَ في يد السلطة فعليه أن يختار بين الأبيض والأسود وليست هناك ألوان بين الاثنين.
والمثقف الخائفُ أكثر خطرا على الأمة من آلاف من عامة الشعب، فهو يستطيع أن يبرر لسعة السوط، وأن يفرمل الغضب الجماهيري، وأن يقوم بتلميع أشد القوانين تخلفا واستبدادا. وأن يحتفظ في درج مكتبه بتقارير منظمة العفو الدولية وكل منظمات حقوق الانسان ولا يكشفها أملا في ذاكرة باهتة للقراء.
والمثقف الخائف كالجاسوس النائم فهو رهن إشارة الكبار عندما يحتاجونه، وقادر على التقليب في أرشيف معلوماته بدقة متناهية. ويستطيع أن يكتب لك في أقل من ساعة مقالا عن تجديد شباب الحُكم ممثلا في الطاغية، بل يمكنه أن يُرَكّب أجنحة ملائكة للشياطين، وأن يضع قرونا من شواظ من نار فوق رؤوس الملائكة.
والمثقف الخائف يتميز بأنه الأقل شأنا في نظر ضباط الأمن، والعصا الاحتياطية لدى جلاوزة التعذيب، وعين السلطة على زملائه، واليد المرتعشة التي يحركها الخوف من غضب أسياد القصر ومعارفهم وأزلامهم ورجالهم.
والمثقف الخائف لا ينتفع بعلم، ولا ينفع الآخرين إلا كما ينفع القاموس في المعرفة لكنه لا يغني عن الشرح والموسوعات والتفسيرات والاجتهادات والحوارات.
والمثقف الخائف يعطي الروحَ الأرنبية للجماهير نفحةَ الرعب، ويزيدها التصاقا بالأرض، ويمنع عنها التحليق في السماء، ويمدها بأمل كاذب في تغييرات قد لا تلامس الواقع إلا بعد أجيال بائسة.
والمثقف الخائف يحاوره مذيعون خائفون في قناة تلفزيونية ترتعش شاشتها ويقرأ القائمون عليها الفاتحة على أرواحهم قبل الإرسال خشية أن يغضب سيّدُ القصر على خطأ غير مقصود يمس من بعيد أحد صغار الكبار القريب من أحد كبار الكبار.
المثقف الخائف يقرأ، ويتابع، ويعرف أكثر من غيره، ويخدع نفسه عندما يظن أن الوقت غير مناسب لروح التمرد والشجاعة والحقيقة والوعي وفضح الزيف.
المثقف العربي أمام امتحان عسير، وهو يخفي وجهه بين يديه خشية أن يَطّلع على كارثة لن تبقي ولن تذر.
هل يمكن فعلا أن يكون في الاستبداد سحر عجيب يمس الرغبة في السكون والاذلال والمهانة والضعف والتواكل، فنأتيه كلنا كأننا أغنام تطيع عصا راعيها بغريزة الخوف والالتصاق الجماعي؟
والمثقف الخائف ينتحر مع كل كلمة يخفيها، ورأي حر يحتفظ به لنفسه، ودور ثانوي فئراني يظنه قدرَه وقضاءَه وينتظر أن تتولى العناية الإلهية مهمتَه في نشر الوعي، ومطاردة الأكاذيب، وكشف أوراق التزوير في وطن يئن ويتوجع
يبقى الأمل في تلك القلة الشجاعة التي لا تزال تنزف ألماً ووجعا من أجل انقاذ وطن وتحرير أمة.