- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مدى الفاتح يكتب: مخاطر الإنترنت: الأطفال والإباحية
مدى الفاتح يكتب: مخاطر الإنترنت: الأطفال والإباحية
- 1 أغسطس 2023, 4:31:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض الفيلم المصري، الذي حمل عنوان: «فيلم ثقافي»، قبل أكثر من عقدين من الزمان. كان الفيلم قد لاقى رواجاً حينها بمعالجته لموضوع لم يطرق سابقاً، وهو مشاهدة الشباب للأفلام الإباحية، التي أطلق عليها اسم «الأفلام الثقافية».
تذكُّر هذا الفيلم اليوم يمكنه أن يوضح لنا النقلة الكبيرة، التي حدثت على صعيد سهولة الوصول للمواد الإباحية، فقد كانت حبكة الفيلم، على ما فيها من كوميديا، تشير إلى حقيقة يعرفها من عاصروا سنوات التسعينيات، وهي أن الحصول على هذه المواد لم يكن سهلا، كما أن التمكن من مشاهدتها بعد الحصول عليها كان أيضا تحديا كبيراً لا يخلو من مغامرة ومخاطرة، تبدأ بالحصول على الفيلم، الذي كان تداوله يدخل في كثير من الدول في حكم الجريمة، ثم جهاز الفيديو، وأخيرا البحث عن مكان مناسب وبعيد عن الرقابة وأنظار المتطفلين. كان ذلك أمرا معقداً، بل إن صعوبة اجتماع كل هذه المطلوبات هو ما شكل المفارقات، التي بنيت عليها قصة «فيلم ثقافي».
مع انتشار الإنترنت، وسهولة الحصول على هواتف خاصة ومتصلة بالشبكة العالمية، أصبح الوصول إلى المواد الإباحية سهلا ومجانياً. ترافق ذلك مع تغيير أخلاقي وقيمي واسع على صعيد الرسالة الإعلامية، حيث أصبحت الإشارات الجنسية مبذولة في الكثير من المنصات، بدءا من القنوات التلفزيونية، التي أصبحت شديدة الجرأة مقارنة بما كانت عليه في أيام العولمة الأولى، ونهاية بالتطبيقات المتعددة.
البديل عن الحظر أو المنع، الذي يكون في كثير من الأحيان شبه مستحيل، هو تعزيز قيم الضمير والرقابة الذاتية والخوف من الله
قضية مثل تعرض الأطفال إلى مشاهد إباحية لم تكن محل نقاش في السابق، إلا ربما في الدول الغربية، التي سبقت إلى عرض ما صنفته بأنه «للكبار فقط». في العالم العربي، وحتى نهاية القرن العشرين، كانت أغلب القنوات شديدة المحافظة، فكانت تحذف دون تردد، وبدرجة من التشدد، كل المشاهد والألفاظ، التي ترى أنها خادشة للحياء، أو غير صالحة للعرض العائلي. بجانب كل ذلك كان الشباب، الذين حصلوا، بطريقة ما، على الأفلام أو المجلات الجنسية، يحرصون على ألا يطلع على هذه «الممنوعات» أي طفل، ليس فقط حرصا على سلامة الأطفال، ولكن أيضا لضمان ألا يتم اكتشاف مغامرتهم، فقد كانت هذه المواد، المتداولة في نطاقات ضيقة، مرتبطة بالعيب والحرام، حتى في أذهان من يتداولونها، حيث كان الجميع يخجل من أن يقبض عليه متلبسا بها. اليوم أصبحت قضية تعرض الأطفال لمقاطع إباحية مطروحة بقوة، ليس في الدول الغربية فقط، ولكن في كل مكان يدخله الإنترنت، سواء في ذلك الدول التي «تحاول» أن تقوم بفلترة أو منع المواد الإباحية، أو الأخرى، التي لا تتدخل وتعتبر الأمر خيارا شخصيا. صحيح أن التحدي أكبر في الدول الغربية الليبرالية، التي تفضل ألا يكون هناك أي نوع من الرقابة العامة على محتويات الشبكة العنكبوتية، ما يجعل الوصول إلى كل المواد سهلا، إلا أنه من المبالغة القول إن الأمر بلا خطورة في مجمل دول الجنوب، بما فيها الدول العربية أو الإسلامية. يعود السبب في ذلك إلى أن كل إجراءات السلامة والأمان، في شقها الحكومي الرسمي، أو على المستوى العائلي، الذي يعتمد على تفعيل أنظمة الرقابة الأبوية، تبدو غير قادرة على تقديم ضمانة نهائية بسلامة المحتوى، حتى أن إحدى العبارات الصادمة، التي يرددها المختصون في هذا المجال هي، أن السؤال ليس حول ما إذا كان طفلي سيتعثر بموقع أو صورة إباحية، خلال إمساكه بجهاز الهاتف أو الحاسوب، وإنما متى؟، فالمسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت. نأخذ هنا في الاعتبار أننا نعيش في عالم تسيطر عليه البرامج والتطبيقات، التي تطل على حياتنا عبر الأجهزة المختلفة وتؤثر فينا لنبدو في حالة أقرب ما تكون إلى الإدمان عليها. الأسوأ من ذلك هو أننا ننقل ذلك الإدمان لأطفالنا، الذين يقلدوننا وهم يرون كيف نتسمر لساعات ممسكين بأجهزتنا، نحن نعلم الأطفال أن هذه الأجهزة مسلية حين نمنحهم الهواتف النقالة ليلعبوا بها اتقاء لشقاوتهم وإزعاجهم، منذ سنواتهم الأولى. من المحزن التفكير في أن طفلا في عمر العاشرة قد يمر أثناء التصفح أو اللعب بصفحة إباحية، أو مقطع خادش لبراءته، ولكن ذلك، للأسف، أمر غير مستبعد، بل لا يساعد استبعاده في الأذهان كثيرا على منعه، وإذا كان ذلك حادث لا محالة، فإن المطلوب ليس التجاهل وغض الطرف، وإنما معرفة التصرف الأمثل لمواجهة مثل هذا التحدي. لهذا ربما يجب علينا أن نبدأ بالتحضير لذلك، حتى قبل أن يتعرض الطفل لهذا الموقف عبر إخباره، بطريقة مناسبة، بأنه ربما يمر على صفحات سيئة فيها رجال ونساء عراة ويقومون بأفعال غريبة. هذا التحذير مهم، ففي كثير من الأحيان يصدف أن نبحث عن شيء جاد، فيقترح علينا ذكاء محركات البحث مواد إباحية، وهو ما يحدث أيضا في حال أخطأنا في كتابة كلمة ما. إذا كان ذلك يحدث لنا، نحن البالغين، فيجب أن نتوقع أن يحدث لأطفالنا أيضا خلال بحثهم عن أشياء بريئة أو حتى فيديوهات كارتون.
يجب أن يعلم الطفل ما تعنيه كلمة «إباحية»، ويمكن للأهل بالطبع اختيار أي مترادف مناسب للكلمة لتوضيح المقصود.. علينا أن نتذكر هنا أن الأطفال يكونون شديدي الفضول قبيل المراهقة، وهو فضول يجب أن يتم إشباعه بشكل صحي وضمن دفء العائلة، خاصة في كل ما هو متعلق بالأمور ذات الطبيعة الجنسية، لأن البديل سيكون الاستماع لآراء رفقاء المدرسة أو الشارع. لنعلم أنه إذا لم يتم تحذير الطفل بشكل مسبق، فإن أول ما سيفعله، حين يستمع إلى كلمات أو حديث مرتبط بمثل هذه الموضوعات، هو أن يعود إلى جهازه ويبدأ بالبحث بنفسه. من هنا تأتي أهمية التوعية الأسرية بأن هذه أشياء سيئة يجب عدم الاطلاع عليها، وبأنه يجب غلق الجهاز مباشرة، إذا ما ظهرت على الشاشة بأي شكل. ندرك أن الحديث مع الأطفال حول هذا الموضوعات يبدو بمثابة التحدي، حيث يبقى الأهل بين الخوف من الإساءة لبراءتهم، والرغبة في التوعية. لكن الحل الوحيد المتاح، ليس التهرب، وإنما اختيار الكلمات والطريقة المناسبة. وفق الخبراء، فإن طرح هذا الموضوع في شكل نقاش ثنائي بين الطفل وأحد الوالدين، هو أفضل من طرحه أثناء اجتماع عائلي، لما يحمله هذا النوع من النقاشات من الخصوصية والحميمية، يعيدنا هذا لأهمية الحوار العائلي بشكل عام وأهمية وجود علاقة صحية بين أفراد العائلة.
مع كل ما تم سرده، إلا أنه يجب علينا أن لا نصاب بالهلع لدرجة التفكير في أفكار من قبيل التخلي عن الإنترنت، ففي عالم اليوم يستخدم كثير من المعلمين الوسائط والبرامج كمنصات تعليمية سواء للعلوم المدرسية، أو اللغات، أو حتى لتحفيظ القرآن، وهو ما يجعل حرمان الأطفال من كل ذلك أمرا غير عملي. إذا كان الأمر كذلك، فإن البديل عن الحظر أو المنع، الذي يكون في كثير من الأحيان شبه مستحيل، هو تعزيز قيم الضمير والرقابة الذاتية والخوف من الله، التي تجعل الطفل يكبر وهو يستشعر الخطأ، ولا يتمادى فيه، حتى لو كان وحيدا أو بعيدا عن الأهل.