- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
نصر القفاص يكتب : "محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون !! (18)
نصر القفاص يكتب : "محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون !! (18)
- 26 يونيو 2021, 12:11:23 ص
- 862
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما نناقش شهادة "محمد نجيب" فى مذكراته.. يجب أن نتوقف بجدية أمام ما كتبه - حتى ولو كان هزلا - لذلك تفرض مسألة تشكيل مجلس الوصاية على العرش, الذى تنازل عنه "فاروق" لابنه "أحمد فؤاد الثانى" ضرورة التوقف عندها.. يذكر "كاتب المذكرات" أن: "الإخوان المسلمين كان رأيهم إسقاط الملكية وإعلان الخلافة الإسلامية فورا" ثم يقول: "كان رأيى تشكيل مجلس الوصاية على العرش"
نحن هنا إذن أمام رأيين وموقفين.
"الإخوان" يرون إسقاط الملكية.. و"محمد نجيب" يرى استمرار الملكية.
هو يروى تفاصيل الخلاف الدستورى والقانونى, على طريقة تنفيذ مجلس الوصاية على العرش.. هو يقول أن مجلس الدولة برئاسة الدكتور "عبد الرازق السنهورى" أصدر فتواه بطريقة تشكيل مجلس الوصاية.. وهو يقول أن الدكتور "وحيد رأفت" كان الوحيد الذى اعترض على هذه الفتوى.. ثم يكشف عن أنه: "لم أكن مستريحا لصحة فتوى مجلس الدولة.. كنت أميل إلى رأى وحيد رأفت.. فلا أعرف ماذا دفع مجلس الدولة لاستصدار الفتوى.. هل هو الخوف من الضباط؟! هل هى محاولة من البعض لتقديم خدماته إلى السلطة, حتى لو كان الدستور هو الثمن"؟!
ستجد بوضوح أن "محمد نجيب" يتهم مجلس الدولة بالعبث بالدستور.
الكلام واضح بما لا يحتمل شكا أو تشكيكا.. أن مجلس الدولة برئاسة الدكتور "عبد الرازق السنهورى" إما أنه خاف من الضباط الذين يدعى "محمد نجيب" أنه قائدهم.. أو أنهم حاولوا تقديم خدمات إلى السلطة وهو على رأسها.
صدر الكتاب بطبعاته الكثيرة, دون أدنى اكتراث من مجلس الدولة.. ربما لأنهم يخشون كشف حقيقة أن كافة المسائل الدستورية والقانونية, تركها الضباط لأهلها - مجلس الدولة - وهم الذين وضعوا علامات طريق رجال الثورة إلى المستقبل.. وقد تكون رؤيتهم أن ما ذكره "أول رئيس لمصر" لا يستحق عناء الرد!! رغم أنه قال بحسم: "لقد فصلوا قانونا.. فبركوا القانون"!!
لا تندهش عندما تجد "محمد نجيب" يكتب: "ماذا أفعل؟! ماذا أقول؟! أمام أغلبية قانونية, وحكومة يرأسها على ماهر توافق وترحب بذلك"!!
يمضى "محمد نجيب" فى شهادته ليقول: "أصبح علينا اختيار أسماء مجلس الوصاية.. إقترحوا الأمير محمد عبد المنعم.. فوافقت.. إقترحوا بهى الدين بركات.. فوافقت.. إقترحوا رشاد مهنا.. فاعترضت.. كان لاعتراضى ما يبرره, فهو خشى مواجهة الملك بعد صدام النادى وطلب نقله إلى العريش.. خشيت عليه أن لا يعرف حدوده فى هذا المنصب.. ألح زملائى لأقبل تعيين رشاد مهنا"!
تذهب بعد ذلك وزارة "على ماهر" ويتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة "محمد نجيب" ليكون رئيس الوزراء الثانى بعد الثورة.. وهذا توضيح واجب قبل أن أنقل بالنص من المذكرات: "لم تمر عشرة أسابيع حتى وقع الخلاف بيننا وبين رشاد مهنا الذى تجاوز حدود سلطته الدستورية.. تدخل فى شئون تطهير الأحزاب والهيئات السياسية.. كان يتصل بالوزراء ويقحم نفسه فى شئونهم.. إتصل برجال الصحافة وناقش معهم بعض الأمور, وكان يعترض عليها.. كما أنه كان يسعى لإحياء الخلافة الإسلامية ليكون على رأسها"!!
كل ذلك فعله "رشاد مهنا" كما يقول "أول رئيس لمصر"
نستأنف مع "محمد نجيب" ما كتبه, فهو يقول: "فى يوم من أيام شهر اكتوبر 1952 إتصلت به فى مكتبه بقصر عابدين, لتهنئته بمولود رزق به ولتحديد موعد آراه فيه.. لتقديم التهنئة مباشرة وجها لوجه.. فإذا به يصرخ فى وجهى ويقول: أريدك أن تأتى لمكتبى فى القصر, ومعك سليمان حافظ نائبك لمقابلتى.. تعجبت من هذا الاستدعاء.. رغم ذلك قررت أن أستجيب له, لأنه أحد الأوصياء على العرش الذين لهم بحكم منصبهم اتخاذ هذه الخطوة.. توجهت فعلا أنا وسليمان حافظ إلى القصر.. قابلت رشاد مهنا واستمر اللقاء لأكثر من ساعة.. كان ثائرا جدا ويتحدث إلينا فى عنف, ويضرب المكتب بقبضة يده ونحن نسمع ولا نعلق.. فقال : أحب أن تعرف أن رشاد مهنا ليس بصمجيا.. قلت له: أنت ثائر الآن, وأنا أفضل أن أتركك بضعة أيام حتى تستعيد هدوءك.. لكنه ازداد انفعالا, وقال فى ثورة شديدة: إعلموا أننى لن أكون طرطورا"!!
لنا أن نتخيل أحد أعضاء مجلس الوصاية على العرش, يستدعى رئيس الوزراء فيلبى النداء فورا ومعه نائب رئيس الوزراء - سليمان حافظ - رجل القانون والدستور.. ويتعرض لكل هذه الإهانات, وكل ما يفعله هو محاولة تهدئة ضابط أقل منه رتبة فيما قبل.. وعضو مجلس وصاية شكلى.. لكن "أول رئيس لمصر" يقفز من الواقعة بسرعة ليكتب بصيغة الجمع: "إتخذنا قرارا بإقالته وتحديد إقامته" ثم يعود إلى صيغة صاحب الأمر والنهى فى الجملة التالية: "إقترحت على مجلس الوزراء أن نكتفى بوصى واحد هو الأمير محمد عبد المنعم بعد أن أصر بهى الدين بركات على الاستقالة.. وافق سليمان حافظ وقال: لا مانع من الناحية القانونية"
يجب أن ندقق "إتخذنا قرارا بإقالته".. من هم؟!
كان صاحب القرار هو مجلس قيادة الثورة برئاسة "جمال عبد الناصر"
لم يرد "محمد نجيب" ولم يشر إلى "عبد الناصر" من قريب أو بعيد.
يصل "كاتب المذكرات" إلى قوله: "يوم 14 اكتوبر 1952 أذعت البيان الخاص بإعفاء رشاد مهنا من موقعه" بصيغة صاحب الأمر والنهى!!
يستحق هذا البيان أن تقرأه بعناية لتفهم حقيقة القرار, وسر اتخاذه بكل التفاصيل الدقيقة.. وجاء فيه: " لقد قام الجيش بثورته, وكان أول أهداف الثورة هو القضاء على الطغيان.. أقصت ملكا طاغيا لا يحترم السلطات, ودأب على التدخل فى شئون الحكم.. ويؤسفنا أن الجيش رشح أحد ضباطه القائمقام محمد رشاد مهنا فى مجلس الوصاية المؤقت, وطلب منه أن يلتزم حدود وظيفته كوصى لا دخل له بشئون الحكم.. فأخذ تارة يتصل بالوزراء طالبا إجابة مطالب شتى أكثرها وساطات ومحسوبية.. وتار أخرى يتصل برجال الإدارة, وتمادى إلى أن حدث يوما أن أمر بمباشرة إيقاف إصدار إحدى الصحف.. بل وسحب رخصة أخرى.. وقد نبه عليه المرة تلو المرة.. لكنه تجاهل ما كان يوجه إليه من نصح وإرشاد.. فحدث أن سمح لنفسه بأن يعارض علنا قانون تحديد الملكية الزراعية - الإصلاح الزراعى - رغم علمه بأن القانون هو حجر زاوية فى الإصلاح الشامل الذى تريده الأمة والجيش, وقيادته التى قامت بتوجيه الحركة.. بلغ به التمادى فأخذ يدلى بالتصريحات العامة للصحف والمجلات الأجنبية, وبعض هذه التصريحات من صميم سياسة الدولة وهذا ما لا يجوز أن يصدر من وصى على العرش.. فقد تناول موضوع السودان وموضوعات شتى داخلية.. أخذ يتصل بدور الصحف موحيا إليها القيام بدعاية واسعة النطاق له, ودأب على بث روح الفرقة حتى خيل للبعض أن هناك جملة اتجاهات للجيش وليس اتجاها واحدا قويا نحو غاية مرسومة.. وقد تحملت القيادة العامة تصرفاته هذه على مضض أسبوعا بعد أسبوع, وإلى أن تقدم حضرته رسميا لنا بطلب تدخله الفعلى فى كل أمور الحكم.. من ذلك ظهر بوضوح أن حضرته لم يستطع التمشى مع أهداف الحركة والسير على مبادئها المرسومة.. لذلك قررنا إعفاءه من منصب الوصاية على العرش, وليعلم الجميع أن الحركة قائمة على المبادىء ولن تقف فى سبيلها نزوات أشخاص أو أطماع أفراد.. والله ولى التوفيق"
لم يشر البيان إلى واقعة إهانة رئيس الوزراء ونائبه إحتراما وتقديرا
أكد البيان فى أكثر من موضع على مبادىء الحركة, رغم أن بدايته تحدث عن الثورة.. وذكر البيان كافة التفاصيل بشفافية غير عادية, وشرح فيه بإسهاب ليعرف الشعب ما يدور فى كواليس الحكم.. ولم يتحرج البيان من ذكر أنه يعزل أحد ضباط الجيش من موقعه الرفيع.. وتحدث البيان بصيغة الجمع دائما.
حدث ذلك وقت أن كان "محمد نجيب" رئيسا للوزراء.. ووقت زعمه بأنه قائد الثورة, وتم عزل من تجاوز فى حق أكبر مسئول سياسى ونائبه.. لكن المفاجأة أن "محمد نجيب" يكتب سطورا مذهلة, يقول فيها: "إختفى بهذا البيان رشاد مهنا من الحياة العامة.. وعلى أن ذلك كله لا يمنع أن أذكر إعجابى واحترامى لشخص رشاد مهنا.. لا يمنع أن أذكر أنه كان ضحية مثلى.. فقد أراد جمال عبد الناصر ومجموعته إبعاده فى منصب شرفى - منصب الوصى - عن القيادة وعن السلطة الفعلية, وعندما غضب سارعوا بإبعاده.. أكلوه لحما ورموه عظما.. كما فعلوا بى بعد ذلك تماما"!!
ظنى أن هذه الفقرة كفيلة بأن تفجر ضحكاتك وتسيل دموعك!!
الرجل الذى كان "أول رئيس لمصر" يرى فى "رشاد مهنا" جبانا قبل الثورة, وهرب وترك المواجهة مع الملك.. والرجل اعترض على أن يكون عضوا بمجلس الوصاية لأسبابه.. والرجل استدعاه "رشاد مهنا" وأهانه وقت ان كان رئيسا للوزراء أمام نائب رئيس الوزراء.. والرجل يعلم ما جاء فى البيان من خطايا للذى تم إبعاده, لأن البيانات كانت تصدر باسمه كقائد - افتراضى - للحركة أو الثورة!! لكن الرجل يعود ليقول أنه معجب بشخصه ويحترمه.. هذا شأنه.. ثم يزعم أن "عبد الناصر" أبعد "رشاد مهنا" إلى منصب شرفى لإبعاده عن السلطة الفعلية.. القائل هو نفسه الذى كان رئيس السلطة الفعلية!! ثم يتباكى ويعزف اللحن الذى صدرت مذكراته, وتم ترويجها ليسكن ذاكرة السفهاء, حين يقول: "أكلوه لحما ورموه عظما.. كما فعلوا بى بعد ذلك تماما"!!
هل يمكن أن تسمع أو تقرأ عجبا كذلك؟!
هل يمكن أن تسمع أو تقرأ كذبا صريحا وواضحا أكثر من ذلك؟!
الإجابة.. نعم.. لأن ما بعده كان قول "محمد نجيب" فى مذكراته: "حاولت قدر استطاعتى إبعاد الجيش عن الحياة المدنية وعودته إلى الثكنات وترك البلد للسياسييين" ثم يصب جام غضبه على العسكريين كما لو كان طبيبا أو صحفيا أو محاميا!! فهو يحط من شأنهم بما لا أحب أن أكرره.. لتأخذ لغته فى الكتابة منحى مدروس لينفذ المنهج بدقة.. حين يقول: "ومن إنجازات العسكريين أيضا فى تلك الفترة, كان قانون الإصلاح الزراعى.. وأنا أريد أن أتوقف قليلا عند هذا القانون"
هنا وصل "محمد نجيب" إلى ضرب الثورة فى عمودها الفقرى.
سيلبس ثوب الدفاع عن "رشاد مهنا" وكل "رشاد مهنا" كان - ومازال - ضد قانون الإصلاح الزراعى.. سيشرح كيف كان ضد القانون.. ثم كيف وافق على القانون.. ثم عاد ليرى فى القانون سبب انهيار مصر!!
أقرأ معكم بصوت عال مذكرات الرجل الذى فوجئنا بأنه قائد الثورة, وجب تكريمه وإعلاء شأنه على نحو مذهل يستوجب التفكير بهدوء عميق.. يتبع