- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد هنيد يكتب: هل أجهِضت أحلام التغيير
محمد هنيد يكتب: هل أجهِضت أحلام التغيير
- 15 يونيو 2023, 6:07:51 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا شك في أننا نعيش اليوم مرحلة جديدة من أطوار المنطقة والتي تختلف عن سابقتها رغم كونها تعتبر امتدادا طبيعيا لها. نعيش اليوم طور ما بعد الربيع العربي وثوراته التي أحدثت في المنطقة تغيرات عميقة وجذرية سواء على المستوى المادي الملموس سياسيا واجتماعيا واقتصاديا أو على المستوى الذهني والفكري الأعمق.
الثابت أولا أن هناك طورا قد انتهى وأن طورا جديدا هو بصدد التشكّل على كل الأصعدة. الثابت ثانيا هو أن الطور الجديد يحمل في طياته عناصر أساسية من الطور السابق هي التي ستحدد طبيعته وأبعاده رغم اختلاف السياق المستجدّ.
ملامح الطور الجديد
يمثل استقبال بشار الأسد وتطبيع العلاقات الرسمية معه تحت قبة الجامعة العربية العنوان الأبرز للمرحلة الجديدة وهو ما يعني إقفال الطور الأول وتدشين الطور الثاني. إنه اعتراف رسمي بأن كل المجازر والمذابح التي ارتكبت في حق شعب سوريا بما فيها استعمال السلاح الكيماوي ضد الأطفال لا تعني للنظام الرسمي العربي شيئا بل هي امتداد للعرف السائد القديم.
استقرت أوضاع الاستبداد من جديد أو هكذا يبدو لها، وخرجت الشعوب من محرقة الثورات منهزمة ولم تحقق شيئا رغم كل الآمال التي كانت معلقة على ربيع الشعوب ورغم كل التضحيات والشهداء والدماء التي سالت.
ليس مدار الحديث هنا عن أسباب الفشل، لكن لا بد من التذكير بأنّ النخب العربية كانت أهم المساهمين في إفشال الثورات وفي عودة الاستبداد. هاته العودة القوية ترسخ من جهة أولى أدوات القمع القديمة التي استعملت للتنكيل بالجماهير وتفتح من جهة ثانية أبواب نهب الثروات والتفريط في أسس السيادة.
الثابت الأكيد إذن هو أن موجات التغيير القادمة ستفتح المنطقة على المجهول خاصة وأنّ المساعي والمحاولات لتفادي هذا الاحتمال باءت كلها بالفشل. فمن جهة أولى يرفض النظام الرسمي العربي كل الحلول السلمية المطالبة بفك نطاق الاستبداد وفتح مجالات المشاركة السياسية وفصل السلطات. ومن جهة ثانية تتفاقم الأزمات الاجتماعية وتستفحل البطالة وتتضاعف أعداد المهاجرين وتختفي الطبقة الوسطى وينتشر الفقر وهو ما سيؤدي حتما إلى الانفجار.
ليس تراجع الموقف العربي إقليميا ودوليا إلا وجها من وجوه هذه المرحلة الجديدة وهو ما يؤكد أنّ المنطقة تسير في اتجاه أزمة خانقة لن يطول انتظارها. فعلى الجبهة المقابلة لا تزال الأسباب التي نتجت عنها ثورات الربيع قائمة بل إنها ازدادت عمقا مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بكل دول المنطقة.
إن المرحلة الحالية تقوم على أساسين، أولهما إخضاع المجتمعات والشعوب بالوسائل القمعية القديمة التي تصل إلى حدود المجازر والمذابح إذا اقتضى الأمر، وهو السبيل الوحيد لبث الرعب في صفوف الجماهير لأنه الفاعل الأنجع قدرة على شلّ حركاتها. ثانيا، يستوجب هذا الأمر من جهة مقابلة الحرص على منع انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة بسبب تفاقم الأزمات الاجتماعية لأن الناس التي لا تخرج للمطالبة بالحرية والكرامة ستزحف إلى الشوارع بسبب الجوع.
حتمية سقوط الطور الجديد
السؤال هو التالي: ما هي حظوظ النظام الرسمي العربي في فرض واقع الاستبداد والفساد على الشعوب اليوم؟ لن تكون الإجابة عن السؤال صعبة لأن المعطيات الواقعية على الأرض تؤكد أن نجاح هذا النظام في إجهاض الثورات ومنع كل محاولات التغيير السلمية عبر محاربة الفساد وإطلاق الحريات واحترام كرامة الإنسان، لا يعني قدرته على تفادي انفجار الوضع اليوم أو غدا.
ينبني هذا الإقرار على قوانين الاجتماع البشري نفسها إذ لا يمكن إبقاء المنطقة في الحالة التي هي عليها اليوم ومنعها من الانفجار والنار مشتعلة في كل مكان. إن حالة الاحتقان التي تعيشها كل الدول العربية قد وصلت إلى مستويات خطيرة مثلما هو الحال في مصر مثلا، حيث توشك الأزمة الاجتماعية الناجمة عن ارتفاع الأسعار على إحداث هزات عنيفة وغير مسبوقة.
لقد نجح النظام الرسمي العربي في فرض سردية محاربة الإرهاب والإسلام السياسي والفوضى الخلاقة والربيع العبري، لكنه لن يكون قادرا على إقناع الناس مجددا بهذه السرديات بعد أن زج بكل المعارضين في السجون والمعتقلات. فالوضع الاجتماعي لملايين الناس يزداد سوءا يوما بعد يوم وشبح المجاعة يتهدد دولا كثيرة صارت غير قادرة حتى على توفير الطعام والمواد الأساسية لشعبها.
هذا الوضع الجديد هو الذي سيكون حاسما في إطلاق موجة التغيير القادمة والتي لن تكون شبيهة بسابقتها بل ستعمل على تجاوز الأخطاء التي ارتكبتها والمطبات التي سقطت فيها. صحيح كذلك أن أغلب المدارس السياسية والتيارات الفكرية قد برهنت عن إفلاسها وعن عجزها عن تحويل ثورات الشعوب إلى مسارات سلمية للتغيير، وهو معطى سيكون حاضرا بقوة في موجات التغيير القادمة.
لا بد من الإشارة من جهة ثانية إلى أن حتمية التغيير هذه لا تعني بالضرورة الدخول في مسارات موصلة إلى بر الأمان، بل إنها ستكون أشبه بموجة رافضة لتواصل الحالة الراهنة دون القدرة على التنبؤ بمخرجاتها ونتائجها. إن الوهن الذي أصاب العقل العربي ونخبه السياسية والفكرية هو الذي يدفع إلى هذه الخلاصة، خاصة أن المجتمعات تعاني حالة متقدمة من الضعف والتشتت وانعدام القدرة على الفعل والبناء.
الثابت الأكيد إذن هو أن موجات التغيير القادمة ستفتح المنطقة على المجهول، خاصة أنّ المساعي والمحاولات لتفادي هذا الاحتمال باءت كلها بالفشل. فمن جهة أولى يرفض النظام الرسمي العربي كل الحلول السلمية المطالبة بفك نطاق الاستبداد وفتح مجالات المشاركة السياسية وفصل السلطات. ومن جهة ثانية تتفاقم الأزمات الاجتماعية وتستفحل البطالة وتتضاعف أعداد المهاجرين وتختفي الطبقة الوسطى وينتشر الفقر، وهو ما سيؤدي حتما إلى الانفجار.
هذا الطور الجديد سيكون بلا شك آخر أطوار النظام الرسمي العربي الذي استنفد كل شروط بقائه، لكنه لن يرحل قبل أن يفتح المنطقة على المجهول.