- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ياسر مناع يكتب: إسرائيل في الضفة: تصعيد مضبوط
ياسر مناع يكتب: إسرائيل في الضفة: تصعيد مضبوط
- 15 أكتوبر 2022, 9:59:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ترِد في الآونة الأخيرة تساؤلات عدة عن مدى الخشية الإسرائيلية من التصعيد الجاري في الضفة الغربية، أو ربما هنالك رغبة ما فيه، وذلك بالتزامن مع الصراع الانتخابي المحتدم في الجولة الخامسة من ماراثون الانتخابات البرلمانية، الناجم عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تميّز النظام السياسي في إسرائيل، مؤخراً.
تارةً تبدو إسرائيل متفاجئة من تصاعُد ظاهرة إطلاق النار، وتارة أُخرى نستخلص أن هنالك تياراً ما يرغب، ضمن مستوى معين، في توظيف التصعيد خدمةً للمشروع الاستعماري. فقد وظّفه غانتس مثلاً من على كرسي وزارة الأمن في دعايته الانتخابية، التي من المفترض أن تكون خارج الصراعات الانتخابية، لِما للأمن من مركزية، حين نفى قرار رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، استخدام الطائرات المسيّرة الهجومية ضد عناصر المقاومة في الضفة، قائلاً "أنـا مَن يقرر". ويأتي ذلك في ظل مساعي كوخافي لطيّ صفحته بإنجاز عسكري يدوَّن له في مسيرته العسكرية كقائد للأركان، فقد يكون نجماً سياسياً منافساً لغانتس في يوم من الأيام، على غرار سلفه النجم السياسي الحالي غادي أيزنكوت الذي أنهى حياته العسكرية بعملية الكشف عن أنفاق الجنوب اللبناني، والتي حملت اسم "درع الشمال".[1]
تقوم هذه المقالة على مسألتين، وإن كان مدى الترابط بينهما يختلف بين وجهة نظر وأُخرى، إلا إن بينهما ترابطاً من دون شك، وهما: الدوامة الانتخابية الخامسة، التي لا أعتقد أنها الأخيرة؛ والتصعيد القائم في الضفة الغربية، وهو ما سوف نسترسل في الحديث عنه قليلاً، نظراً إلى تدحرُجه وأهميته.
دوامة لا متناهية
منذ خمسة أعوام مضت، لم نعد نستغرب تجدُّد دوامة الانتخابات الإسرائيلية - بل نتابع كل جولة منها، نحن كفلسطينيين، ونُغرقها بالتوقعات والتحليل - وهي تدلل، من دون شك، على عمق الأزمة السياسية التي يبدو أن حلولها الجذرية تلاشت، بالإضافة إلى فقدان المجتمع الإسرائيلي الثقة بقيادته، واختلاف أولوياته عن أولويات الجيل الماضي، الذي قاد بداية إقامة الدولة، بعد نكبة فلسطين؛ فمثلاً، تراجعت قضايا الأمن القومي من سلّم أولويات الناخب الإسرائيلي[2]، وهو ما جعل الأحزاب الإسرائيلية غير قادرة على التوافق على برنامج سياسي مشترك. وهو ما يعزز الادعاء القائل إن إسراكد ذلك على القول بي متفق عليه التي تجندوا من ئيل تفتقر إلى شخصية قيادية جامعة، كون القيادات الحالية تتنقل من معسكر إلى آخر، سعياً ل، / بلاتحقيق أطماعها الشخصية وصمودها السياسي الشخصي على حساب الدولة واستقرارها. إلّا إن ذلك لا يعني أن إسرائيل مُحجمة عن مشروعها الاستيطاني الآخذ بالتوسع ويحظى بالمباركة من اليمين واليسار، ولا سيما في الضفة الغربية.
وأد أم توظيف؟
بالنسبة إلى المسألة الثانية، يُنظَر إلى هذه الأحداث الجارية في الضفة الغربية على أنها في غاية الخطورة، لكن الواقع يشير إلى أن ردة الفعل الإسرائيلية، خارج الإطار الإعلامي، لا توازي ما يجري على الأرض كما اعتدنا، فعلى الرغم من استمرار عمليات إطلاق النار على المواقع العسكرية المحيطة بمدينتيْ جنين ونابلس، فإن الجيش لا يقتحمهما لساعات طويلة، وأحياناً لا يقتحمهما بتاتاً. وهو ما يعني أن الجيش أقرّ تكتيكات عملياتية جديدة تلائم الحالة اليوم، ومن دون أدنى شك، فإن أيّ تكتيك عسكري سيخدم مصلحة سياسية ما.
من هذا المنطلق يتبلور السؤال المركزي: ما الذي يدفع إسرائيل إلى التعامل مع الأحداث بهذه الطريقة؟ إذا ما تمحورنا حول هذه الجزئية فقط، نستطيع القول إن إسرائيل تبذل جهداً على أكثر من صعيد لوأد ظاهرة إطلاق النار، ولا سيما في شمال الضفة، من دون أن تتخلى عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ذلك، وتحاول عدم الإضرار بمكانتها. يأتي ذلك التقاسم في الأدوار ضمن ثلاثة مستويات: فالمستوى الأول يتمثل في عمليات الاغتيال والاعتقال التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد المجموعات المسلحة، والتي تستند بطبيعة الحال إلى المراقبة والمتابعة الحثيثة من جهاز الشاباك على مدار الساعة. أما المستوى الثاني، ولو كان غير ظاهر للعيان، فهو تجفيف منابع الدعم اللوجستي لهذه المجموعات من ذخيرة وسلاح وما شابه ذلك. أمّا المستوى الثالث محاولة ترك مساحة للسلطة الفلسطينية، عبر الإقناع والحوار الذي تديره مع المسلحين، ولا سيما في البلدة القديمة في نابلس، للحصول على "العفو"، ويُقصَد به تعهد إسرائيلي بعدم ملاحقتهم، والتوظيف في صفوف الأجهزة الأمنية، مقابل التعهد الخطي بعدم الانخراط في صفوف المقاومة مرة أُخرى، وبيع أسلحتهم للسلطة مقابل مبلغ من المال، على غرار اتفاق المطلوبين سنة 2008.
وعلى الرغم من هذا الجهد التي تبذله السلطة في منع تدحرُج الأمور ومحاولة الاحتواء، فإن إسرائيل ترى فيها كياناً زائداً يحتاج إلى إعادة تأهيل، فتوجّه لها الانتقادات من جميع المستويات السياسية والعسكرية، وصولاً إلى الباحثين في المراكز البحثية، متهمةً إياها بالضعف وعدم القدرة على السيطرة في بعض المناطق، مثل مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس.
لكن، قد يكون هنالك داخل المؤسسة الأمنية تيار يعتنق مبدأ الانفصال عن الفلسطينيين من دون منحهم دولة– أكثر من سلطة وأقل من دولة- يوظف هذا التصعيد الميداني من أجل تحقيق الفصل؛ فإسرائيل لم تكفّ عن التخطيط منذ أعوام، وتشق شوارع التفافية خاصة بالمستوطنين، انتظاراً لتلك اللحظة التي قد تجلب معها، إذا جاءت على عجل، انتقادات دولية وإدانات عربية؛ لذا، هي بحاجة إلى مبرر قوي وصورة مقنعة للمجتمع الدولي ودول التطبيع العربية.
هذا قد يفسر تركيز الإعلام الإسرائيلي على صورة أطفال المستوطنين وهم يحتمون من رصاص المقاومين جنوبي نابلس قبل أيام. وإلا مَن الذي يدفع بالمستوطنين إلى الشوارع الرئيسية؟ ولماذا في وضح النهار؟ في ذروة عودة الموظفين إلى منازلهم؟ فقد تكون مهمة المستوطنين الآن هي قطع الطرق على الفلسطينيين، كياً لوعيهم بضرورة الفصل والتخلص من الرعب الاستيطاني في أثناء السفر. إن المسافر على طريق عناتا - الزعيّم الجديد، على سبيل المثال لا الحصر- يدرك كيف تقوم إسرائيل ببناء عملية الفصل هذه، إذ تقوم إسرائيل، عملياً، بإخفاء الفلسطيني والفصل ما بينه وبين المستوطن، عبر طبقات من شبكات الطرق المنفصلة.
كما يتعين علينا في هذا المقام أن لا نغفل أيضاً عن صراع الخلافة على منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، إذ تترقب إسرائيل غياب أبو مازن المفاجئ في ظل الصراع شبه الخفي بين أقطاب حركة "فتح" التي سوف يتاح لها فرض واقع جديد مشابه لمرحلة ما بعد ياسر عرفات.
عملية عسكرية في مهب النقاش
"كل مَن يتحدث عن عملية عسكرية شمالي الضفة الغربية، على غرار السور الواقي، فإنه لا يفهم ماذا يقول"، هذه العبارات التي تم اقتباسها من مقابلة وزير الجيش "بني غانتس" لصحيفة إسرائيل اليوم[3]، تقرّب الصورة أكثر إلى المحللين الفلسطينيين المختلفين في وجهات النظر خلال الفترة الأخيرة بشأن مجموعة من التساؤلات التي أرهقت الشارع الفلسطيني، من أبرزها: هل هنالك عملية واسعة في جنين ونابلس؟ هل سيتم استخدام الطائرات المسيّرة الهجومية؟
في الواقع - بعيداً عن النفخ الإعلامي- تنتهج إسرائيل العمليات السريعة في محاربتها لظاهرة عمليات إطلاق النار، على غرار المبدأ العسكري الإسرائيلي "المعركة بين الحروب"، ويُقصد بالعمليات السريعة المداهمات بهدف الاعتقال أو الاغتيال في أقصر وقت ممكن، من دون الوصول إلى مستوى حرب، أو معركة طويلة، وهو ما يقلل من الاحتكاك بين الجيش والفلسطينيين. إلا إن عمليات إطلاق النار الأخيرة جنوبي نابلس أشارت إلى أن المقاومين هم الذين يخرجون إلى النقاط والحواجز العسكرية ويبادرون بإطلاق النار. على الرغم من ذلك، فإن العملية العسكرية الواسعة تبقى بحاجة إلى وقت أطول، وتتعلق بانتقال هذه الظاهرة إلى مناطق أُخرى في الضفة.
لو فكرنا للحظة في حال الضفة اليوم، لوجدنا أن الفصائل الفلسطينية منهكة ومفككة بشكلها التنظيمي، وبالتالي لا تشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، بالإضافة إلى الحرية التي يتمتع بها الجيش للعمل في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وهما هدفان استراتيجيان سعت لهما إسرائيل في عملية السور الواقي سنة 2002، إذاً، فما الحاجة إلى سور واقٍ 2؟
قصص خيالية أم ماذا؟
ما الذي دفع غانتس، رجل السياسة والعسكري المخضرم، إلى وصف خبر قرار استخدام الطائرات المسيّرة في الضفة بقوله: "هذه قصص خيالية، وهذا ليس صحيحاً، ولم يوافق رئيس الأركان على ذلك، وهو ليس مخوّلاً الموافقة، إن استخدام الطائرات المسيّرة في الضفة يقع ضمن صلاحياتي، وقد يقرَّر استخدامها، لكن في الوقت الحالي، لا قرار بشأن ذلك، وما أشيعَ مجرد ضجيج إعلامي."[4] وسط تصعيد ميداني وتحريض إعلامي وسباق انتخابي.
عدا عن المزايدات الانتخابية والأنـا الأعلى لدى غانتس، أعتقد أنه يعي تماماً بأن إحدى المسائل المهمة التي ستلعب دوراً في تشكيل ساحة القتال هي استخدام إسرائيل سلاح الجو والمسيّرات؛ لأن ذلك يعني عدم وجود حرية عمل للجيش الإسرائيلي في بعض المناطق، وبالتالي وقف الدخول إليها. هذا بالإضافة إلى أنها، عملياً، تقوّض الأجهزة الأمنية الفلسطينية؛ لأنها لن تستطيع العمل في هذه الظروف مطلقاً، حينها، سوف يسيطر المقاومون على الساحة ويقدمون أنفسهم على أنهم مَن منع الجيش الإسرائيلي من الدخول إلى المدن الفلسطينية، ولهذا بالغ الأثر في التنسيق الأمني.
ختاماً، يُستثنى ما يجري في الضفة من السباق الانتخابي والمناكفة السياسية الإسرائيلية الداخلية، كما لا يمكن اعتباره أزمة أمنية بشكل صافٍ، بل قد يكون فيها شيء من الرغبة، بحذر، من اليمين المتغلغل في أروقة المؤسسة العسكرية في التصعيد. إنها مُحاولة لتحقيق الغاية السياسية المنشودة التي تتجسّد بالفصل، وهي أسمى من الصراعات الحزبية الداخلية.
[1] عملية عسكرية نفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في 4 كانون الأول/ديسمبر 2018. كان الهدف منها تحديد مواقع أنفاق حزب الله التي تصل إلى شمال الأراضي المحتلة وتدميرها؛ للمزيد، انظر/ي: "اكتملت عملية درع الشمال، أزيل خطر الأنفاق من لبنان"، يديعوت أحرونوت، بالعبرية.
[2] في استطلاع لمعهد السياسات الذي أُجريَ لمصلحة معهد القدس للاستراتيجيا والأمن، أشار 48٪ من أفراد العينة إلى أن غلاء المعيشة هو أهم قضية في الانتخابات المقبلة، و19٪ أشاروا إلى أن الأمن القومي أهم، و10٪ فقط أكدوا أن مسألة الأمن الشخصي هي الأهم؛ للمزيد، انظر/ي الرابط.
[3]مقابلة وزير الجيش بني غانتس لصحيفة إسرائيل اليوم، بتاريخ 4/10/2022؛ للمزيد، انظر/ي الرابط.
[4]مقابلة بني غانتس، مصدر سبق ذكره.