- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ناصر السيد نور يكتب: السودان: الحوار المدني للحرب إلى أين؟
ناصر السيد نور يكتب: السودان: الحوار المدني للحرب إلى أين؟
- 2 أغسطس 2023, 4:42:33 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد ما تجاوزت ما يزيد عن المئة يوم من الاقتتال المستعر، وصلت الحرب الدائرة في السودان إلى نقطة لا يمكن التحكم بمصائرها، على المستويين السياسي والعسكري، وما أنتجه الصراع من حالات إنسانية متداعية أهدرت معها كل المعاني الإنسانية، ومحوٍ شبه كامل لبنية الدولة الهيكلية والإنسانية والمجتمعية والاقتصادية، وكل وما يفترض أن تكون له قيمة في حرب لا معنى أو نهاية لها.
خاض الجنرالات الحرب بغير عقل يتدبر الحل أو الهدف منها، وما تبقى قوة غاشمة وآلة حربية متوحشة، وأنتج الاقتتال المستمر للحرب حالة نفسية تتعلق بحكمة أن كل حرب ستنتهي بالتفاوض السلمي، وهو موقف يكشف عن العجز والإحباط معا، وعليه تعلقت الآمال بانتظار حلٍ تبددت فرص حدوثه يوما بعد آخر.
تغيّب دور المكون السياسي المدني في الأزمة منذ أيامها الأولى، وهو دور لا يمكن تجاهله وإن أمعن المتحاربون في تجاهله والتقليل من تأثيره، على الرغم من أن المحرك من وراء الستار لأدوات الحرب سياسي مدني لكل من الجيش، أو الدعم السريع، الذين ينفذون أجندة مدنية بأذرع عسكرية، ولكن الصوت المدني في موازين القوى قياساً إلى الأزمة السودانية، يعد أخفض وبالتالي أقلها تأثيراً في خضم التكثيف العسكري والاستقطاب الشعبي. ومنذ الظهور المفاجئ للجانب المدني في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في «قمة الإيغاد» ممثلة قيادات قوى الحرية والتغيير (قحت) المنبثقة عن تحالف أحزاب سياسية ومنظمات مدنية معارضة للمجلس العسكري الحاكم بقيادة الفريق البرهان، ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، والموقع على الاتفاق الإطاري بإشكاليته السياسية وتداعياته التي أدت قبيل الحرب إلى تفجر الصراع.
إذا كان تراكم مبادرات الحلول يشير إلى حل عاجل لوقف الحرب، فإنه يؤكد على ضرورة أخرى وهي أن تكون الأزمة قد وصلت مرحلة تصبح معها مستعصية على الحل
إن طبيعة الحرب التي تجاوزت نتائجها الكارثية كل التوقعات، بما فيها نطاقها العسكري وامتدت مساحتها الجغرافية والقبلية وطال أمدها الزمني، ما جعلها حرباً تبحث عن حل بين شتيت المكونات السياسية السودانية المدنية منها والعسكرية والأهلية، ثم إن المسار المدني للحل يدفع في ظل غياب حكومة فاعلة، نحو اتجاه إشراك أطراف هامشية للقيام بدور يمكن أن يُكسِب في التصور العام، جهود الحلول السلمية وجهاً مدنياً في ظل التشدد العسكري بين طرفي الصراع، ولكن يبقى الجهد المدني بواجهاته السياسية والاجتماعية المتعددة مطلوباً، إن لم يكن لحسم الحرب بأدوات سلمية، فعلى الأقل يعبر عن إرادة مدنية سلمية في الحل. ويأتي أخيراً دور تجمع المدنيين في القاهرة الثلاثاء من هذا الشهر، وفق ما أعلنه من أجندة ستكون محل نقاش لاستعادة الدولة السودانية بتكوينها لجيش موحد ووقف الحرب كأولوية، وغيرها من قضايا تصعب قراءتها وسط كثافة دخان الحرب كشعارات عامة يبقى تطبيقيها رهيناً بما يجري على الأرض. وتصبح أي مخرجات من هذه المنصة المدنية محكومة بالعلاقة المتوترة بين المدنيين والعسكريين، الذين يلقون باللائمة على الأحزاب بالتحريض على الحرب، وإن كانت مثل هذه الاتهامات مسوغة في الخطاب السياسي ما قبل الحرب، فإن تأثيره في ضوء التحشيد العسكري أكثر، وربما يشل أي جهود مدنية، فما هي التطورات المرتقبة، وعلى ماذا يعول الجانب المدني في جهوده على وقف الحرب، وهو مكون مدني لا يملك بالحسابات العسكرية أو السياسية من القوة أو النفوذ ما يجعل مقرراته تكتسب قوة أو صوتاً مسموعاً؟
في بيانها الصادر عن اجتماع قوى الحرية والتغيير المنعقد في القاهرة 26 يونيو الماضي شددت على انهاء الحرب ومحاسبة مرتكبي الجرائم الإنسانية بحق المدنيين، وغيرها مما تتصدره بيانات الاجتماعات المدنية والسياسية منها. وبما أن البيان قد حمّل مسؤولية الحرب ـ كما هو متوقع- لفلول النظام البائد، إلا أنه لم ينس الإشارة الى تاريخية أزمة الدولة السودانية، التي أصبح ميلادها الوطني جزءا من شعارات الحرب في سياقها السياسي السوداني، وجدل المركز والهامش، أو كما وصفها البيان نتاج عقود من تراكمات سلبية، وأيا تكن لغة البيان في مخاطبتها للتوصل إلى حل ولو عبر المفاوضات بالرعاية السعودية الأمريكية في جدة، إلا أن ما يعوز بنود هذه المبادرة الإجماع الوطني السياسي، في ظل الحرب ودائرة اتساعها وتعدد أطرافها، وربما كانت الحقيقة من وقائع الحرب اليومية أعقد بكثير مما حمله بيان قوى الحرية والتغيير في رؤيته التي سماها (الرؤية الاستراتيجية)، فالذين يساورهم الشك في الحلول المرتقبة المنبثقة عن المجلس المركزي للحرية والتغيير، ربما محقون في حالة غيابهم في الداخل، فقد أظهرت الحرب جانباً حرجاً غيّر خريطة السياسة السودانية عما كانت عليه قبل الحرب، فالموقف متصلب في حسم الحرب عسكرياً من جانب الجيش والدعم السريع، والتداخل شديد بين إدارة الحرب على مستوى الدولة والاستنفار الشعبي، الذي لا يخفى جانبه الجهوي، ثم إن الحرب الحالية قد تكون لها نظائر في حروب السودان الموروثة، ولكن يصعب القياس عليها ومقارنتها من حيث تشابكها وتداخلها مع نتائجها وكيفية الخروج منها. إذ كانت مساعي الحل السلمي كافة، بما فيها المبادرات الإقليمية والدولية والوطنية، وتعليق مفاوضات الوساطة السعودية الأمريكية في تقريب الحد الأدنى من وجهات نظر الفرقاء، تكون المسافة بين الحرب والسلام قد ازدادت اتساعا، بل الحديث عن رسم خريطة طريق Roadmap للأزمة السودانية يبدو مبكراً وحلما يراود الساعين إلى السلام بالتمني وليس بالحوار، فحزمة الحلول والمبادرات المطروحة على الساحة لا تمثل بمختلف اسمائها مسميات مختلفة لفرض السلام ووقف الحرب، مثل التفاوض وإدارة الأزمات والسلام المستدام والتدخل الدولي، وكلها اصطلاحات قابلة للتداول السياسي والإعلامي دون ملامستها لحقائق الواقع المطلوبة وهي وقف الحرب! فهل تترك الحرب لتحل نفسها بنفسها بعد أن استنفدت ما طُرح من حلول ومبادرات تراوحت بين الفشل والتراجع والتعليق؟ فالجيش الممسك بزمام الحكم بمجلسه السيادي في الخرطوم، رفض في اليوم التالي مبادرة القاهرة جملة وتفصيلاً، ثم علقت مفاوضات جدة بين طرفي الصراع العسكريين، والأهم ما زالت الحرب تدور رحاها في ميدان القتال.
إذا كان تراكم مبادرات الحلول يشير إلى حل عاجل لوقف الحرب، فإنه يؤكد على ضرورة أخرى عادة ما تبديها الأزمات وهي أن تكون الأزمة قد وصلت مرحلة تصبح معها مستعصية على الحل. واستمدت الحرب جزءا مما وصفت به عند بداية اندلاعها كحرب عبثية، وهو وصف على ما يبدو امتد ليشمل حتى مبادرات الحلول التي كادت أن تكون هي الأخرى عبثية، فهل يجدي تكاثف الضغوط الدولية على تباطؤ وتيره في الإسراع بالحل للأزمة السودانية، إنقاذاً لموقف تخشى تداعياته على أكثر من صعيد، أيا تكن محاولات التصعيد الداخلي والتداولي الخارجي، يبقى الاتجاه نحو الحل التفاوضي مفتوحاً مهما تباعدت وجهات النظر بين الأطراف العسكرية والمدنية، وأي حوار لا يتبعه تنازل من كل طرف عن أجندته أو رؤيته لحسم الحرب، لن يؤدي، حسبما طرح الطرف المدني رؤيته، إلى إنهاء الحرب وتأسيس وإعادة بناء الدولة السودانية الجديدة، أو الحل العسكري للجيش من ضرورة القضاء على قوات الدعم السريع قضاء مبرماً كحل وحيد.