- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ممدوح الولي يكتب: تثبيت السعر الرسمي للدولار بمصر.. لكن السوق تتعامل بأسعار أعلى
ممدوح الولي يكتب: تثبيت السعر الرسمي للدولار بمصر.. لكن السوق تتعامل بأسعار أعلى
- 19 يونيو 2023, 4:35:22 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صرح الجنرال السيسي مؤخرا بأنه لن يقوم بتعويم جديد للجنيه المصري أمام الدولار، حسب مطلب المؤسسات الاقتصادية الدولية، لأن ذلك يضر بالمواطن بسبب تأثير تغير سعر الصرف في ارتفاع أسعار الواردات الغذائية والنفطية، واعتبر تثبيت سعر الصرف حاليا بمثابة أمن قومي.
وتساءل المواطنون أين كان هذا الكلام والدولة تقوم بخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، في آذار/ مارس من العام الماضي وتشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكانون الثاني/ يناير الماضي حتى وصل السعر الرسمي إلى 31 جنيها للدولار منذ أربعة أشهر؟ ألا يعتبر تضرر المواطنين الحالي وعدم استطاعة الكثيرين منهم شراء احتياجاتهم الغذائية إخلالا بالأمن القومي؟
وأين كان الجنرال ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية يتعهدان لمديرة صندوق النقد الدولي، بتحقيق المرونة لسعر الصرف في خطاب نوايا رسمي قام الصندوق بنشره في كانون الثاني/ يناير الماضي، وقام بمقتضاه بالموافقة على إقراض مصر 3 مليارات دولار تسلمت بالفعل القسط الأول منه؟
وهل يعني تصريح الجنرال أنه لم تكن هناك دراسة دقيقة لأثر خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، خاصة وأن حديث كل من محافظ البنك المركزي المصري ووزير المالية في اجتماعات الربيع الأخيرة، لكل من صندوق النقد الدولي والبنك، لم يتطرق إلى مسألة تثبيت سعر الصرف؟ وكان السائد بالأجواء الاقتصادية الدولية هو الاتفاق على ضرورة قيام مصر بخفض جديد للجنيه المصري، حتى تستطيع الحصول على القسط الثاني من قرض الصندوق، وحتى تستطيع بيع حصص من الشركات العامة لصناديق سيادية خليجية طلبت ذلك.
هل يعني تصريح الجنرال أنه لم تكن هناك دراسة دقيقة لأثر خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، خاصة وأن حديث كل من محافظ البنك المركزي المصري ووزير المالية في اجتماعات الربيع الأخيرة، لكل من صندوق النقد الدولي والبنك، لم يتطرق إلى مسألة تثبيت سعر الصرف؟ وكان السائد بالأجواء الاقتصادية الدولية هو الاتفاق على ضرورة قيام مصر بخفض جديد للجنيه المصري، حتى تستطيع الحصول على القسط الثاني من قرض الصندوق
البنوك لا تتعامل بالسعر الرسمي
وكان الخلاف بين تلك المؤسسات الاقتصادية هو توقيت تنفيذ الخفض الجديد، خاصة وأن البنوك المصرية لم تعد تتعامل مع كروت الائتمان -قبل وقفها- بالخارج على السعر الرسمي للدولار وإنما تضع عليه علاوة إضافية، وهو نفس الأمر مع سعر تدبير الدولار للمستوردين، بإضافة قيمة إضافية تحت مسمى علاوة تدبير عملة، وربما اقتصر السعر الرسمي على بعض الجهات الحكومية وليست كلها، وبما يعنى أن البنوك تتعامل عمليا على سعر أعلى من السعر الرسمي، وهو السعر غير الموجود في الواقع العملي، فلا يمكن لراغب في شراء الدولار من البنوك أن يحصل عليه بهذا السعر المُسجل على شاشات فروع البنوك.
ومن هنا فإن تلك الأجواء انعكست على التعاملات في الأسواق، حيث أصبح هناك أكثر من سعر للتعامل بالدولار، فهناك سعر لدى شركات الحديد كي تستورد به خامات التصنيع، وسعر لدى شركات السيارات لاستيراد السيارات به، وسعر لدى محلات بيع الذهب، وسعر لدى تجار المخدرات لتدبير العملة لاستيراد أصناف المخدرات به، وسعر لدى المضاربين الذين يسعون لتحقيق مكاسب من الفارق السعوي بين سعر الشراء وسعر البيع الدولار.
وكل تلك الأسعار تزيد بضعة جنيهات عن السعر الرسمي، تزيد وتنخفض حسب حالة العرض والطلب، لكنها جميعا أعلى من السعر الرسمي.
ويظل السؤال للسلطات المصرية: هل تستطيع البنوك تدبير الدولار حتى بسعر أعلى من السعر الرسمي للمستوردين من القطاع الخاص؟ والإجابة أنها لا تستطيع لأن لديها أولويات في ضوء نقص الدولار لديها، وهو العجز البالغ 24.1 مليار دولار حتى نيسان/ أبريل الماضي.
وتلك الأولويات أهمها سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي حتى تستطيع البلاد الاستمرار بالاقتراض، لسداد أقساط وفوائد ما يحل أجل سداده من الدين، خاصة السندات ومستحقات المؤسسات الدولية والتي لا يمكن تجديدها كما حدث مع ديون الدول الخليجية.
ويلي ذلك شراء السلع الأساسية وأبرزها القمح والذرة وفول الصويا والعدس والشاي، والفول واللحوم والأسماك والخامات الدوائية والمستلزمات الطبية والتبغ، وكذلك المشتقات البترولية كالبتوجاز والبنزين. أي أن الأولوية ستكون للجهات الحكومية المستوردة كهيئة السلع الغذائية وهيئة البترول وهيئة الدواء، وبالتالي فإن القطاع الخاص يأتي في مرتبة تالية، مما يطيل وقت الاستيراد والإفراج عن السلع الموجودة بالموانئ.
التهريب وزيادة الطلب بالسوق الموازية
وهذا الأمر يدفع القطاع الخاص لمحاولة حل المشكلة ذاتيا، ولو من خلال التهريب كما يحدث في مجال الأقمشة لصناعة الملابس الجاهزة وغيرها من الأنشطة، مثل أجهزة التلفون المحمول، ولتدبير قطع الغيار التي تتعطل خطوط الإنتاج بسبب نقصها، أو من خلال النقل الجوي الذي ما زال لا يخضع لضرورة موافقة وزارة المالية على شحناته قبل شحنها من الدول الأجنبية، وهو ما يعني في مُجمله وجود طلب على دولار السوق الموازية مما يجعل أسعارها أعلى من الأسعار الرسمية دائما.
الأمر يدفع القطاع الخاص لمحاولة حل المشكلة ذاتيا، ولو من خلال التهريب كما يحدث في مجال الأقمشة لصناعة الملابس الجاهزة وغيرها من الأنشطة، مثل أجهزة التلفون المحمول، ولتدبير قطع الغيار التي تتعطل خطوط الإنتاج بسبب نقصها، أو من خلال النقل الجوي الذي ما زال لا يخضع لضرورة موافقة وزارة المالية على شحناته قبل شحنها من الدول الأجنبية
ومع هذا الفارق السعري سيُحجم الكثيرين من المغتربين عن إرسال التحويلات المالية إلى أُسرهم عبر القنوات الرسمية، والتعامل مع دولار السوق الموازية، وهو ما سيتكرر مع أصحاب العديد من الأنشطة مثل السياحة والتصدير واحتجاز جانب من حصيلة السياحة أو التصدير في الخارج، سواء لتمويل الواردات أو للاستفادة من الفارق السعري لها عن الأسعار الرسمية في البنوك.
وهنا سيكون الأثر السلبي على حصيلة التصدير مزدوجا، حيث تتسبب صعوبة استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج أيضا في قلة الصادرات، وهو ما تؤكده بيانات جهاز الإحصاء الحكومي التي تشير إلى انخفاض قيمة الصادرات خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 22 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي، كذلك ترقب أثر الحوادث الأخيرة على السياحة بعد التهام سمكة القرش لأحد السياح الروس بشاطئ شرم الشيخ، وتفحم ثلاثة سياح بريطانيين في أحد المراكب المحترقة بمرسى علم في البحر الأحمر.
وإذا كانت الصناعة المحلية قد تأثرت بنقص مستلزمات الإنتاج المستوردة منذ شباط/ فبراير 2022، وأجواء عدم اليقين فيما يخص سعر الصرف، فقد أثر ذلك أيضا على الاستثمارات الأجنبية الصناعية الموجودة بالبلاد، وهو ما أدى إلى خروج استثمارات أجنبية مباشرة من مصر خلال العام الماضي بقيمة 13.663 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي المصري، وهو رقم غير مسبوق تاريخيا، ورافق ذلك تكرار إعلان شركات مصرية خلال الأسابيع الأخيرة عن توجهها للاستثمار خارج البلاد.
التثبيت يحتاج تدفق موارد غير متاحة
والأمر المهم أن تثبيت سعر الصرف يحتاج إلى موارد دولارية، متدفقة باستمرار للدفاع عن ذلك السعر غير الواقعي، حيث جرت العادة على ضخ جانب من الاحتياطي من العملات الأجنبية في البنك المركزي لزيادة المعروض الدولاري بالسوق، وكان يساعد على ذلك تدفق الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي مدفوعة بسعر الفائدة المرتفع لها، وكذلك أطروحات السندات المصرية في الأسواق الدولية، أو المزيد من الاقتراض الخارجي من البلدان الأجنبية والبنوك الوطنية فيها والمؤسسات الدولية والإقليمية.
تثبيت سعر الصرف يحتاج إلى موارد دولارية، متدفقة باستمرار للدفاع عن ذلك السعر غير الواقعي، حيث جرت العادة على ضخ جانب من الاحتياطي من العملات الأجنبية في البنك المركزي لزيادة المعروض الدولاري بالسوق، وكان يساعد على ذلك تدفق الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي مدفوعة بسعر الفائدة المرتفع لها، وكذلك أطروحات السندات المصرية في الأسواق الدولية، أو المزيد من الاقتراض الخارجي من البلدان الأجنبية والبنوك الوطنية فيها والمؤسسات الدولية والإقليمية
لكنه إذا كان الاحتياطي من العملات الأجنبية قد بلغ 34.66 مليار دولار في أيار/ مايو الماضي، فقد بلغت قيمة الدين الخارجي المستحق لأربع دول خليجية، حتى نهاية العام الماضي، 37 مليار دولار أي أكبر من الاحتياطي، وهو ما يمثل نسبة 23 في المائة من إجمالي الدين الخارجي البالغ 162.9 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهو الرقم الذي نتوقع زيادته في الوقت الحالي في ضوء ما نشر في الجريدة الرسمية، من عدة قرارات رئاسية بالمزيد من القروض الخارجية بشهور العام الحالي.
وإذا كان الاحتياطي قد بلغ 34.66 مليار دولار في أيار/ مايو الماضي، فقد بلغت قيمة أقساط وفوائد الدين الخارجي في العام الماضي 24.5 مليار دولار، كما أشارت بيانات البنك المركزي المصري إلى بلوغ مستحقات الدين الخارجي، متوسط وطويل الأجل، في العام الحالي 22.9 مليار دولار، بخلاف 30.9 مليار دولار لأقساط وفوائد الدين الخارجي قصير الأجل في العام الحالي.
كما بلغت قيمة الواردات السلعية حسب جهاز الإحصاء الحكومي في العام الماضي 94.5 مليار دولار، أي بمتوسط شهري 7.872 مليار دولار.
وفي ضوء كل ما سبق وفي إطار قيام نظام الحكم الحالي بتنفيذ تثبيت سعر الصرف في سنوات 2014 و2015 و2016 و2020، وحدوث خفض جديد لسعر الجنيه أمام الدولار بعد انتهاء شهور التثبيت بكل مرة، فإننا نتوقع تكرار ذلك مع التثبيت الخامس الذي بدأ في آذار/ مارس الماضي والمستمر حتى الآن.
ونتوقع أن يستمر ذلك التثبيت حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، التي ردد البعض إجراءها في الشهر الأخير من العام الحالي، وبعدها سيحدث خفض رسمي جديد لسعر صرف الجديد أمام الدولار، استجابة لمطلب المؤسسات الدولية المُقرضة، واستجابة لضغوط عوامل السوق التي لا يمكن تعطيل دورها لفترة طويلة!