مصطفى إبراهيم يكتب: رمضان في غزة…”حرب المساعدات” والكذب

profile
أ. مصطفى إبراهيم كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
  • clock 16 مارس 2024, 6:40:54 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يستقبل الفلسطينيون في غزة شهر رمضان بالفقدان والحزن والقهر والظلم والاضطهاد طويل الأمد، وهم نازحون مشردون بعد أن أجبروا على مغادرة منازلهم، ليعيشوا التهجير والغربة والحزن المقيم والغضب والفقد وتشتت العائلات، والخوف المستمر من تلقي أخبار مفجعة، كل هذا في ظل جوع ما زالت إسرائيل مصرّة على استمراره.
في 21/2/2024 قُتل ابن أختي أمل الشاب محمد بعد قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية السيارة التي كان يقودها في مدينة رفح، وأصيب معه مواطنان كانا برفقته في السيارة، وبعد يومين أعلن الجيش الإسرائيلي عبر منشور (صحيفة اسمها “الواقع” يوزعها الجيش برميها من الجو) أنه نفذ عملية اغتيال صراف في رفح، وهو أحد الراكبين مع محمد في السيارة.


هكذا يستقبل الفلسطينيون في غزة شهر رمضان الكريم بالفقدان والحزن والقهر والظلم والاضطهاد طويل الأمد، وهم نازحون مشردون بعد أن أجبروا على مغادرة منازلهم، ليعيشوا التهجير والغربة والحزن المقيم والغضب والفقد وتشتت العائلات، والخوف المستمر من تلقي أخبار مفجعة.


يُضاف إلى ذلك كارثة الجوع ومنع إدخال المساعدات، وعدم قدرتهم على توفير الطعام المناسب، وندرة الطعام بأنواعه المختلفة وارتفاع الأسعار بشكل مجنون دون القدرة على الرقابة وحماية المستهلك، فهذه الحقوق نوع من أنواع الترف. عدا عن الاستغلال وسرقة المساعدات وعدم وصولها المحتاجين خاصة في مدينة غزة والشمال حيث أصبحت الأسعار فاحشة حتى لمن يمتلك المال.


الإذلال على معبر رفح


معاناة الناس أشكالها مختلفة، ولا تقف عند الطعام والجوع، والتدمير والقتل الممنهج، قبل أسبوع حصلت مريم، مريضة سرطان النازحة من مدينة خان يونس إلى منطقة المواصي غرب المدينة، على “تحويلة” للعلاج في الخارج، وسجّلت زوجها كمرافق معها للسفر عبر معبر رفح.


منع زوج مريم من السفر معها؛ لأنه دون الخمسين من العمر، بذريعة أن الشروط الإسرائيلية لا تنطبق عليه، وهي ذات الشروط التي كانت سارية المفعول على المرضى الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني. 


بعد يومين (الاثنين الماضي) حُدد موعد لها كي تسافر وابنتها كمرافقة لها، لكنها منعت من السفر لعدم حيازتها جواز سفر، وأعيدت إلى خان يونس، وفي ذات الليلة قتل ابنها وزوجها جَراء قصف إسرائيلي استهدف خيمتهم في المواصي.


لا يدرك العالم أهمية دخول المساعدات، فهي على شحها ونوعيتها المحدودة، الزاد الوحيد الذي يبقينا على قيد الحياة، سواء باستلامها من المؤسسات الاغاثية، أو من يتمكن من شرائها. 


في أول يوم من شهر رمضان، معظم الناس من يمتلكون المال ومن لا يمتلكونه، أفطروا بقوليات ومساعدات معلبة، والمحروم منها أهلنا في مدينة غزة شمالاً.


 في الصورة أدناه حصة المساعدات المقدمة من أونروا يوم الخميس في أحد مراكز الإيواء، الحصة ذاتها سواء كانت العائلة مؤلفة من شخصين أو 11 شخصاً، حصلوا على بيضتين و5 رؤوس بصل، ولفافتين من ورق الحمام، وقطعة صابون، حصلوا عليها بعد أسبوعين من عدم استلام المساعدات.


تجار الحرب


يعتمد سكان القطاع المحاصر إثر شح السلع والمواد الغذائية على المساعدات، التي يبيعها الكثيرون من أجل تأمين احتياجاتهم الأساسية المختلفة، ويستغل تجار الحروب حاجة الناس لاحتكار المساعدات وبيعها بأسعار باهظة الثمن.


تكلفة وجبة الإفطار المكونة من صحن سلطة (بندورة وخيار) وصحن شوربة عدس لعائلة مكونة من خمس أفراد، تصل إلى 70 شيكلاً، أي ما يعادل 20 دولاراً أمريكياً تقريباً.


كتبت صديقة على صفحتها الشخصيّة:”أشاركم صورة طعامي وكلي خجل، فبعض أفراد عائلتي وأصدقائي وأهل الشمال لا طعام لهم، ولكن لأجيب عن سؤال: لماذا دخول المساعدات مهم في حالة الحرب التي نعيشها؟، ولماذا يموت أهل شمال غزة جوعاً؟”.


تجيب نور: “لأنها باختصار العمود الفقري لنظامنا الغذائي الحالي، أنا نازحة في الجنوب و 90% ؜ مما على مائدتي حصلت عليه من المساعدات سواء مجاناً، أو اشتريتها ممن حصلوا عليها وباعوها، الأمر لا يهم إن كان لديك مال أو لا، فما نفع المال إن لم تجد ما تشتريه؟! ولكن يعتمد على وفرة الغذاء ونوعيته التي سُمح بدخولها إلينا”.


مطالب إدخال القوافل الإغاثية إلى شمال القطاع يجب أن لا تتوقف، وعليهم أن ينعموا بوصول آمن لها، ويجب أن تصان كرامة الجائعين وحياتهم، خاصةً الأطفال وكبار السن، فحصيلة قتلى المجاعة حتى الآن 27، منهم 21 طفلاً.


التجربة الفاشلة


قبل يومين سمحت إسرائيل بدخول 6 شاحنات مساعدات لمدينة غزة كـ”تجربة”، وذلك ضمن خطتها لإدخال المساعدات مباشرة دون جهة توزعها.


 فشلت “التجربة” ولم تصل المساعدات للناس، إسرائيل معنية بالفوضى، ولن تنجح تجاربها، وللأسف حتى الآن، لا يوجد موقف وطني موحّد لأخذ زمام المبادرة، إسرائيل تحاول بكل قوتها استبعاد حماس، وتجويع الناس.


أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن السفينة الإماراتية التي انطلقت من قبرص نحو غزة، ستصل الجمعة أو السبت القادمين، لتفرغ 200 طن من المساعدات الإغاثية على الميناء الأمريكي على شاطئ مدينة غزة لتوزيعها للسكان في غزة وشمالها. 


الأسئلة المتكررة هي: كيف ستُوَزَّع المساعدات؟ من الجهة التي ستستلمها؟ وهل ستسرق من اللصوص أم هجوم الجماهير الغفيرة؟، يبدو أن دولة الإمارات تعمل على إنقاذ أمدمن ورطتها، أو تساعدها على فرض سياساتها ضد الشعب الفلسطيني وإطالة أمد الحرب.


الإمارات شريك مع العالم المنشغل بمسرحية إنزال المساعدات من الجو، وإقامة ميناء لاستقبال المساعدات الإنسانية، إذ تكثر من التصريحات والمطالب بإدخال المساعدات، بينما الجيش الإسرائيلي مُستمرة بحرب الإبادة، والتجويع والتدمير والقتل اليومي في جميع مناطق قطاع غزة، والقضاء على ما تبقى من ملامح الحياة.


حجج الجوار الواهية


لا حجة لأي دولة مجاورة لغزة التي تتعرض للإبادة والمجاعة أن تدعي أن إسرائيل تمنع إدخال المساعدات، حتى مع افتراض انهيار منظومة القانون الدولي الإنساني، التي تقول إن من واجب الدولة المجاورة فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات ومنع المجاعة والإبادة الجماعية. 


فكيف لو كانت الدولة عربية، هذا واجب أخلاقي نابع من القيم الإنسانية للدولة الجار، والدفاع عنها حتى لو من خلال مصالحها السياسية والاستراتيجية.


يجب على إسرائيل، بصفتها قوة الاحتلال، توفير كل احتياجات الشعب المحتل وفق القانون الدولي، كالحق في تقديم الغذاء والحق في الصحة والعلاج والرعاية الصحية، وتسهيل وتسريع عملية تخليص الإمدادات الإنسانية وتسليم المواد الأساسية والحيوية.


حياة أكثر من مليوني إنسان تعتمد على هذا الواجب والحق، وليس هناك وقت لإهداره.


سياسة الحصار والعقاب الجماعي


ترفض إسرائيل حتى الآن إدخال المساعدات بكميات كبيرة، وتُطبق السياسة التي مارستها خلال عقد ونصف من الزمن، المتمثلة بالعقاب الجماعي والحصار وتحديد عدد السعرات الحرارية لكل إنسان في غزة.


تجويع الناس في قطاع غزة مخالفة طويلة الأمد للقانون الدولي العاجز عن معالجة الحصار باعتباره جريمة حرب، وفق ما تناولته تقارير المحققين الدوليين بعد الحروب المتتالية على القطاع خلال السنوات الماضية.


تتعمد إسرائيل خلق حالة من الفوضى، تمنع الشرطة في غزة من توفير الحماية لسيارات المساعدات، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي استهداف الضابط محمد أبو حسنة، نائب مدير عمليات الشرطة داخل مركز مساعدات تابع للأونروا وسط رفح.


 قُتل الضابط أبو حسنة وموظف يعمل في الأونروا، وأصيب عدد من الفلسطينيين، وحسب عائلته، أبو حسنة ضابط في الشرطة، ولا علاقة له بحماس، وأكدت عائلته أن الجيش الإسرائيلي اتصل به خلال الأيام الماضية، وطلب منه عدم الذهاب لعمله. رفض أبو حسنة، ولو كان له علاقة بحماس لبقي في بيته، أو اختفى عن الأنظار.


حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفض خطة قدمتها المؤسسة الأمنية لحماية قوافل المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة، من قبل عناصر مسلحة لا علاقة لهم بحماس، وذلك لمنع نهب وسرقة تلك القوافل.


أشار كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، أنه طالما قوافل المساعدات تدخل بدون تأمينها من قبل عناصر مسلحة، فإن نهب المساعدات لن يتوقف، سواء دخلت في شاحنات براً أو بحراً.


بحسب الخطة التي قدمت، العناصر التي ترغب المؤسسة الأمنية بالتواصل معها، ليسوا من أنصار حماس، ومن المفترض أن يكونوا أيضاً جزءاً من حل “اليوم التالي” للحرب في قطاع غزة، لتأمين الطرق الإنسانية لإمداد القطاع بالمساعدات.


قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن كل من في غزة، يعتمد على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة، إذ “يدخل القليل جداً منها بينما تزداد القيود”، وأشار إلى رفض إدخال شاحنة محملة بالمساعدات، لأنها كانت تحتوي على مقص يستخدمه الأطفال.


يضاف المقص الطبي إلى قائمة طويلة من المواد المحظورة التي تصنفها السلطات الإسرائيلية على أنها “ذات استخدام مزدوج” أي يمكن أن توظف كأسلحة.


 تشمل القائمة حسب عاملين في القطاع الإنساني تحدثوا مع CNN مواد أساسية، منها أدوية التخدير، والأضواء تعمل على الطاقة الشمسية، وأسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي، إلى جانب أقراص تنظيف المياه، وأدوية السرطان، ومستلزمات الأمومة، والتمر.
 

كلمات دليلية
التعليقات (0)