هل أثار أسرى جلبوع “أزمة الهوية” في الوسط العربي داخل إسرائيل؟

profile
  • clock 19 سبتمبر 2021, 5:33:29 م
  • eye 534
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ثمة تفسيرات متعارضة عرضتها “هآرتس” مؤخراً لسلوك العرب في قضية إلقاء القبض على السجناء الفلسطينيين الذين هربوا من سجن جلبوع. التفسير الأول يردد أقوال وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، الذي يقول إن القصة الكبيرة هي “ولاء عرب إسرائيل للدولة”؛ عبد ل. عزب يعرض حلاً للتوتر بين المواطنة والقومية. كعربي، يوصي باستضافة السجناء، وكمواطن يوصي بتسليمهم للشرطة (“كنت سأسلمهم للشرطة”، “هآرتس”، 14/9). التفسير الثاني لروغل الفر، القائل بأن قلق العرب على رفاههم الاقتصادي يقصي التزامهم الوطني (هرب السجناء أثبت أن تماهي البرجوازية العربية هو مع البرجوازية اليهودية، “هآرتس”، 14/9). وثمة استنتاج لعدد من الفلسطينيين في المناطق المحتلة مشابه، وهو أن العرب في إسرائيل ليسوا فلسطينيين.

في هذه التفسيرات ذرة من الحقيقة. وجدنا في سلسلة الاستطلاعات التي أجريت مؤخراً أن المواطنين العرب يعتبرون أنفسهم إسرائيليين. هم يركزون على القضايا الداخلية، ومعظمهم لا يرى في الفلسطينية مركباً أول للهوية. ووجدنا أيضاً أن تداعيات “الربيع العربي” والتحسن الذي حدث على الوضع الاقتصادي لعدد من المواطنين العرب، عززت رغبتهم في أن يكونوا جزءاً من الدولة.

بكلمات أخرى، قوة “سياسة الهوية” ضعفت، مثلما صاغ ذلك عزمي بشارة قبل ثلاثة عقود تقريباً. ونسيج ولاء العرب في إسرائيل الآن معقد أكثر، كما يمكننا أن نلاحظ ذلك في نجاح منصور عباس في الانتخابات وفي الأجندة السياسية التي يقودها أيمن عودة مؤخراً. ولكن هذه الإسرائيلية الجديدة لا تلغي الهوية الفلسطينية ولا تعكس حسماً واضحاً بين الولاء المدني والولاء القومي. هي بالتأكيد لا تحل التوتر العميق القائم لدى شخص بين هويته العربية والإسرائيلية والفلسطينية. على الأقل ليس من قبل حوالي ثلث المواطنين العرب في إسرائيل، الذين يعتبرون الفلسطينية مركباً رئيسياً في وجودهم.

لذلك، من الجدير تبني رؤية أكثر ديناميكية وديالكتيكية بالنسبة لمسألة العلاقة بين المواطنة والقومية والسلوك والاعتراف بالعلاقة المعقدة بين الهويات الإسرائيلية والعربية والفلسطينية. في هذا الإطار، من المهم الأخذ في الحسبان البناء الاجتماعي للهوية القومية، وكذلك أساس الخوف الذي يحيط بالعرب في إسرائيل منذ إقامتها.


الخوف نتيجة للنكبة والسياسة التي اتبعتها حكومات إسرائيل على أجيالها. هو ينبع من الإدراك بأنك خاضع لامتحان دائم هدفه تحديد “هل أنت معنا أو ضدنا”. ومن المطلوب إثبات الولاء في أي مقابلة مع وسائل الإعلام المؤسساتية، عبر إدانة الإرهاب. وغياب عنوان سياسي واضح وقيادة متفق عليها تبلور سياسة في مسألة الالتزام تجاه الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، ومواجهة المشكلات الداخلية، وتعزيز الديمقراطية الإسرائيلية، كل ذلك يعزز الخوف أيضاً.

عندما تكون “الحسابات طويلة المدى”، كما وصف عبد ل. عزب، تدفع العرب في إسرائيل إلى التنكر لعلاقتهم بالشعب الفلسطيني، فإن العرب واليهود أيضاً يكونون في مشكلة. المواطن بدون قومية في دولة قومية هو مواطن من الصنف “ب”، الذي إنسانيته جزئية. والمواطن الذي يصل إلى هذا الموقف لأسباب استراتيجية يثبت أن الدولة التي يعيش فيها لا تحترمه ولا تلتزم بالإنسانية. بشكل مشابه، تسليم السجناء بسبب الخوف ربما يشكل شهادة امتياز لدولة ككيان عنيف، لكنه يشكل شهادة فقر للديمقراطية في إسرائيل.

بناء على ذلك، بالنسبة لحوالي نصف المواطنين العرب الذين يقرون بوجود علاقة عميقة مع القومية الفلسطينية، إلى جانب الحاجة إلى الهوية الإسرائيلية، فإن هناك شيئاً مزعجاً في الإطراءات التي أغدقها عليهم وزير الأمن الداخلي، وهناك شيء يثير القلق الكبير في أجندة ل. عزب، الذي يتصرف كعربي – إسرائيلي وليس كفلسطيني. بالنسبة لجزء من العرب، فإن طريقة مواجهة الإطراءات المحرجة لليسار الصهيوني ستكون التنصل من الإسرائيلية أو التفاخر، مثلما فعل محمد بركة، بالاتحاد مع أجزاء الشعب الفلسطيني الأخرى ورفض أي محاولة للتفريق بينه، سواء في إسرائيل أو في الخارج، مع تجاهل الفروق بين العرب في إسرائيل وباقي الشعب الفلسطيني.

من الأفضل للمحللين الديمقراطيين والليبراليين مثل روغل الفر واوري تلشير، الذي أثني على الإطراءات التي أغدقها بارليف على المواطنين العرب (“هآرتس”، 11/9)، أن يأخذوا في الحسبان التداعيات المحتملة لأقوالهم على الشعور بالإسرائيلية للعرب، وعلى التزامهم بالفكرة الوطنية الفلسطينية. من الأفضل أن يعترفوا بأن تصريحات الثناء على الولاء المدني والاستهزاء بالعلاقة الوطنية، في الظروف الحالية، ستؤدي تقريباً بصورة حتمية إلى تطرف قومي لن يفيد أحداً. هذا على فرض أن هدف هؤلاء المحللين هو تعميق الديمقراطية لا المس بها، وأنه يعنيهم ليس فقط زيادة حركة السير ولكن أيضاً القيادة بمسؤولية.


بقلم: دورون نابوت ومحمد خلايلة

هآرتس 19/9/2021

التعليقات (0)