- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
محمد قدري حلاوة يكتب : ( الفزاعة)
محمد قدري حلاوة يكتب : ( الفزاعة)
- 21 مايو 2021, 8:20:57 ص
- 782
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بضعة قوائم من الخشب منتصبة مغطاة بقطعة قماش مهلهل وهيكل لرأس بشري مصنوع من القش.. ذلك هو "خيال المآتة" أو " الفزاعة"
التي يصنعها الفلاح ويغرزها في الحقل متمثلة في صورة إنسان لطرد الطيور التي تلتهم المزروعات..
لست أدري لماذا تذكرته عندما قرأت الإسم الهوليوودي الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العسكرية الفاشلة الأخيرة في غزة..
" حارس الأسوار" لم يكن أكثر من" فزاعة " عاجزة عن خداع الطيور المعربدة في سماء الأراضي المحتلة من صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية..
" حارس الأسوار" عملية فاشلة بكل المقاييس السياسية والعسكرية.. اللهم سوي نشر الخراب والدمار وهما أمران بدا معتادين وقابلين للإستيعاب والصمود في قطاع أعتاد الحصار والدمار والتضحية بالشهداء عقودا عديدة..
الحكم بفشل الحارس الكليل عن حماية أسواره ليس حكما عاطفيا أو هو وليد لحظة إنتشاء بمقاومة باسلة.. هو حكما موضوعيا بكل المقاييس يحمل في طياته أسباب منطقيته وحسمه..
السبب الأول: أن المقاومة الفلسطينية هي وللمرة الأولى التي تبادر بالبدء في الصراع.. ليس بسبب هجوم إسرائيلي أو إغتيال أحد قادة المقاومة تلك المرة..
ولكن تضامنا مع أحداث "حي الشيخ جراح".. وكأن المقاومة تقدم إعلانا له توابعه فيما بعد بأن المقاومة صارت حاملة لواء الدفاع عن " القدس" وكافة قضايا الفلسطينيين حتى ولو كانت داخل الخط الأخضر..
السبب الثاني : التضامن التام بين كافة الفلسطينيين ( عرب ١٩٤٨ _ الضفة الغربية بعد طول سبات منذ نهاية الإنتفاضة الثانية _ قطاع غزة)
بل وأثبتت وحدة الفلسطينيين وهشاشة كل تلك التقسيمات ولا سيما فيما هو قادم من قضايا الصراع..
وهو ما سبب إنقساما شديدا داخل الدولة الإسرائيلية ( والتي تضم عرب ١٩٤٨ بالطبع).. وستعمل إسرائيل بكل تأكيد فيما هو قادم من أيام على إعادة بث الفرقة والإنقسام داخل المجتمع الفلسطيني..
السبب الثالث : أن المقاومة نجحت في تغيير قواعد الصراع ومفاهيم الحسم العسكري.. فإسرائبل أعتادت منذ حرب العام ١٩٤٨ على خوض الصراع خارج أراضيها _ المحتلة
وهي الآن تضطر إلى أن تخوض الحرب داخل حيزها وتتحمل عواقب القصف المضاد في مجتمع غير مهيأ لذلك وغير مستعد لتحمل التضحيات ( والحقيقة أن المقاومة اللبنانية هي أول من غيرت قواعد اللعبة منذ حرب العام ٢٠٠٦)
السبب الرابع : أن المتتبع لتاريخ الصراع وخصوصا حروب الأعوام ٢٠٠٨ و٢٠١٤ على قطاع غزة يلحظ نقلة نوعية في أساليب المقاومة وتطور سلاحها ومدي دقتها
وهي قادرة على إكتساب مزيدا من الدقة والفاعلية في قادم الأيام _ .. وهو الأمر الذي فاجئ إسرائيل وجعلها عاجزة ولأول مرة عن تنفيذ هجومها البري اللاحق دائما للقصف المدفعي والجوي تحسبا للمزيد من المفاجآت والخسائر
الأمر الذي يمثل هزيمة عسكرية في حد ذاته فضلا عن الفشل الإستخباراتي والأمني والذي تمثل في عدم القدرة على إصطياد رؤوس المقاومة
كما كانت تفعل في كل مرة الأمر الذي يشير من وجه آخر في نجاح المقاومة في الحد إلى درجة فائقة من ظاهرة العملاء داخل القطاع..
السبب الخامس : يمكن ترجمة كل هذا الفشل في الرعب الذي طغا على الساحة السياسية الإسرائيلية من بضعة صواريخ معدودة أطلقت من جنوب لبنان
خوفا من إتساع رقعة المعركة لتشمل جبهتين.. وهو الأمر الذي تتحاشاه إسرائيل بكل الوسائل والأساليب..بل وغير قادرة على تحمل نتائجه وعواقبه
السبب السادس : الإرتفاع الملحوظ في نسبة التعاطف العالمي والتفهم لإنسانية القضية الفلسطينية والذي تمثل في مسيرات تضامن وتعاطف مع الحق الفلسطيني في شتى أرجاء العالم
لم تخلو منه حتى ملاعب الكرة _ وهو الأمر الذي ينبئ ببداية إنهيار الرواية الإسرائيلية وأساطير المجتمع الديموقراطي الصغير الذي يدافع عن نفسه وسط غابة من الدكتاتورية وضد الإرهاب..
السبب السابع : أن الحرب الفاشلة الأخيرة أسقطت أوهام حصار التيار المقاوم عن طريق التطبيع مع دول الطوق الخليجي
بل وقد تكون قد كشفت لدعاة التطبيع هشاشة رهانهم وهرولتهم لكيان صار عاجزا حتى عن حماية ذاته ( فضلا عن سقوط أوراق التوت الذي لا يتوقف عن عورات بعض دعاة الفكر والثقافة والتنظير السياسي)..
لذلك لا يعد غريبا قبول إسرائيل للهدنة دون قيد أو شرط.. ولعله يعد إعلانا للهزيمة المحققة أكثر من كونه مجرد قبولا لوقف إطلاق النار وهو ما ينقل الصراع للساحة السياسية الإسرائيلية في مستقبل الأيام القادمة..
بقى أن ننوه للموقف المصري الداعم للمقاومة الفلسطينية والمتجاوز للخلافات الأيدلوجية والمرجعيات الفكرية لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية وما صاحبه من حملات دعائية
وحالة الثقة والتواصل مع تلك الفصائل وهو ما يمكن البناء عليه في قادم الأيام لإستعادة الدور المصري وإمتلاك أوراق ضغط قوية في التفاوض في كافة صراعات المنطقة
( ولعل في العلاقة بين إيران وحزب الله وما تعطيه تلك العلاقة لإيران من قوة تفاوضية في. العديد من قضايا المنطقة نموذجا)
التي ستشهد بكل تأكيد تغيرا في الكثير من قواعد اللعبة الكلاسيكية منذرة بولادة لعبة جديدة لن يستطيع التفاعل معها والدراية بقواعدها سوي من يملك أوراقا تفاوضية يجيد طرحها وقراءة المشهد المتغير بحدة وسرعة كثيرة..