ناصر السيد نور يكتب: الحالة الدولية للأزمة السودانية

profile
  • clock 26 يوليو 2023, 3:50:44 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد دخولها شهرها الرابع من القتال المستمر، الذي استنفد كل محاولات الحلول في الداخل والخارج، كان لا بد من أن تجذب الأزمة السودانية المزيد من الأطراف الخارجية للتدخل أو الوساطة أو الدعم أو التفاوض. وبهذا تكون الأزمة قد استنفرت التحركات الدولية بأشكالها المختلفة، ووضعت القضية السودانية على المنابر الدولية كحالة طوارئ من الدرجة الأولى.
والجهود الدولية لحل النزاع تنقسم حسب مستوى الأزمة، إلى تدخلات دولية على مستوى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمات الغوث والمحكمة الجنائية، والمنظمات الإقليمية، كالاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى مبادرتي دول الإيغاد ومصر على المستوى الرئاسي، وكذلك المبادرات الدولية على المستوى الفردي والثنائي، كمبادرة جدة، التي تقودها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف هذا الزخم في حجم الأزمة، مدى تداعياتها الإنسانية وتعقيداتها الدولية، وفشل الحلول الداخلية، فالتدخلات لم تقتصر على الدول الممثلة، ومنظمات العالم المعترف بها، بل تجاوز ذلك إلى دول وجماعات مسلحة خارج إطار الشرعية الدولية، مثل ميليشيا فاغنر الروسية، وأطراف إقليمية أخرى مؤثرة بقوة في الخفاء. الأمر الذي جعل مسار الأزمة وتطوراتها رهينا بالمناخ المحيط بسياسات تلك الدول وتقاطع مصالحها والصراع قيد التفاوض.
إن طبيعة الصراع السوداني الذي يقوده ما بات يعرف بطرفي الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرالين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ومحمد حمدان دقلو، فتح الباب مشرعاً للتدخل بدعاوى إنسانية بحتة، فالبعد السياسي للصراع بين مكونات متصارعة على السلطة، وطريقة تعامل الأطراف واستخفافهم بقرارات المنظمات الدولية وما أحدثته الحرب من هشاشة على مستوى قيادة الدولة وتدمير في البنية التحتية، جعلت هذه العوامل وغيرها من تدويل المسألة السودانية، بحكم الضرورة. وما خلفته الحرب من انتهاكات فادحة ضد حقوق الإنسان والإبادة الجماعية والتطهير العرقي وقصف المدنيين بالطيران، حرّكت المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في أحداث مجزرة مدينة الجنينة. فإن تصل نتائج الحرب بهذه السرعة، التي ربما لا تقارن بأي حرب جرت مؤخراً، منذ إنشاء نظام روما (المحكمة الجنائية) وهي محكمة لا حدود لولايتها على الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، فهي ليست كمحكمة العدل الدولية التي تفصل في النزاعات بين الدول على أساس القانون الدولي، ولكنها محكمة تعمل وفق اختصاص بما يشبه الاختصاص القانوني الدولي Universal Jurisdiction العابر للحدود والسيادة والأسس القضائية المحلية للدول، وهو دور فعاليته في تحقيق العدالة، إلا أنه يحيل ملف الصراع وما نتج عنه على قائمة الجرائم الإنسانية.

في ظل استمرار ضراوة المعارك وتوحش آلة الحرب تكون الجهود الدولية، دون معنى ما لم تترجم إلى نتائج ملموسة على ارض الواقع بإيقاف الاقتتال بين المتحاربين

أما على الصعيد الدولي الإقليمي فقد شهدت الأيام الماضية انعقاد قمم على المستوى الإقليمي (قمة دول الإيغاد) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وقمة القاهرة على مستوى رؤساء دول جوار بلد الأزمة بمصر. والاختلاف بين القمتين الإقليميتين ربما يعود إلى حجم الدول وتفاوت قوة تأثيرها في مجريات الصراع. وخلافاً للقمة الرباعية التي رفضتها الحكومة السودانية بدعوى ترؤس كينيا للقمة، فقد رحب الجيش السوداني وأطراف الصراع الأخرى بالمشاركة، وكذلك الأطراف الأخرى الرئيسية والهامشية في المشهد السياسي والعسكري. فالدور المصري مطلوب في الأزمة السودانية لأسباب تأريخية وجغرافية معلومة، ثم تأتي الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية للسياسة المصرية التي تدركها جيداً أطراف النزاع ودول جوار الأزمة. وهذا ما جعل دور مصر من بين أهم الأدوار الإقليمية في حل الأزمة، بل هو مفتاح دولي في الحوار الدولي للأزمة. وهناك الأطراف الأخرى المؤثرة في الأزمة بغير ظهور معلن، وقد يكون تأثيرها أكبر مما تحاول الدول التصريح به في بيانات القمم. ويمثل الدور المصري وجهة نظر عربية وافريقية وإقليمية، تحدها مساحات تتحرك وفقاً لما هو متاح لإمكانياتها ونفوذها السياسي في القارة الافريقية. ويأتي الدور الأمريكي بحجمه في السياسة الدولية، وهو دور متوقع ومعول عليه رغبة أو رهبة من جانب كل الأطراف وتوابعها في المنطقة. فرؤيتها للصراع الدائر من منظور سياساتها الخارجية، تقديراً للموقف الاستراتيجي في القارة والمنطقة وليس حصراً على الداخل السوداني. فقد أقدمت في الأول من يونيو على تدابير عقابية ضد شركات وأفراد في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وسلاح العقوبات أسلوب درجت الولايات المتحدة على استخدامه، والتهديد بالضغوط الدولية في الحظر وعقوبات دولية أخرى قد لا تؤثر كثيراً في مجريات الأحداث على الأرض. ولكن تبقى رعايتها منذ بدايات اندلاع الصراع لمفاوضات جدة بين طرفي الأزمة مهمة، فقد استؤنفت مجدداً بعد تعليقها وعادت وفود الصراع مهرولة للجلوس مجدداً للتفاوض. وكما جاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية بأنها مستعدة لاتخاذ المزيد من التدابير للعمل على إنهاء الصراع.
أما الدور الروسي فلم يعد كدور الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة في القرن الماضي، ففي ظل أزماتها في حربها ضد أوكرانيا ومن قبل تدخلها في الأزمة السورية، فقد ظهر دورها في سياق الأزمة السودانية بشكل غير مباشر عن طريق ميليشيا فاغنر لصالح قوات الدعم السريع. وعلى الرغم من أن هذا الدور الميليشي، إلا أنه لا يبعد عن التدخل الروسي في التنقيب عن الذهب وسعيها لإقامة قاعدة بحرية عسكرية على ساحل البحر الأحمر. وهذه الأنشطة الحيوية ذات البعد الاستراتيجي تدخل في صلب الصراع من الناحية السياسية، ولكنها تظل في إطار الأزمة الروسية أكثر من الحل بواقع ما يحيط بالسياسة الروسية دوليا. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد سارع إلى تقديم المساعدات الإنسانية، فإن بريطانيا اتخذت في يوليو الجاري عدة عقوبات اقتصادية شملت ست شركات وقطاعات أعمال تدعم كلا من الجيش والدعم السريع، تلك التي أدرجتها الولايات المتحدة في قائمة العقوبات الاقتصادية. والدور البريطاني أسبابه تأريخية لدورها الاستعماري في تاريخ البلد، إلا أن سياستها تجاه الصراع الدائر لم يكن في حدود التوقعات المحتملة المتصلة بالأزمة. بدا أن تحركات الاتحاد الافريقي والمجموعات الإقليمية وغيرها من تحركات تعطي الانطباع بتشديد الخناق حول المتحاربين لوقف القتال بالضغط المباشر على طرفي الصراع. ولم يكن للطرف المدني وجود بارز، خاصة التي برزت مؤخراً دون قوة سياسية مساعدة. فالأولوية يجب أن تكون مدنية لإدارة الحوار، فقد استنفد السلاح دوره بعد الإرهاق الذي استنفذ طاقة الطرفين في إدارة أو حسم الصراع، الأمر الذي اقتضى التعجيل بوقف الصراع. ففي التصريح المفاجئ لنائب قائد الجيش الفريق شمس الكباشي بعودة الجيش إلى مفاوضات جدة، والدعوة إلى حكومة مدنية تهيئ لانتخابات ديمقراطية. ذلك التصريح الذي اختلفت تأويلاته بين خلافات بين قادة المؤسسة العسكرية وعجز الجيش عن حسم المعركة عسكريا على الأرض. فالطرفان ليس في مقدروهما قبول نتائج الأرض مثل شروط التفاوض، أي تكون قراءة الأزمة السودانية وتفاعلاتها على المسرح الدولي وفي ظل استمرار ضراوة المعارك وتوحش آلة الحرب تكون الجهود الدولية، دون معنى ما لم تترجم إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع بإيقاف الاقتتال بين المتحاربين، فالبيانات الصادرة عن القمم والمبادرات بشأن الأزمة السودانية تؤكد سلامة أراضيه، واعتبار الصراع شأناً داخلياً وهو أمر للاستهلاك الشكلي أكثر مما تفصح به النوايا أو الأهداف الباطنة. فالأصوات التي تنادي بالحل على – المستوى الدولي- خشية تحول الحرب الدائرة إلى حرب أهلية تستحث العالم للمزيد من المقاربات الدولية للأزمة السودانية. وبهذا التوصيف تكون الحرب قد تحولت إلى حرب أهلية قبلية بالاستناد إلى تقارير دولية عادة ما تصدق مصداقيتها أكثر من اعتراف الأطراف بالداخل.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)