- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة !! (28) مؤامرات على الهواء!!
نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة !! (28) مؤامرات على الهواء!!
- 2 أغسطس 2021, 11:46:54 م
- 641
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"البشر صنعوا الحكومة لفعل الخير.. لا الشر.. صنعوها لتحميهم.. لا لتضرهم.. فى اللحظة التى تخفق فيها الحكومة فى الأغراض التى قامت من أجلها.. لا تصبح جديرة بتأييد البشر أو ولائهم"!
تلك كانت مقدمة وثيقة إعلان قيام الولايات المتحدة الأمريكية يوم 4 يوليو عام 1776.. وأصبحت هذه المعانى دستورا يقدسه الشعب الأمريكى.. وفى وثيقة إعلان استقلال "الولايات المتحدة الأمريكية" عن التاج البريطانى.. كتب "توماس جيفرسون" نصا جاء فيه: "كل البشر خلقوا سواسية.. خالقهم منحهم حقوقا لا خلاف عليها.. بين هذه الحقوق.. الحياة والحرية والسعى إلى السعادة.. ومن أجل صون هذه الحقوق تنشأ الحكومات بين البشر, وتستمد سلطاتها العادلة من قبول المحكومين.. وإذا أصبح أى شكل من أشكال الحكم هداما لهذه الغايات.. يصبح من حق الشعب أن يغيره أو يزيله, وأن ينشىء حكومة جديدة.. يقيم أسسها على المبادىء وينظم سلطاتها, بالشكل الذى يختاره لتحقيق سلامته وسعادته"
أنعش "عبد الناصر" ذاكرة الرئيس الأمريكى – أيزنهاور – بهذه المعانى والنصوص, بعد إعلان قرار تأميم قناة السويس.. ترك ذلك أثره على الموقف الأمريكى من العدوان الثلاثى على مصر, ليتأكد أنه كان جاهزا لمواجهة كل ما يترتب على أهم وأخطر قراراته بعد إعلان مصر كجمهورية.. لذلك اختار أن يكون قرار التأميم "باسم الأمة"!
خلال الدقائق الأخيرة من خطاب التأميم.. قال "عبد الناصر" نصا: "وقعت اليوم.. ووافقت الحكومة على القانون الآتى" ثم أعلن نصوص القانون, بعد قرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية.. وكانت المادة الأولى فى القانون تنص على: "تؤمم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية.. شركة مساهمة مصرية.. وينتقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق, وما عليها من التزامات.. وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا على إدارتها.. ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها, مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس.. ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استعلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة".
كان هذا نص المادة الأولى فى القانون.. وواضح أنه احترم حقوق من يحملون الأسهم, بغض النظر عن أنهم نهبوا ثروات مصر لعشرات السنين.. والموقف هنا يختلف عما فعله الذين أعلنوا استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج "البريطانى".. فهؤلاء الذين يسمونهم فى أمريكا "الآباء المؤسسين" ضربوا عرض الحائط بسلطة بريطانيا.. إستندوا إلى أن هذا حق للشعب الأمريكى الذى يملك أى شكل من أشكال الحكم لتحقيق سلامته وسعادته.. لكنهم فى الغرب الذى أصبحت تقوده أمريكا, لا يعترفون بحقوق غير حقوقهم.. وعندما ظهر من يفرض حقوق شعبه ودولته, أصبح عدوهم حيا وميتا!!
ثم كانت المادة الثانية فى قانون التأميم, التى نصت على: "يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس.. مرفق عام للدولة.. يتولى إدارتها هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية, وتلحق بوزارة التجارة.. ويصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية, ويكون لها فى سبيل إدارة المرفق.. جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض, دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية مع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامى.. ويكون للهيئة ميزانية مستقلة.. يتبع فى وضعها القواعد المعمول بها فى المشروعات التجارية.. وتبدأ السنة المالية فى أول يوليو, وتنتهى فى آخر يونيو من كل عام.. وتعتمد الميزانية والحساب الختامى بقرار من رئيس الجمهورية.. وتبدأ السنة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا القانون, وتنتهى فى آخر يونيو 1957.. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحدا أو أكثر لتنفيذ قراراتها أو القيام بالمتعهد إليه من أعمال.. كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو غيرهم لجانا فنية للاستعانة بها فى البحوث والدراسات.. ويمثل الهيئة أمام الهيئات القضائية والحكومية وغيرها.. وينوب عنها فى معاملاتها مع الغير"
كان "عبد الناصر" يقرأ على الشعب نصوص القانون, الذى صدر فى ستة مواد.. ثم راح يخاطب "الإخوة المواطنون" قائلا: "لن نمكن المستعمرين أو المستبدين.. لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى.. إننا اتجهنا قدما إلى الأمام لنبنى مصر بناء قويا متينا.. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسى واستقلال اقتصادى.. نتجه إلى اقتصاد قومى من أجل جموع هذا الشعب.. نتجه إلى الأمام لنعمل, وحينما نلتفت إلى الخلف.. إنما نلتفت لنهدم آثار الماضى.. آثار الاستبداد.. آثار الاستغلال.. آثار السيطرة.. إنما نتجه إلى الماضى لنقضى على جيمع آثاره.. واليوم أيها المواطنون وقد عادت الحقوق إلى أصحابها.. حقوقنا فى قناة السويس عادت إلينا بعد مائة سنة.. إنما نحقق الصرح الحقيقى من صروح السيادة.. نحقق البناء الحقيقى من أبنية العزة والكرامة"
تشعر أنك مواطن فى بلدك حين يؤدى المسئول واجبه بإطلاعك على ما يفعل ويتخذ من قرارات.. تشعر بقيمة وطنك حين ترى وتلمس أن ما يتحقق يعود إليك.. ينعكس إيجابا عليك.. حين تكون السياسة فعلا واضحا ومفهوما, وليست سرا وغموضا!! هذا ما كان يؤمن به, ويفخر بأن ينادى أبناء الشعب بالإخوة المواطنون.. لذلك سنراه يكرر النداء المحبب إلى قلبه, والذى يجرى صدقا على لسانه.. فكان يلمس أوتار قلب كل مواطن.. فأضاف قبل أن ينهى أخطر خطاب سياسى فى القرن العشرين قائلا: " اليوم.. أيها المواطنون.. أممت قناة السويس, وتم نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية فعلا.. أصبح القرار أمرا واقعا.. واليوم. أيها المواطنون.. نقول أن الأموال أموالنا وردت إلينا.. ودخل قناة السويس 35 مليون جنيه.. يعنى مائة مليون دولار فى السنة.. أى 500 مليون دولار فى خمس سنين.. لن ننتظر الـ70 مليون دولار بتوع المعونة الأمريكية, ولا بتوع المعونة الانجليزية.. اليوم.. أبها المواطنون.. بعرقنا.. بدموعنا.. بأرواح شهدائنا وجماجم اللى ماتوا من مائة عام فى السخرة.. نستطيع أن ننمى هذا البلد.. سنعمل وننتج ونزيد الإنتاج, برغم كل المؤامرات وكل كلام بيطلع من واشنطن.. هاقول لهم موتوا بغيظكم.. هنبنى الصناعة فى مصر.. ننافسهم وهم لا يريدوننا أن نكون دولة صناعية, علشان منتجاتهم تمشى عندنا ويكون لهم سوق هنا.. ما شفتش أبدا معونة أمريكية تتجه إلى التصنيع.. المعونة الأمريكية دائما تتجه إلى الاستهلاك.. واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق.. أقول باسم شعب مصر.. أننا سنحافظ على هذه الحقوق لأننا نعوض ما فات.. لن تكون سيادة فى مصر إلا لأبناء مصر.. إلا لشعب مصر.. إننا بهذا.. أيها المواطنون.. سنستطيع أن نحقق الكثير.. سنشعر بالعزة.. سنشعر بالكرامة.. سنشعر أننا نبنى وطننا زى ما احنا عايزين.. واليوم حين نسترد الحقوق المغتصبة, والحقوق المسلوبة.. إنما نتجه إلى القوة.. والسنة الجاية هنكون أقوى.. إنتاجنا أكثر وعملنا زاد ومصانعنا زادت.. والآن.. وأنا أتكلم إليكم.. يتجه إخوة لكم من أبناء مصر ليديروا القناة.. شركة القناة المصرية.. مش شركة القناة الأجنبية.. القناة اللى بتقع فى أرض مصر, واللى هى جزء من مصر.. واللى هى ملك مصر.. لنبنى صروحا جديدة فى العزة والكرامة.. وفقكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
أنهى "عبد الناصر" خطاب تأميم شركة قناة السويس, لتنقلب الدنيا رأسا على عقب كما نقول فى لغتنا العربية الجميلة.. دوت صفارات الإنذار فى عواصم الدول الاستعمارية.. إنطلقت الأفراح فى مصر وجميع الدول الراغبة فى التحرر والاستقلال.. أصبحت مصر الخبر الأول فى كافة وسائل إعلام الكرة الأرضية.. تفجرت الأسئلة بقدر ما انفجر الغضب البريطانى والفرنسى.. كانت إسرائيل هى الأكثر دهشة وخوفا.. الأكثر تحريضا على مصر التى تفكر فى التنمية, وتسعى لزيادة إنتاجها الزراعى والصناعى.. الأكثر رعبا بخروج هذا المارد, ليعلن أن البناء والتقدم قرار ينبع من إرادة سياسية.. إلتفت خصوم الغرب إلى القاهرة وزعيمها, الذى يقول أن بلاده قرارها يصدر من قيادتها.. لا من واشنطن أو لندن أو موسكو.. ولتمضى أطول 24 ساعة فى تاريخ مصر, لاختبار قدرة أبنائها على إدارة قناة السويس.. لم يتغير شىء.. إنتظمت الملاحة دون إرباك لحركة التجارة العالمية.. وتعالت أصوات "خدم الملكية والاستعمار" لتقول أن ملكية قناة السويس كانت ستعود إلى مصر بعد اثنى عشر عاما.. هؤلاء لم يقرأوا أن فى مصر رئيس وزراء – بطرس غالى – تم اغتياله عام 1910 حين فكر فى التوقيع على مد امتياز شركة قناة السويس.. هؤلاء لم يقرأوا أن الولايات المتحدة الأمريكية, لم تتخلص من سلطة بريطانيا وفرنسا بالتراضى.. بل دفعت الثمن دما لتنال استقلالها. وهؤلاء مازالوا يرددون هذا الكلام الفارغ, دون التفات إلى أن بريطانيا لم تترك جبل طارق لأسبانيا.. وذهبت للحرب مع الأرجنتين لتؤكد تمسكها بجزر "فوكلاند".. وبريطانيا لم تترك جزر "كايمان".. و"جيرسى" وتصارع فى "هونج كونج" لأنها حولت هذه الجزر إلى أورام سرطانية تمص دماء الشعوب عبر نظام "الأوف شور" المالى, والذى أرادوه مؤخرا أن يتحول إلى نظام سياسى بعد اختباره فى "سنغافورة" و"موريشيوس" و"دبى" و"الدوحة" ثم "السعودية" التى رضخت قبل سنوات!
تم إعلان تأميم شركة قناة السويس لتنقلب المعادلات السياسية والاقتصادية والفكرية فى العالم.. كان ضروريا بالنسبة للغرب استخدام كل أسلحته وأوراقه, من أجل إجهاض التجربة.. فكان العدوان الثلاثى على مصر.. إحتلت إسرائيل سيناء بدعم انجليزى – فرنسى, وتركتها كاملة بشروط مصر.. قاتلت "بوسعيد" و"السويس" وأعلن شعب مصر تصديه للدبابات والطائرات والمدافع.. إنتهى جنون الاستعمار القديم بكسر إمبراطوريتى بريطانيا وفرنسا.. ظهر على السطح لاعبان جديدان, هما واشنطن وموسكو.. ليبدأ فصل جديد من السيادة المصرية بتحدى "واشنطن" ورفض حاسم لأن تكون مصر تابعا للاتحاد السوفيتى.. ودخلنا فى زمن "المؤامرات على الهواء" لنشهد تحالفات تتغير أشكالها.. كلها تستهدف مصر التى أصبحت زعيمة لدول العالم الحر, وتحولت إلى قبلة لكل شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. لدرجة أن "أيزنهاور" علق على احترام دول العالم للزعيم "جمال عبد الناصر" بعد الانتهاء من إلقائه خطابه فى الأمم المتحدة عام 1960.. وكانت المرة الوحيدة التى زار فيها أمريكا بقوله: "عبد الناصر.. أصبح يحكم نصف العالم"!
كل هذا حدث بقرار نابع من إرادة سياسية وضمير وطنى.. وفرض ذلك أن تظهر "ماكينات تزوير التاريخ" و"تكنولوجيا تشويه الحقائق" التى أمسك زمامها "رجال مال" قامت بصناعتهم "واشنطن" و"لندن" وأطلقتهم على الدنيا.. تارة باسم "رجال الأعمال" ومرة باسم "المستثمرين" تحت لافتة "أوف شور" غامضة لنشهد فى النهاية تخريبا وخرابا طال عددا كبيرا من دول العالم.. ودفع العالم العربى أفدح الأثمان.. ومازال يدفع.. فعجلة التخريب تدور بسرعى رهيبة.. يتبع