- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
محمد قدري حلاوه يكتب : جمال حمدان
محمد قدري حلاوه يكتب : جمال حمدان
- 8 يوليو 2021, 8:38:55 م
- 804
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شخصية مصر
كأنك خضت في أرضها وسهلها ودلتاها وفيافيها ودروبها.. كأنك قبضت بكفيك على كل ذرة تراب وحبة رمل فيها.. تدرس وتحلل.. تفرز وتثمن .. كأنك توغلت في أعماق الحشا وسرت مع كرات الدم في عروقنا .. تشخص وتصف.. قسوت علينا نعم.. صفعتنا بالتأكيد.. لكنك كنت كالسائر في البرية والصادح فيها تنبهنا علنا نصحو ونفيق..هذا موقعكم.. وهذا موضعكم.. ذلك هو الداء.. وذاك الدواء.. كنت تزيل طبقات من الخضوع والغفلة قد تكلست في العقول والروح.. لكنك لم تكن تعلم أنها قد إلتصقت بالعقل والمخيلة والروح .. إلتحمت بها.. صار في إستئصالها مخاطرة بالحياة ذاتها .. بأعرافها الفجة وطقوسها الخانعة وسيرورتها الفاسدة التي غمرتنا وسقطنا فيها.. الحقيقة صافعة دائما.. مؤلمة أبدا.. لذلك تركناك وحيدا.. صمت آذاننا عن صرخاتك..
أعتزلت في محرابك تكتب وتكتب وتحذر وتنبه.. أصررت على. العزف منفردا.. بعيدا عن صخب الجوقة الزاعقة.. لم نأبه كثيرا لعزفك وترددات رجع أنغام كمانك الذبيحة.. كنا نميل على دق آلات الإيقاع.. هذا زمن الطبول والدفوف.. أستراح الكمان وأنت تميل عليه بعنقك كأنك تحتضن الوطن.. تعزف وتعزف.. كنا في غطاء عنك.. نتكئ على طاحونة السعي ومرارة العيش ومتطلبات الحياة تكأة وتبريرا .. نحيا حياة السائمة نأكل ونتجرع ونتناسل..نعتذر بالإنشغال حينا وبالظروف أحيانا.. لم نهتم بالأسباب التي دفعتك للإعتكاف وهجران المجتمع.. حتى ميتتك الغامضة لم تثر في أذهاننا كثير حزن أو مبالاة.. كأننا إسترحنا بموتك..وسكوت صوتك.. على إستحياء نتصفح كتابك بين فينة وأخرى.. مازلت تصفعنا بعباراتك.. وتحرقنا بصدقك.. وتذهلنا بدقة وبراعة منطقك.. ومازلنا سادرين.. لاهين.. نصارع الحياة وتصارعنا..كأننا أشباحا وظلالا لموتي غابرين.. ومازلت يا "حمدان" حيا شاخصا ناطقا بالحقيقة.. من قال أن الكلمة تموت؟.