- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة !! (27) البنك السياسى !!
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة !! (27) البنك السياسى !!
- 31 يوليو 2021, 3:51:17 م
- 699
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان اسم "ديلسبس" هو كلمة السر.. تكررت فى الخطاب عدة مرات خلال دقائق.. وكان المدخل لذكر كلمة السر, هو تفاصيل ما حدث خلال اللقاء مع رئيس البنك الدولى.. ربط "عبد الناصر" بين اسم رئيس هذا البنك السياسى.. وإسم "ديلسبس"!!
وقت أن تحدث عن خنق مصر وتدميرها, بمنع شريان الحياة.. ربما لم يستوعب أحد كيف يمكن أن يحدث ذلك؟! لكنه تعامل مع الموضوع بجدية شديدة.. ضاعف الأمر من اهتمامه وإصراره على تنفيذ مشروع "السد العالى" الذى كان – ومازال – أهم مشروع قومى أنجزته مصر على الإطلاق.. وفجر ذلك داخل "عبد الناصر" كل طاقات التحدى لاتخاذ قرار تأميم شركة قناة السويس, ليؤكد للدنيا استقلالية القرار المصرى.. وليؤكد أن الشعب المصرى بثورته فى 23 يوليو, قرر القطيعة مع ماض دفع ثمنه فادحا.. وأن مصر واعية لما يحاك حولها من مؤامرات, لإعادة إخضاعها لاستعمار بغيض.
عندما وصل "عبد الناصر" إلى الذروة فى خطابه.. قال: "إحنا كنا مأجلين السد العالى.. هم ابتدوا يقولوا ويتكلموا عن تمويل السد.. لما وصل بلاك – رئيس البنك الدولى – وابتدا يتكلم معايا.. قعد يقول إن احنا بنك دولى.. إحنا ما احناش بنك سياسى.. وأنا ماليش دعوة بأمريكا مطلقا.. أنا مستقل أقول الرأى اللى أؤمن بيه.. فأنا قلت له إن مجلس الإدارة بيمثل دول.. كيف يكون مجلس إدارة بيمثل دول, وما يكونش بنك سياسى.. طبعا إنت بنك سياسى, لأنك ما تقدرش تعمل أى قرار إلا إذا وافق عليه مجلس الإدارة وأعضاؤه دول.. ومجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية اللى ماشية فى فلك أمريكا"!!
ثم أضاف "عبد الناصر" قائلا: "إبتدأت أنظر إلى مستر بلاك اللى هو قاعد أمامى على الكرسى.. وكنت أتخيل إنى قاعد وقدامى قاعد فرديناند ديلسبس رجع بى التفكير إلى الكلام اللى كنا بنقراه عن اللى حصل سنة 1854.. فى السنة دى وصل مصر فرديناند ديلسبس وراح قابل محمد سعيد – سعيد باشا – وقعد جنبه وقال له.. عايزين نحفر قنال السويس.. قنال السويس هتفيدك فائدة لا حد لها.. قنال السويس مشروع ضخم سيعيد لمصر الكثير.. كل بلاك ما كان بيتكلم.. أحس بالعقد اللى موجودة.. يرجع بى التفكير إلى فرديناند ديلسبس وبعدين قلت له.. إسمع.. إحنا عندنا عقدة من هذه المواضيع, ما احناش عايزين نجيب كرومر فى مصر تانى علشان يحكمنا.. عملوا زمان قروض وفوايد على القروض, والنتيجة كان احتلال بلادنا.. أرجوك فى كلامك معايا تحط الاعتبار دة فى نفسك.. إحنا عندنا عقدة من ديلسبس وعندنا عقدة من كرومر.. عندنا عقدة من الاحتلال السياسى عن طريق الاحتلال الاقتصادى.. دى الصورة اللى اتصورتها.. صورة ديلسبس لما وصل إلى مصر يوم 7 نوفمبر سنة 1854.. هاحكى لكم القصة"!
أراد "عبد الناصر" التأكيد على ثوابت يؤمن بها, والتأكد من انطلاق تنفيذ قرار تأميم شركة قناة السويس.. بتكرار كلمة السر فى سياق منضبط ذا معنى.. أما الثوابت فقد كانت نظرته إلى القروض على أنها احتلال اقتصادى.. وهذا مدخل للاحتلال السياسى.. وإيمانه العميق بارتباط عضوى بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. فذكر أمريكا بالاسم باعتبارها صاحبة الهيمنة على البنك الدولى.. وأراد أن يكون اسم "ديلسبس" – وهو كلمة السر – فيه إشارة إلى فرنسا, دون أن يتجاهل اسم "كرومر" كإشارة إلى بريطانيا.. وأراد التأكيد على أن البنك الدولى هو تطوير لآلاعيب الاستعمار القديمة التى كانت تعتمد على جهود فردية وأدوار يقوم بها "ديلسبس" وأمثاله.. كما أراد أن يقول للدنيا أن ما يدور فى الغرف المغلقة, يجب أن يعلمه الشعب المصرى باعتباره صاحب الحق الأصيل فى اختيارات بلاده وتحديد سياستها.
بدأ "عبد الناصر" يحكى القصة.. فقال: "ديلسبس جاء إلى الاسكندرية, وبدأ يعمل فى حذر وخديعة.. ويوم 30 نوفمبر عام 1854, وبعد أن اتصل بالخديوى محمد سعيد حصل على امتياز القنال.. وفى صدر الامتياز الذى منحه سعيد لديلسبس قال الآتى: حيث أن صديقنا مسيو فرديناند ديلسبس قد لفت نظرنا إلى الفوائد التى قد تعود على مصر من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر بواسطة طريق ملاحى للبواخر.. وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال.. فقد قبلنا الفكرة التى عرضها علينا, وأعطينا بموجب هذا تفويضا خاصا لإنشاء وإدارة شركة لحفر قنال السويس, واستغلال القناة بين البحرين.. الكلام دة كان سنة 1854.. وفى سنة 1856.. يعنى من 100 سنة بالظبط, طلع فرمان.. إتكونت الشركة.. مصر خدت من الشركة 44% من الأسهم, والتزمت بما أراده ديلسبس.. شركة ديلسبس دى شركة خاصة, مالهاش دعوة بحكومات.. مالهاش دعوة بسيطرة ولا احتلال.. مالهاش دعوة بالاستعمار.. ديلسبس قال للخديوى.. أنا صديقك وجاى عايز افيدك, واعمل لك قناة تربط بين البحرين.. واتكونت الشركة وتعهدت مصر إنها تمدها بالعمال اللى هايقوموا بالحفر, 120 ألف عامل ماتوا فى حفر القناة مجانا!! يعنى القنال حفرناها بأرواحنا وجماجمنا وعظامنا ودمائنا.. بعدها دفعنا 8 مليون علشان ديلسبس يتنازل عن بعض الامتيازات.. كان مفروض إن احنا ناخد 15% من الأرباح اللى بناخدهم مقابل الأسهم.. إتنازلنا عن الـ15% من الأرباح.. وبعد ما كانت القناة محفورة لمصر.. زى ما قال الخواجة ديلسبس للخديوى.. بقيت مصر ملك القناة!! وفى اتفاق 22 فبراير 1866 ابتدأت الاتفاقيات بمادة رقم 16.. قال: بما أن الشركة العالمية لقنال السويس بحرية.. شركة مصرية.. فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها.. فهل خضعت فعلا لقوانين البلاد وعرفها؟! لغاية دلوقت لم تخضع لأى قوانين فى البلاد.. بل تعتبر نفسها دولة داخل الدولة.. المنازعات التى تنشأ بين الشركة ومصر فى مصر, وبين الشركة وأفراد من أى جنسية تختص بالفصل فيها المحاكم المصرية.. طبقا للقوانين المصرية.. وكان نتيجة الكلام دة والصداقة والديون, أنه تم احتلال مصر سنة 1882.. مصر خرجت مديونة, لأنها باعت نصيبها وهو 44% فى عهد اسماعيل, وعلطول ظهرت انجلترا واشترت.. بكام.. 4 مليون جنيه.. وبعدين كان اسماعيل متنازل عن الأرباح اللى كان بياخدها, واضطر بعد كدة إنه يدفع 5% سنويا نظير الأرباح اللى هو اتنازل عنها.. يعنى دفع أكتر من 4 مليون, وكدة بريطانيا أخدت أسهم مصر – 44% - مجانا.. دة التاريخ اللى حصل فى القرن الماضر.. فهل التاريخ هيعيد نفسه بالخداع والتضليل؟! هل يكون التحكم الاقتصادى والسيطرة السياسة, سببا فى القضاء على حريتنا السياسة واستقلالنا السياسى؟!
طرح "عبد الناصر" السؤال.. وأجاب عنه.. فقال: "لايمكن مطلقا.. أيها الإخوة.. أن يعود التاريخ مرة أخرى.. إحنا النهاردة ما بنكررش اللى فات.. إحنا النهاردة بنقضى على اللى فات.. إحنا النهاردة بنبنى بلدنا بناء قوى وسليم.. وفى نفس الوقت حينما نتجه إلى الخلف.. نتجه لنقضى على آثار الماضى البغيض اللى ترتب عليه السيطرة علينا.. آثار الماضى البغيض اللى حصلت غصب عنا.. آثار الماضى البغيض اللى عملوها المستعمرين خداعا وتضليلا.. النهاردة قنال السويس.. أيها الإخوة.. اللى مات فى حفرها 120 ألف من أبنائنا.. حفروها بالسخرة.. دفعنا فى تأسيسها 8 مليون.. قناة السويس اللى أصبحت دولة داخل الدولة.. اللى ذلت الوزراء والوزارات.. هذه القناة.. قناة مصرية.. شركة مساهمة مصرية.. إغتصبت بريطانيا منا حقنا فيها.. وياريت إديتنا فلوس.. دى خدت فوق أسهمنا فلوس!! ولازالت بريطانيا بتاخد من وقت افتتاح القناة فوايد قصاد الـ44%.. الدول كلها بتاخد فوايد.. المساهمين بياخدوا فوايد.. دخل قناة السويس سنة 1955 كان 35 مليون جنيه.. يعنى 100 مليون دولار.. بناخد احنا اللى مات فى حفرها 120 ألف من أبنائنا, واللى دفعنا فلوس بنائها.. بناخد مليون جنيه.. يعنى 3 مليون دولار.. شركة قناة السويس اللى قامت زى ما قال الفرمان.. من أجل منفعة مصر.. من أجل مصلحة مصر.. بتجيب دخل سنوى 35 مليون.. عارفين الأمريكان والانجليز هيدونا مساعدة قد إيه فى خمس سنين.. 70 مليون دولار من اللى بياخدوها مننا سنويا!! مش عيب أبدا إنى ابقى فقير واحاول استلف وابنى بلدى.. أو أحاول أجد مساعدة لأبنى بلدى.. لكن العيب إن أنا أمتص دماء الشعوب.. أمتص حقوق الشعوب.. دا العيب"!!
بعد كل الشرح فى الاقتصاد والتاريخ والسياسة والدبلوماسية.. ذهب "عبد الناصر" إلى تقديم قراره التاريخى.. وكان قرارا مزدوجا بتأميم شركة قناة السويس, وبناء السد العالى.. فقال: "شركة قناة السويس اللى قاعدة فى باريس.. شركة مغتصبة.. إغتصبت امتيازاتنا.. ديلسبس لما جه هنا.. كان جاى زى بلاك يتكلم معايا.. نفس العملية.. التاريخ لن يعيد نفسه.. بالعكس.. هنبنى السد العالى, وسنحصل على حقوقنا المغتصبة.. هانبنى السد العالى زى ما احنا عايزين.. 35 مليون كل سنة بتاخدها شركة القنال.. ناخد احنا 100 مليون دولار لمنفعة مصر.. لهذا.. إننا اليوم.. أيها المواطنون.. حينما نبنى السد العالى.. نبنى سد العزة والحرية والكرامة, ونقضى على سدود الذل والهوان.. نعلن مصر كلها جبهة واحدة.. كتلة وطنية متكاتفة.. متحدة.. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها.. كل واحد من أبنائها زى ما قلت لكم زى صلاح مصطفى.. وزى مصطفى حافظ.. سنقاتل من أجل بناء بلدنا.. لن نمكن منا تجار الحروب.. لن نمكن منا المستعمرين.. لن نمكن تجار البشر.. سنعتمد على سواعدنا وعلى دمائنا.. إحنا أغنيا.. كنا متهاونين فى حقوقنا بنستردها.. قلت لكم فى الأول المعركة مستمرة.. نسترد هذه الحقوق خطوة خطوة.. سنحقق كل شىء.. سنبنى مصر القوية.. سنبنى مصر العزيزة.. لهذا وقعت اليوم.. ووافقت الحكومة على القانون الآتى".
ثم قرأ "عبد الناصر" القرار الذى لا نعرف منه أكثر من جملة.. وكما تم طمس.. بل قل.. دفن تفاصيل أهم وأخطر قرار فى القرن العشرين.. تم طمس تفاصيل القرار.. دارت عجلات "تزوير التاريخ" وماكينات "الكذب والتشويه" لتنتج خداع وتضليل من جانب "خدم الملكية والاستعمار" وقالوا كلاما فارغا على أنه حقائق.. إطمأنوا إلى أن كتب التاريخ الحقيقى فى أجازة.. روجوا لخيالات وأوهام على أنها تاريخ!! ورغم كل ذلك بقيت الحقيقة.. لأنه كان هناك مواطن مصرى بدرجة "قائد وزعيم" قال الحقيقة كاملة علانية.. قالها للشعب المصرى والشعوب العربية.. إختار الصراحة والوضوح طريقا, فعاش سدا يمنع رياح "الأوف شور" عن مصر والمنطقة.. وبرحيله عاد السيل يجتاح المنطقة.. وبقى أن نعيد قراءة نص قرار التأميم.. يتبع