- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح قبرص –عام 829 هجرية
فتوحات رمضان
مصطفى إبراهيم يكتب: فتح قبرص –عام 829 هجرية
- 21 أبريل 2022, 12:28:06 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في شهر رمضان سنة829 هـ، فتح المماليك جزيرة قبرص للمرة الثانية بعدما فر إليها الصليبيون المهزومين من المماليك ومن قبلهم الأويبيين الأيوبيين..ولذلك كانت الروح الصليبية والرغبة في الانتقام والطمع في المجد والثروات هو ما يحرك هؤلاء الصليبيين للقرصنة والتعدي على المسلمين وسفنهم. .ففي عام 767 هــجري قام ملك قبرص بطرس الاول بغارة على مدينة الإسكندرية فنهبوها وفعلوا بأهلها أبشع الأفعال. وفشل السلاطين المماليك الذين كانوا في تلك اللحظة غارقين في مشاكلهم الإدراية والاقتصادية في دفع خطر هؤلاء..و حاول السلطان المملوكي سيف الدين برسباي عقد هدنة مع القبارصة لكنه فشل. .
وقد ظل حكام المماليك في مصر يتحينون الفرصة، وعقد السلطان الأشرف برسباي، العزم على فتح قبرص، وأرسل لها ثلاث حملات متتالية، ابتداء من سنة 827هـ،
فخرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ الموافق 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء "ليماسول"، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة.
شجع هذا الظفر أن يبادر برسباي بإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لغزو قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب من عام 828هـ الموافق مايوآيار عام 1425ميلادي مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.
وهكذا كانت الحملتان الأوليان لغرض الاستكشاف، واستطاع المسلمون من خلالهما التعرف على الجزيرة وقوة حكامها، وحققوا انتصارات، وعادوا محملين بالغنائم والأسرى، ثم جاءت القطرة التي أفاضت الكأس أو القشة التي قصمت ظهر البعير . .ففي يوم الثامن والعشرين من شهر رجب عام 829 هــ بلغ إلى السلطان المملوكي أن الفرنجة قد هاجموا أربع سفن تابعة للمسلمين وأغرقوها.. فطفح الكيل ببرسباي وعزم على الجهاد،
استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، و في يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر شعبان من العام ذاته 829 هجري انطلق المسلمون بقيادة الأمير تغردي المحمودي وإينال الجكمي من ميناء الإسكندرية متجهين لقبرص، مستقلين مائة وثمانون سفينة من رشيد في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، وصل المسلمون إلى قلعة ليماسول في 7 شعبان وحاصروا القلعة ودخلوها عنوة يوم الأربعاء 27 شعبان وقاموا بهدمها.ثم ساروا لاستكمال فتح الجزيرة ففي أول يوم من رمضان انقسم الجيش الإسلامي إلى فرقتين واحدة برية وأخرى بحرية. ثم جاء ملك قبرص يانوس بن جاك بن بيدرو في جيش أكبر من جيش المسلمين بكثير ودارت معركة حاسمة بين النصارى والمسلمين انتصر فيها المسلمين وأسروا الملك يانوس. ثم سار المسلمون إلى مدينة الأفقسية (نيقوسيا) عاصمة قبرص.
وكان الفرنج قد وصلوا في أربع عشرة سفينة حربية لقتال المسلمين. فما كان من أمر هذا الأسطول الصليبي إلا أن هزم هزيمة ساحقة وقتل 1500 صليبي. ثم فتحت الأفقسية (نيقوسيا) وأصبحت الجزيرة تحت حكم المسلمين (مؤقتا) ورجع جيش المسلمين مع 3700 أسير من بينهم ملك قبرص.
واحتفلت القاهرة برجوع الحملة الظافرة التي تحمل أكاليل النصر، وشقّت الحملة شوارع القاهرة التي احتشد أهلها لاستقبال الأبطال في (8 شوال 829هـ = 14 أغسطس 1426م)، وكانت جموع الأسرى البالغة 3700 أسير تسير خلف الموكب، وكان من بينها الملك جانوس وأمراؤه.
وحضرت الرسل للتهنئة من شريف مكة بركات بن عجلان ومن السلطان العثماني مراد الثاني والد السلطان الفاتح ومن السلطان التونسي الحفصي أبو فارس عبد العزيز. ثم أُحضر الملك يانوس إلى السلطان وهو راكب على حمار ويرسف في قيوده.فأمر السلطان بإدخاله على بقية الاسرى الصليبيين الذين صرخوا من الدهشة وقاموا بإلقاء التراب على رؤوسهم. لاحقاً أطلق الملك الأشرف ملك قبرص من السجن وأرجعه إلى بلاده مرغماً إياه على دفع جزية سنوية ضخمة لمصر مقابل استمرار ملكه لقبرص.
وقد سبق ذلك الفتح الأول لقبرص في العصر العباسي في عهد هارون الرشيد، بعد أن نشطت مهاجمة الروم للسفن الإسلامية، ففتح المسلمون قبرص في سنتي 174 هـ - 190 هـ وهكذا ظلت قبرص محل نزاع بين الروم والمسلمين في العصر العباسي.
وعقب ذلك أثناء الحملة الصلبية قاد ريتشاد قلب الأسد ملك إنجلترا قبرص في 587 هـ، وبعد فشل الحروب الصلبية هاجر العديد من الصليبين قبرص وبقي بها المارون حتي الآن، وأصبحت قيرص مركزاً لأعمال القرصنة ضد البلاد البلاد الإسلامية، فهاجم القبارصة مدينة الإسكندرية في سنة 767 هـ، مما اضطر المماليك إلى إرسال العديد من الحملات إلى قبرص، ونجحت إحداها في أسر ملك قبرص جيمس لوزنيان وحملته إلى القاهرة.
كما أعاد العثمانيون فتح قبرص عام 979 هـ، وقام الأتراك بالعديد من الأعمال التي أكدت حرية العقدية للقبارصة، وأعادوا للكنيسة الأرثوذكسية نفوذها بعد أن سلبها البيزنطيون هذا النفوذ لمدة ثلاثة قرون، وظلت تركيا تحكم جزيرة قبرص حتى سنة 1296 هـ، التي تم فيها توقيع معاهدة عرفت باسم التحالف الدفاعي، والتي كانت بمثابة قبول بالاحتلال البريطاني لجزيرة قبرص.