- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
هل يؤدي خط الصداقة إلى تهدئة التوترات التركية - اليونانية؟
هل يؤدي خط الصداقة إلى تهدئة التوترات التركية - اليونانية؟
- 20 أكتوبر 2022, 9:36:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وسط تنافس استراتيجي طويل الأمد، افتتحت اليونان وتركيا، يوم 10 أكتوبر الجاري، خط عبَّارات بين سالونيك في شمال اليونان وميناء إزمير بغرب تركيا يُسمَّى “خط الصداقة”، وهو ما عزز اعتقاد البعض أن ثمة احتمالية بحدوث انفراجة في العلاقات بين الدولتين في ظل استمرار تصاعد حدة التوترات بينهما في ملفات عدة، أهمها التوترات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، والتنقيب والكشف عن موارد الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز) في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن التهديدات العسكرية المتواصلة بينهما، ومشكلات الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى اليونان، ناهيك عن إشكالية قبرص المزمنة؛ إذ ظلت تلك القضايا مهددة لحالة الاستقرار في منطقة شرق المتوسط عامة، وبين الدولتين خاصة.
تحديات التهدئة
وصلت العلاقات بين الخصمَيْن التاريخيَّيْن إلى أسوأ مستوياتها منذ عقود في الأشهر الأخيرة؛ حيث تظل الخلافات هي السمة الغالبة في طبيعة العلاقات التي تربط بين أنقرة وأثينا؛ لذا فإن مسألة حدوث انفراجة أو تهدئة التوترات بينهما لا تزال مرهونة بمعالجة تلك الخلافات، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
1- استمرار الصراع حول جزر بحر إيجة: اتهم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” جارته اليونانية، في شهر سبتمبر الماضي، بوضع حشد عسكري في جزر بحر إيجة، منذراً بقدرة تركيا على استخدام كل الوسائل المتاحة لديها عند الضرورة للدفاع عن أمنها وحقوقها، خاصة أن “أردوغان” لا يزال معتبِراً تلك الجزر محتلة من قبل اليونان التي حصلت عليها بموجب معاهدات دولية منذ أكثر من قرن، موضحاً أن قواته جاهزة للوصول إلى الأراضي اليونانية فجأةً في أي يوم. من جانبه، قارن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بين خطاب أردوغان ولغة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قُبيل عمليته العسكرية في أوكرانيا؛ الأمر الذي أثار عدة مخاوف باحتمالات نشوب خطر عسكري مباشر بين الطرفين.
2- محاولة اليونان استدعاء ضغوط غربية على أنقرة: قام رئيس الوزراء اليوناني “ميتسوتاكيس” بزيارة للولايات المتحدة في مايو الماضي للضغط بشكل فعال ضد جهود تركيا لشراء طائرات مقاتلة من طراز (F-16) من واشنطن؛ حيث ادعى ميتسوتاكيس أن القوات الجوية التركية كانت تنتهك المجال الجوي اليوناني بشكل يومي؛ لذا سمحت اليونان للولايات المتحدة بالوصول إلى العديد من القواعد العسكرية، وقامت بتحديث التعاون الدفاعي المشترك في عام 2021؛ ما أشعر المسؤولين الأتراك بالقلق من تنامي التعاون الدفاعي والأمني بين أثينا وواشنطن في السنوات الأخيرة، وهو اتجاه ناتج جزئياً عن علاقة أنقرة المتوترة بواشنطن بعد قرار أردوغان شراء منظومة الدفاع الجوي (S-400) من موسكو؛ هذا فضلاً عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين أثينا وباريس في سبتمبر 2021، تسمح لكل منهما بمساعدة الأخرى في حالة وجود تهديد خارجي، علاوة على شراء اليونان ثلاث فرقاطات فرنسية بقيمة 3 مليارات يورو.
3- الخلافات حول موارد الطاقة في شرق المتوسط: تُشكِّل موارد الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) في شرق البحر المتوسط محور خلاف عميق بين تركيا واليونان. ووصل الصدام إلى ذروته في صيف عام 2020 عندما قامت تركيا بعمليات تنقيب عن الغاز في مناطق قالت اليونان إنها ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، كما تجددت الخلافات بعد توقيع تركيا، يوم 3 أكتوبر الجاري، مذكرة تفاهم مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تتعلق بموارد الطاقة في شرق المتوسط؛ ما دفع أثينا إلى التحذير من استعدادها لاستخدام كل قوتها الدبلوماسية والعسكرية للدفاع عن سيادتها ضد ما تسميه الخطط العدائية من قبل خصمها التاريخي؛ الأمر الذي أثار عدة مخاوف من احتمالات حدوث أزمة قد تخرج عن نطاق السيطرة وتزعزع استقرار منطقة شرق المتوسط، لا سيما بعد أن أدت الحرب الأوكرانية إلى أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة منذ نحو نصف قرن، وهي الأزمة التي حثَّت تركيا بدورها على السعي لتكون شريكاً استراتيجياً مؤثراً وحيوياً للغرب، من خلال المشاركة في مشاريع نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو ما تُعارِضه اليونان بشدة نتيجة عدم التزام تركيا بقواعد القانون الدولي في ترسيم الحدود البحرية.
4- انعكاسات خطة تركيا لضم قبرص الشمالية: بالرغم من عدم الاعتراف بها دولياً منذ إنشائها عام 1983، يخطط الرئيس التركي “أردوغان” إلى ضم أراضي قبرص الشمالية إلى الأراضي التركية، حال فوزه في الانتخابات الرئاسية العام القادم؛ حيث إن تركيا هي الوحيدة التي تعترف بها كدولة مستقلة، بل تتعامل حكومة “أردوغان” مؤخراً مع قبرص الشمالية كأنها مقاطعة تركية، وتقوم بدعمها اقتصادياً وعسكرياً؛ الأمر الذي أثار غضب قبرص واليونان؛ حيث تعتبران التحركات التركية هناك تهديداً مباشراً لأمنهما القومي، وخرقاً لكافة قواعد القانون الدولي، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 541 لعام 1983، الذي أكد بطلان إنشاء جمهورية تركية في شمال قبرص؛ إذ إنها ستساهم في تدهور حالة الاستقرار في قبرص، باعتبارها متعارضة مع معاهدة 1960 المتعلقة بإنشاء جمهورية قبرص ومعاهدة الضمان لعام 1960.
5- استخدام النظام التركي الصراع مع اليونان لتعزيز شرعيته: في ضوء استعداد الرئيس التركي “أردوغان” للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في يونيو 2023، يسعى الزعيم التركي إلى استخدام الملف اليوناني، الذي تستغله المعارضة دائماً في مهاجمة حكومته، واتهامها بالتقاعس في اتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على التصرفات اليونانية، كما يقوم الرئيس التركي باتهام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعمهما اليونان؛ إذ عادةً ما يقوم بتصعيد الخطاب القومي لكسب التيارات الإسلامية القومية في حملته الانتخابية، لا سيما بعد المشكلات التي تؤثر على شعبية حزبه الحاكم “العدالة والتنمية”، على خلفية ما تمر به البلاد من تدهور في الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض في قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بعض التقديرات، إلى نحو 7500 دولار مقارنةً بأكثر من 12600 دولار عام 2013.
6- التنازع بشأن ملف الهجرة غير الشرعية: في يوم 15 أكتوبر الجاري، أنقذت الشرطة اليونانية مجموعة من 92 مهاجراً غير شرعي عُثر عليهم عراةً، وعُثر على بعضهم مُصابين، بالقرب من نهر إيفروس الذي يقع على الحدود الشمالية بين اليونان وتركيا. ويأتي ذلك في ظل حث أثينا المستمر لأنقرة على احترام اتفاقها الذي وقَّعته الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016، ووافقت من خلاله على احتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات بمليارات اليورو، بيد أن اليونان ترى أن تركيا عادةً ما تستخدم المهاجرين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من التدفق المستمر للمهاجرين واللاجئين؛ وذلك حتى يتراجع الاتحاد عن سياساته العقابية لأنقرة.
فرص للتفاهم
بالرغم من تلك التحديات السابقة، ثمة فرص محدودة يمكن للدولتين استغلالها من أجل الدفع بالتقارب بينهما، وتخفيف حدة التوترات القائمة بينهما. ويمكن إيجاز أبرز هذه الفرص على النحو التالي:
1- تعزيز جسور التواصل الاقتصادي: تتمتع أنقرة وأثينا بعلاقات تجارية لا بأس بها، بالرغم من تفاقم حدة التوترات بينهما خلال السنوات الأخيرة؛ إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5.3 مليار دولار عام 2021، مقابل نحو 3.1 مليار دولار عام 2020، بنسبة زيادة تفوق 70%، واستحوذت السلع البترولية على أكثر من ثلث المعاملات التجارية بين البلدين، بالرغم من أن تلك السلع تشكل خلافاً واضحاً في العلاقات بينهما، بيد أن التقارب الجغرافي يلعب دوراً بارزاً في تشجيع المعاملات التجارية بين الجارين المتنافسين؛ ما يعد ورقة رابحة يمكن استغلالها لتعزيز أوجه التفاهم بين الطرفين.
وفي هذا الصدد، ربما تتعزز العلاقات التجارية بين الدولتين مع بدء تشغيل “خط الصداقة” الذي نفذته شركة Levante Ferries اليونانية للشحن عن طريق استثمارها على مدى السنوات الثلاث الماضية 16 مليون يورو في هذا الخط ليوفر ثلاث رحلات أسبوعية، وهو الخط الذي يمثل أول وصلة بحرية مباشرة بين المنافسَين الإقليميَّين، بصرف النظر عن الروابط المباشرة القائمة بين بعض الجزر اليونانية في موانئ بحر إيجة وتركيا. وفي المقابل تسعى غرفة تجارة إزمير إلى تطوير وسيلة نقل متكاملة تبدأ من إزمير عن طريق البحر وصولاً إلى سالونيك، ثم أوروبا، وفقاً لما أوضحه رئيس مجلس إدارة الغرفة.
2- تجاوز الخلافات بالوسائل الدبلوماسية: عادة ما تطمح واشنطن إلى وضع الحلول الدبلوماسية أمام كلا الطرفين كخطوة أولى وأساسية لحل الخلافات القائمة بينهما، خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة في شرق أوروبا؛ إذ تمثل عضوية كل من تركيا واليونان في حلف الناتو فرصة سانحة لهما من أجل اللجوء إلى بقية أعضاء الحلف كوسيط لحل خلافاتهما بالوسائل الدبلوماسية السلمية التي قد ترعاها واشنطن في ظل رغبتها في توحيد صفوف الحلف من أجل تكثيف جهوده للرد على التهديدات الروسية في أوكرانيا، بدلاً من انشغاله بالمواجهات الداخلية لأعضاء الحلف، خاصة أنها تعتبرهما حليفَين مهمَّين في الناتو، نظراً لأهمية موقعهما الاستراتيجي في شرق المتوسط، الذي يمثل المنفذ الرئيسي بالنسبة لروسيا من أجل الوصول إلى المياه الدفيئة.
من جانبه أيضاً، دعا أردوغان الاتحاد الأوروبي إلى دفع اليونان لحوار ثنائي مع بلاده؛ لتسوية الخلافات بينهما، وذلك خلال اجتماع المجتمع السياسي الأوروبي في براج شهر أكتوبر الجاري؛ حيث أظهر حينها رغبة تركيا في إيجاد حل لمشكلات شرق المتوسط وبحر إيجة في إطار القانون الدولي، بدلاً من دعم المبادرات غير العادلة وغير القانونية بهذا الشأن.
3- استناد الدول الغربية لملف الطاقة لتهدئة التوترات: بالرغم من التباينات بين تركيا واليونان حول ملف الطاقة في شرق المتوسط، ربما يشكل هذا الملف ورقة متاحة بالنسبة للدول الغربية من أجل تهدئة التوترات بين الدولتين، وخصوصاً أن الدول الغربية في احتياج شديد للغاز الطبيعي في ظل إيقاف روسيا النسبة الكبرى من إمدادات الغاز لأوروبا، واللافت هنا أن الحديث المتنامي عن استعداد موسكو لنقل الغاز لأوروبا عبر تركيا قد يضاعف من أهمية تركيا للدول الغربية، ومن ثم قد يدفعها إلى الضغط على اليونان لتهدئة التوترات مع تركيا.
إجمالاً، يظل مستقبل العلاقات التركية اليونانية مفتوحاً على سيناريوهات عديدة تتداخل فيها متغيرات الداخل في كل من تركيا واليونان، لا سيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر عقدها في منتصف عام 2023 في تركيا، أضف إلى ذلك المتغيرات الإقليمية المتعلقة بالتباينات بين الدولتين حول عدد من الملفات، مثل ملف الطاقة في شرق المتوسط، وملف قبرص. ولكن مع ذلك، قد تمثل الأزمة الأوكرانية وحرص الدول الغربية، بقيادة واشنطن، على تهدئة التوترات بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، مدخلاً جوهرياً لتحسين العلاقات بين اليونان وتركيا، أو على أقل تقدير تجميد الخلافات بينهما لحين الانتهاء من تبعات الأزمة الأوكرانية.