- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
نصر الققاص يكتب : نجيب الذي لا يعرفة المصريون.. ٦
نصر الققاص يكتب : نجيب الذي لا يعرفة المصريون.. ٦
- 12 أبريل 2021, 2:45:29 ص
- 745
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أتجنب التوقف طويلا أمام الهزل فى كتاب "كنت رئيسا لمصر" رغم أن معظم صفحاته هزل!! بقدر الإمكان أتجاوز عما يحول "الهزل" إلى "مهزلة" تركها "محمد نجيب" كوثيقة وشهادة.. شئنا أم أبينا هى شهادته.. أرادها شهادة ضد الثورة و "عبد الناصر" فإذا بها شهادة تدينه وتدين الذين يرفعون "قميص محمد نجيب"!!
أعلم تمام العلم أن الذين استخدموا – ومازالوا يستخدمون - "سلاح محمد نجيب" باعتباره حامى حمى الديمقراطية, يريدون أن يعرفوا بطولته فى حرب فلسطين التى تحدث عنها.. أرجوهم أن يجهدوا أنفسهم بقراءة مذكراته.. أتمنى أن يقوموا بنشرها والدفاع عنها, مع يقينى أنهم لن يفعلوا.. فقراءتي هدفها كشف خبث من يرفعون قميصه, والتركيز على الحقائق التى لم يقدر على إنكارها.. وقراءتي لم – ولن – تغفل كل سبه وقذفه واتهاماته للثورة وزعيمها الذى هو قائدها "جمال عبد الناصر".
يقول "محمد نجيب" فى مذكراته: "كنا نحارب قدر استطاعتنا رغم ضعف الأسلحة والمهمات التى تحت أيدينا.. أحيانا لم يكن فى استطاعتنا استخدام بعض المدافع الانجليزية بسبب نقص القذائف.. كانت الدبابات التى نركبها تقف عاجزة عن الحركة لعدم وجود قطع غيار لها.. حتى القنابل اليدوية التى استوردناها من إيطاليا, كانت سيئة الصنع لدرجة أنها كانت تنفجر فى وجوه الجنود.. أما البنادق التى اشتريناها من أسبانيا, فكان تاريخ صنعها يرجع إلى عام 1912.. وعرفنا بعد ذلك أن الملك فاروق وحاشيته, كانوا على رأس العصابة التى تاجرت فى الأسلحة الفاسدة.. كانوا يشترون انواعا رديئة من أسواق السلاح بأثمان رخيصة, ويحاسبون الحكومة على أسعار أعلى ويقبضون الفرق"!! ثم يضيف مستدركا: "كانت هزيمتنا فى فلسطين نتيجة عوامل سياسية دولية, لم نتمكن من التحكم بها.. ونتيجة للفساد فى نظام الحكم"
يكيل "محمد نجيب" كل الاتهامات والسباب لقائده فى الحرب اللواء "أحمد على المواوى" الذى يصفه بأنه رجل قصير – نجيب دخل الجيش رغم أنه قصير – وكان مريض بالسكر وتصلب الشرايين.. وهنا يصبح من الضروري الإشارة إلى أن الثابت أن اللواء "أحمد المواوى" صارح رئيس الوزراء "محمود فهمى النقراشي" بحقيقة وضع الجيش وعدم استعداده للحرب, وذلك ذكره أكثر من مؤرخ وكاتب للوقائع.. لكن "محمد نجيب" يراه من زاوية مختلفة.. ويحكى عن نفسه.. أنه تحمل المسئولية وحارب وقاتل وانتصر, وتعرض لإصابات كثيرة ونجا من الموت لدرجة أن: "أكثر من مرة قال عنى أصدقائي وزملائي وجنودي, أننى ضد الرصاص واعتقد كثير من الضباط والجنود السودانيين الذين كانوا يقاتلون معنا, أننى احمل حول عنقي حجابا يحميني من الموت"!! ثم يكشف عداءه للواء "أحمد المواوى" لأنه قال له أمام جميع الضباط والجنود "أنت كذاب"!!
ننهى حرب فلسطين برواية "محمد نجيب" واستخلاصه النتائج التى كتبها, وفيها قال: "تأثير ما حدث فى فلسطين ظل فى صدرى كالرصاصة التى تستقر فى اللحم ولا تخرج منه أبدا.. ففي فلسطين اكتشفت أن العدو الرئيسي لنا ليس اليهود.. إنما الفساد الذى ينخر كالسوس فى مصر, والذى يتمثل فى الملك والحاشية والإقطاع.. وكنت أول من قال: المعركة الحقيقية فى مصر ليست فى فلسطين, وهى العبارة التى نسبها جمال عبد الناصر لنفسه بعد ذلك.. وكنت لا أتردد فى أن أقول هذا الكلام لكل من أثق فيه من الضباط.. وفى فترة من الفترات كان الصاغ أركان حرب محمد عبد الحكيم عامر هو أركان حرب اللواء الذى أقوده, ويبدو أن كلامي عن الفساد أثر فيه.. فذهب إلى صديقه البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر, وقال له كما ذكر لى بعد ذلك.. لقد عثرت فى اللواء محمد نجيب على كنز عظيم"!!
لاحظ.. ويجب ان تلاحظ محاولة "كاتب المذكرات" التأكيد على أن "عبد الناصر" سرق منه حتى كلامه!! هذا ما يقصد تمريره.. ثم يجد نفسه مضطرا لذكر واقعة أن "عبد الحكيم عامر" هو الذى قدمه للزعيم "جمال عبد الناصر" وحتى يوجه لكمة أخرى – كذبة – بذكر حكاية لم يقلها غيره, فيقول: "تعرفت على عبد الناصر وكمال الدين حسين وأنور السادات وصلاح سالم خلال شهور الحرب.. ولم يلفت انتباهي جمال عبد الناصر.. لكنني أتذكر أنه كان يحب الظهور, ويحب أن يضع نفسه فى الصفوف الأولى والدليل على ذلك ما حدث فى الفالوجا.. كنا نلتقط صورة تذكارية, ففوجئت بضابط صغير يحاول أن يقف فى الصف الأول مع القادة.. كان هذا الضابط هو جمال عبد الناصر, لكنني نهرته وطلبت أن يعود لمكانه الطبيعي فى الخلف"!!
لاحظ – أيضا – أن "محمد نجيب" يذكر حقائق ويخلطها بأكاذيب هى المقصود ترويجها عبر مذكراته.. وتلقفتها – ومازالت – آلة الحرب ضد الثورة وعبد الناصر لترويجها على أنها معلومات وحقائق.. منها ما كتبه, يقول: "عرفت عن عبد الناصر بعد ذلك, أنه لم يحارب فى عراق المنشية كما ادعى.. لكنه ظل طوال المعركة فى خندقه.. والحقيقة أن الجنود السودانيين هم الذين حاربوا هناك.. وقد سجل بعضهم تفاصيل القتال الذى دار فى عراق المنشية فى قصائد طويلة, وصفوا فيها عبد الناصر وصفا غير لائق بضابط مصري"!!
لم يكتب تفاصيل أخرى.. لم يذكر شيئا من القصائد التى يتحدث عنها.. وشهوده على أن "عبد الناصر" لم يقاتل هم جنود سودانيين.. أى أن المصدر مجهول, واتهاماته لم يرد ذكرها فى أى مذكرات صدرت لاعداء او انصار.. ثم نصل إلى حكاية أخرى.. كانت – ومازالت – جماعة "الإخوان" تروجها, وتولاها عنهم "خدم الملكية والاستعمار" وفى هذه الحكاية قال: "أثناء الهدنة مع اليهود.. جاء ضابط يهودي إسمه كوهين يسأل عنه – يقصد عبد الناصر – لم يكن موجودا.. كتب له خطابا وتركه مع ضابط كان من الإخوان المسلمين, إسمه معروف الخضري.. لم أعرف ما فى الخطاب, لأن أخلاقنا لم تسمح لنا بقراءته.. وكان هذا خطأ كبير من أخطائي التى أعترف بها"!!
ما يذكره "محمد نجيب" فى مذكراته إشارة إلى خيانة أو تواطؤ, لم يلفت نظره.. هو يعتبر ذلك خطأ وليس جريمة سقط فيها قائد!! وبعدها يكتب ما يذهلك, ويكشف الكذب البواح والافتراء الفاجر.. فهو كتب يقول: "فى يوم من الأيام جاء عامر ومعه جمال عبد الناصر.. عرفت يومها أنه زعيما لتنظيمهم, وأنه جاء ليرى ويزن تقدير عامر لي ولشخصيتي.. وكان هذا شيئا غريبا.. أن تقوم الرتب الصغيرة بفحص وطنية الضباط العظام, ومع ذلك لم أعترض.. لأننى كنت مقتنعا بأن خلاص مصر يقع على عاتق الضباط الأحرار الصغار.. فقد كان ينقص ضباطنا العظام الجرأة.. كنا نريد حيوية وإصرار وحرارة الصغار, وعقول وحكمة الكبار"
لم أضع علامات استفهام أو تعجب داخل النص الذى كتبه "محمد نجيب" لكن الواقعة تفجر أسئلة لا يمكن المرور عليها.. أولها أن "عبد الناصر" جاء يزن شخصية "محمد نجيب".. بمعنى أنه لم يعرفه من قبل.. وبما ينفى أن "محمد نجيب" زجره أو نهره لحظة أن حاول "عبد الناصر" أن يقف فى مكان غير مكانه, عند التقاط صورة تذكارية!! وإذا كان "أول رئيس لمصر" قد وافق على أن يزنه ضابط أصغر منه, فكيف.. ولماذا وافق على أن يعمل مع من زاره الضابط اليهودي – وطالما أنه يهودي فلابد أن يكون اسمه كوهين – ويترك له خطابا؟!! والمدهش أن "كاتب المذكرات" لم يذكر أن "عبد الناصر" عاتبه على زجره له أو نهره عند التقاط الصورة.. قد تكون ذاكرة "عبد الناصر" ضعيفة ونسى الواقعة.. ولكن.. هل كانت ذاكرة "محمد نجيب" ضعيفة لكى ينسى حكاية "خطاب كوهين"؟!!
يدلنا حكماء زمان على أن "كذب مساوى ولا صدق ملخبط"!! لكن مذكرات "أول رئيس لمصر" تفرض عليك أن تطرح الحكمة جانبا.. فكل كتاب "محمد نجيب" كانت له أهدافه.. والرهان على تحقيق هذه الأهداف, أننا لا نقرأ.. وبناء عليه أصبح الرجل مظلوما.. أصبح مفترى عليه.. ثم كان ترويج أن الثورة هدمت مصر, وعلى التوازي "عبد الناصر" هدم "الديمقراطية" ونسف "الليبرالية" حتى وصلنا إلى محطة أن "محمد نجيب" قائد و محمد نجيب" واجب وطني!! لذلك أرى ضرورة أن نعود إلى المذكرات التى يجب علينا جميعا قراءتها.
يذكر "محمد نجيب" فى مذكراته: "لم يمر وقت طويل حتى أصبح عامر وعبد الناصر يزوراني بالليل.. أحيانا كنت أتأخر لارتباطات ما, وأصل إلى بيتي لأجد سيارة عبد الناصر الأوستن السوداء تقف فى زاوية قريبة من بيتي الذى يقع فى شارع سعيد.. فى آخر شارع جانبي من شارع طومانباى.. وفى الميدان كان يقع ملهى ليلى يسمى.. حلمية بالاس.. عندما كنت أتأخر, وحتى يبعد عبد الناصر الشبهات عن نفسه.. كان يتظاهر وعبد الحكيم عامر بأنهما ينتظران شخصا ما فى النادي الليلى.. وكان ياتى معهما صلاح الدين سالم, وكان رائدا صغيرا.. كانت صلعته تعطيه سنا أكبر من سنه الحقيقي – 30 سنة – وكنت لا أستريح لصلاح سالم, وكان فى قلبى بعض الشكوك فيه لصلته الوثيقة بالفريق محمد حيدر.. لكن تبين لي أن شكوكي ليست فى محلها.. وكان ثلاثتهم من أصحاب الشوارب مثلى.. وبعد لقاءات عديدة إتفقنا على الخطوط العريضة.. ودعاني عبد الناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار, وهو تنظيم سرى كان هو مؤسسه ورئيسه.. ووافقت على ذلك"!!
لم يذكر "محمد نجيب" فى مذكراته أن "حلمية بالاس" كان يسهر فيه الملك "فاروق".. خلط الأوراق بذكر أن "صلاح سالم" قريب الصلة بالفريق "حيدر" والحقيقة أن "عبد الحكيم عامر" كان صاحب هذه الصلة بحكم القرابة.. واضطر للاعتراف بأن "عبد الناصر" هو المؤسس والرئيس للتنظيم السرى.. وبعدها بسطور نسف كل رواياته, وخيالاته حين كتب: "من بين الضباط التسعة الذين كانوا فى مجلس قيادة الثورة.. كنت أقابل خمسة هم, عبد الناصر, وعامر, وحسن ابراهيم, وصلاح سالم, وزكريا محيى الدين.. وبعد حرائق القاهرة فى يناير 1952 كان عبد الناصر يأمل أن يضع اللواء أحمد صادق رئيسا للتنظيم.. لكن اللواء صادق تنحى واعتذر عن المهمة, وإن لم يتوقف عن مساعدتنا بين الحين والآخر".. والحقيقة أن اللواء "صادق" لم يتنحى, ولم يعتذر.. لأنه ببساطة لم يعرض عليه الأمر أصلا!!
مازال فى جعبة "أول رئيس لمصر" الكثير من القصص المسلية, وهى المذكرات التى مازالت تلعب دورها فى ترويج وترسيخ الأكاذيب.. ثم قلبها إلى حقائق
.. يتبع