- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد عبدالمجيد يكتب : أحزان المغترب مع الموت
محمد عبدالمجيد يكتب : أحزان المغترب مع الموت
- 21 أغسطس 2021, 5:25:13 م
- 925
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أشعر بتعاطفٍ شديــدٍ مع كل مغترب لم يتمكن من العودة إلى بلده ليتلقى العزاءَ في والده أو في .. ست الحبايب.
موتان وليس موتاً واحداً، موت الأب أو الأم عن الحياة، وموت غياب المغترب عن تشييع الجنازة، وتلقــّـى العزاء، والبكاء عند القبر، والاحتفاظ في الذاكرة بآخر نظرة ولمسة .
في الوطن يحزن الفاقدُ مرة واحدة ولو طالت، وفي الغربة يحزن مرات كثيرة ولو كانت قصيرة!
في الوطن يخفف من الحزن بكاءُ الأقارب والأحباب وأصدقاء الوالد وصديقات الوالدة، وفي الغربة لن تجد إلا دموعــَـك وبعض الدموع شبه الجافة من الذين تكون قد عرفتهم في المهجر.
في الوطن تطاردك صورة الراحل لبعض الوقت، وفي الغربة تطاردها أنت كل الوقت!
عندما أقرأ دعاء مغترب بعد رحيل والده أو والدته أرى دموعــَــه تتساقط على الورق أو على شاشة النت، وفي الوطن يتحول الحزن إلى أحاديث جانبية تخفف من وقعه على القلب والذهن والخيال.
في الوطن يتسلل الحزن إلى الجدران المعلــَّـقة عليها صورة الوالد أو الوالدة في أزمنة مختلفة، وفي الغربة تبقى لديك صورة أو اثنتان لا تكفيان لازاحة الحزن إلى الخلف.
في الوطن ترى الفقيدَ في البيت ومع الجيران وفي الأماكن التي كان يزورها وفي المقابر، فيختلف نوعُ الحزن، أما في الغربة فتراه كلما أردتَ أنْ تــُــلقي برأسك فوق صدر أمــِّـك، أو تستمد الشجاعة من كلماتٍ تركها الوالد.
لا تتأخروا عن تقديم واجب العزاء لكل مغترب فــَـقــَـدَ أمــّــه أو أباه، وشاركوه أحزانَ البــُــعْد لعله يقترب من مكان الرحيل.
لا تتأخروا عن المساهمة في استدعاء دموع المغترب كلما جَفــَتْ، فهي تــُــعيد تركيب الصورة التي بهتت أو انفصلت أجزاؤها أو ألوانها أو اعتادتْ العيونُ علىَ عتمتها، فالدموع أطهر مُطــَـهــِّـر للعيون والقلوب و .. الروح.
في الوطن يرحل المتوفىَ بمفرده ويصعد إلى السماء، وفي الغربة يصل الخبر إلى المُهاجر كأنه اقتطع أجزاء من الوطن ومن الزمن وأبقىَ على الذكريات.
في الوطن تعرف دين الحبيب، فهو مسلم أو مسيحي، أما في الغربة فيصلك الخبر وليس فيه هلال أو صليب.
في الوطن دموع غزيرة؛ لكنها تجف أسرع من الحزن، وفي الغربة دموع بخيلة لكنها تبلل الوجه ولا تراها العين المجردة، وتضاعف الحزن.
في الوطن يحسب أحباب المتوفىَ الرحيل بعدد السنين، وفي الغربة يتوقف الزمن عند لحظات الوداع قبل الموت بوقت طويل.
المسافة بين البيت والمقبرة في الوطن أطول من المسافة بين المقبرة والمغترب ولو كان على حافة الكرة الأرضية.
يختفي عبق الراحل في الوطن أسرع من اختفائه في الغربة، حتى لو رأيت الراحل قبلها بدقائق هناك، وبعشر سنوات في المهجر.
طعم رحيل الأب والأم في الوطن علقم يزول، وفي الغربة يطاردك حتى تزول!
في الوطن تودّع الحقيقة فتستريح، وفي الغربة ترسم صورة جديدة في مخيلتك مع صباح كل يوم فلا تستريح.
في الوطن يمثل رحيل الأم والأب ضربة قاضية؛ تقوم بعدها. وفي الغربة ضربات متلاحقة تسقط بعدها.
في الوطن يسيرون بجوار القبور وهم يتمازحون بعد الرحيل بوقت طويل، وفي المهجر تصنع في خيالك قبرًا لتسند عليه رأسك كلما ألمَّتْ بك الذكرىَ.
عزائي لكل من فقد أمه وأباه بعيدا عن الوطن الأم.