- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مزهر الساعدي يكتب: الاتفاقية السعودية الإيرانية: قراءة قد تكون مختلفة
مزهر الساعدي يكتب: الاتفاقية السعودية الإيرانية: قراءة قد تكون مختلفة
- 15 أبريل 2023, 3:31:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل عدة أيام تم الإعلان عن الاتفاقية الإيرانية السعودية، برعاية صينية؛ ولم تكن الاتفاقية مفاجئة، فقد سبقتها مفاوضات عبر وسطاء، إنما المفاجأة هي الرعاية الصينية لها. مما لا شك فيه؛ أن الإيرانيين صمدوا في مواجهة العقوبات الأمريكية خلال عدة سنوات وإلى الآن، لم يتنازلوا عما أعلنوه من شروط العودة إلى الصفقة النووية بينهم وبين الدول الكبرى، إلا على الشروط ذاتها، التي بموجبها تم عقدها بين إيران والدول الكبرى، وانسحبت أمريكا ترامب منها.
وخلال سنوات تولي بايدن الإدارة الأمريكية، واختيارها طريق الدبلوماسية في التعامل مع إيران العتبة النووية؛ لم يتوصل الجانبان الإيراني والأمريكي إلى اتفاق لإعادة إحياء الصفقة بينهما، مع أن جهود الجانبين كانت تجري على طريق إعادة العمل بها، إيران أثناء هذه المفاوضات؛ كانت ترفع درجة تخصيب اليورانيوم حتى وصلت إلى 60%، وهي محاولة للضغط على الجانب الأمريكي أولا، وثانيا الوصول إلى العتبة النووية ووضع الخصم أمام الأمر الواقع، لكن كل شيء تغير عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، التي غيرت الاصطفافآت على جميع الأصعدة، كما أن مشهد صراع القوى الدولية تغير، فقد بات العالم مختلفا عن عالم ما قبل الحرب في أوكرانيا. كما أن أولويات الولايات المتحدة هي الأخرى تغيرت. في ظل هذه الأوضاع الدولية والاقليمية؛ القيادة الايرانية والمقصود حصريا السيد علي خامنئي؛ استثمرت هذه التغيرات بالاستفادة منها إلى أقصى حدود الاستفادة والاستثمار فيها، وهذا هو ما نجحت فيه إيران، نجاحا واضحا لا غبار عليه، ولا تشويش في رؤية مديات تأثيراته في الاقتصاد الإيراني، وفي مراكز مؤثراته خارج حدودها الجغرافية. القيادة الإيرانية المعروف عنها؛ أولا القدرة على الاستثمار في أي متغير لصالحها بطريقة براغماتية، حتى إن تعارض مع الأيديولوجية التي ترفع شعاراتها عاليا في كل حين، لأن هذه الأيديولوجية تسمح لها؛ بممارسة اللعبة إن اقتضتها الظروف والأحوال. وثانيا تمتع هذه القيادة بالقدرة على الصبر لعدة سنوات بانتظار الظروف المواتية. وثالثا، تمتعها بالذكاء في إدارة الأزمات والصراعات مع الخصوم. ورابعا، امتداداتها الإقليمية التي شكل البعض منها؛ رئة يتنفس بها الاقتصاد الإيراني، فيما شكل البعض الاخر؛ عصا للضغط على الخصوم.. تحت هذه الظروف والأحوال الإقليمية والدولية، بما تحمل من تغييرات وتحولات على جميع الصعد؛ تم عقد اتفاقية بين إيران والمملكة العربية السعودية، برعاية صينية في بكين. بعد مفاوضات استمرت لأكثر من سنة، عبر وسطاء من العراق وسلطنة عُمان. أهم ما جاء فيها؛ هو إعادة العلاقات الدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمحافظة أو العمل على استقرار المنطقة، والاستثمار الاقتصادي المتبادل.. هذه الاتفاقية مهمة في نشر السلم والاستقرار في المنطقة، والمشاركة في وضع الحلول للمشاكل التي تعاني منها دول المنطقة العربية، وبالذات في اليمن، كما في غيرها.. هذا إذا صحت وصدقت نوايا الدولتين في تنفيذ ما اتفقتا عليه في الأشهر المقبلة، خصوصا أن هذه الاتفاقية تم إبرامها برعاية صينية، وأنها إجراء بالعمل على تفعيل ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقيتين السابقتين؛ الأولى في عام 1998 بعد أن أصدر الكونغرس الأمريكي ما عرف في وقتها بقانون حرية العراق.. والثانية في عام 2001 بعد أن وضعت إدارة بوش غزو واحتلال العراق هدفا مقبلا بعد أفغانستان.. الاتفاقية السعودية الإيرانية مهمة لكلا الدولتين في ظل الظروف الإقليمية والدولية، فالسعودية لا تريد أن تكون طرفا في أي صراع مقبل بين إيران وأمريكا وإسرائيل من جانب (هذا الصراع لن يحدث أبدا، أي أن أمريكا وإسرائيل لن تهاجما إيران داخل حدودها الجغرافية ولو بطلقة مسدس.. لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه السطور). أما من الجانب الثاني فهي تحاول أن تجد حلا لمشكلة اليمن التي استنزفت بعض قدراتها، وتحمي أمنها الداخلي..(الحل في اليمن سوف يرضي إيران وبدرجة ما السعودية؛ وينحصر في إعادة اليمن الى ما كان عليه قبل الوحدة، أو في أحسن الأحوال تحويل اليمن إلى كونفدراليتين، أي دولتين مستقلتين في دولة موحدة) في ظل تخلي الشريك الأمريكي عن الدعم الحقيقي لها في السنوات السابقة، التي تعرضت فيها مراكزها النفطية إلى هجمات الحوثيين.
الحرب غيرت الاصطفافات، كما أن مشهد صراع القوى الدولية تغير، وبات العالم مختلفا عن عالم ما قبل الحرب في أوكرانيا
أما إيران فحاولت في السنوات الأخيرة، وبشكل محموم تبريد الأجواء بينها وبين دول المنطقة وبالذات دول الخليج العربي وعلى وجه الحصر المملكة العربية السعودية. هذه المحاولات تواصلت من اللحظة التي تلت انسحاب أمريكا ترامب من الصفقة النووية، وتعرضها لعقوبات اقتصادية قاسية، وقيامها برفع درجة تخصيب اليورانيوم كأداة ضغط على الخصم الأمريكي، ومواصلتها هذا الرفع حتى بلغ ما بلغ من مستواه وكميته؛ وحتى تم الاتفاق بينها وبين المملكة العربية السعودية مؤخرا.. بالإضافة إلى كل ذلك؛ فإن إيران تريد إرسال رسائل طمأنة إلى جوارها العربي، مفادها أن إيران عنصر أمن وسلام واستقرار، في المنطقة العربية وفي جوارها، فمهما بلغت من قوة عسكرية، فإن هذه القوة عامل أمن وسلام واستقرار في المنطقة، وهذه القوة مع قوة جوارها العربي قادرة على حماية السلام والاستقرار والتجارة الدولية في المنطقة، من دون تدخلات خارجية، ومن دون وجود الأساطيل الأمريكية.. إذا ما عدنا إلى الصفقة النووية، وما هو جار حول إعادة العمل بها من مفاوضات، أو رسائل بين أمريكا وإيران؛ نلاحظ أن الموقف الإيراني منها قد تغير بدرجة كبيرة جدا، وليس أمريكا كما تروج له تصريحات المسؤولين الأمريكيين، حتى إن الولايات المتحدة طرحت أخيرا، الاتفاق الجزئي، وهو طرح ليس بجديد فقد تم طرحه قبل مدة، ورفضته إيران. أعتقد أن إيران ستستمر في رفضه، إلا إذا تضمن الاعتراف بها كدولة العتبة النووية مع الاحتفاظ بكل اليورانيوم المخصب بدرجة تخصيب عالية إلى حد ما، وهذا من المستحيل أن تعترف به أمريكا. كما أن إيران لم تعد تهتم أو أن إعادة العمل بالصفقة النووية لم يعد يقع في سلم أولوياتها في ظل المتغيرات التي احدثتها الحرب في أوكرانيا. فقد فُتح الكثير من الأبواب أمام إيران وفي جميع الحقول الاقتصادية والعسكرية والتسليحية والمالية والتجارية. منها أن إيران لها القدرة الآن على تصدير كميات ذات قيمة اقتصادية ومالية من النفط والغاز، على الرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكية القاسية عليها، كما أن إجماع الدول الكبرى على إجبارها على الانصياع لما تريد هذه القوى الكبرى؛ من صياغة اتفاق جديد، لم يعد قائما. عليه فإن إعادة العمل بالصفقة النووية أمر بات عسيرا وصعبا إن لم اقل مستحيلا؛ لأن القيادة الإيرانية ليست من الغباء بحيث تجعل هذه الفرصة، أو اللحظة التاريخية تفلت من بين يديها. كما أن أمريكا ليس في وارد سياستها الاعتراف رسميا بإيران العتبة النووية. لذا فإن الأمر سيظل على ما هو عليه في الأشهر المقبلة وربما السنوات المقبلة، حتى تحسم إيران ذات يوم موقفها، أو أنها ستفاجئ العالم بإعلان ما طمحت إليه كواقع على الأرض بوضوح.. ما يعزز هذا الاعتقاد؛ تصريح مسؤول الطاقة النووية الإيرانية الأخير؛ من أن إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بالدرجة التى تريدها، ومهما كانت هذه الدرجة من التخصيب، وأضاف في التصريح ذاته، أن أمريكا فشلت في منع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية، فقد صارت إيران دولة نووية.
اعتقد خلال هذه الفترة الانتقالية؛ سوف تفي إيران بكامل التزاماتها التي تضمنها الاتفاق الايراني السعودي الأخير.